تونس الصباح تعتبر مادة «الخبز» المادة الأكثر التصاقا بالمائدة التونسية، وتكاد لا تخلو اية مائدة من الخبز مهما كان الطبق الرئيسي حتى ان التونسي اصبح يعاني من مشاكل غذائية كلما سافر خارج البلاد وخاصة للدول غير المستهلكة لهذه المادة بكثرة والعلاقة الحميمية التي تربط التونسي بالخبز جعلت العديد يبادر ببعث مشروع مخبزة حتى ان عدة مخابز في بعض الاحياء باتت ملتصقة بعضها ببعض.. وهذا التواجد الكبير للمخابز جعل المنافسة تحتد بينها وجعل هذه المشاريع تتفنن في صنع الخبز وتنويعه والحرص على جودته مع تطوير المشروع والجمع بين صنع الخبز وصنع الانواع المختلفة للمرطبات في اغلب المخابز الحديثة وذلك لمزيد اغراء المستهلك وجلبه. هذا التنوع وهذا الحرص على جودة المنتوج داخل المخابز تقابله لامبالاة تامة ومظاهر تلوث كبرى عند مسالك التوزيع ولدى بعض التجار في الاحياء.. فخروج الخبز من المخبزة الى الدكاكين يكون في اغلب الاحيان بواسطة شاحنات تحمل احيانا الخبز واحيانا اشياء اخرى بما في ذلك الحيوانات وفي احسن الاحوال تكون وسيلة النقل سيارة «ستافيت».. ويوضع الخبز بطريقة يكون فيها معرضا للدخان المنبعث من عوادم لسيارات وحتى للأوساخ التي تبعث بها عجلات العربات.. ويرمي الخبز في سلال من البلاستيك او في قفاف من السعف اكل عليها الدهر وشرب.. وبالوصول الى الدكان الذي يكون في العديد من الاحيان مغلقا لا يتردد الموزع في رمي الخبز امام باب الدكان المغلق ليبقى الساعات عرضة لشتى انواع الأوساخ والتلوث الهوائي والبيئي.. وان كان الدكان مفتوحا فان صاحبه يلجأ الى رمي الخبز في المكان المخصص له او حتى في الرفوف على مرمى يد الجميع.. وكل من يدخل الدكان لا يتوانى في مس الخبز المعروض وجسّه. ويصل احيانا الى «معالجة» كل العروض بيده (والله أعلم ما كان يصنع بهاتين اليدين) ليختار في الأخيرة واحدة حسب ذوقه واحيانا يطالب بعد جهد جهيد وملامسة ما لا يقل عن 10 خبزات بنصف خبزة فقط يلمسها هو ثم العطار الذي لا يتورع بدوره على قص الخبزة بسكين يستعملها لكل شيء.. لقص الصابون وقص «السلامي» وفتح علب الهريسة والسردينة واحيانا.. لتقليم اظافره.. نعم تقليم الاظافر!! ويكون المستهلك في كل مرة مجبرا على اشتراء خبز يكون قد مر على عشرات الايادي.. كل يلامسه ويجسه بطريقته الخاصة.. فواحد يعالجه ب«حنية» و«لطف» وآخر بعنف لحد يدخل اصابعه في العجين.. وثالث يعصره عصرا للتأكد من مدى نضجه.. وتمر على كل خبزة نفس العملية ونفس «الاجراءات».. زيادة على ذلك فان الخبز احيانا يكون بجانب الفحم واحيانا حتى بجانب «البترول» ولا تسأل عن رائحته ومذاقه.. والاكيد ان الخبزة التي نستهلكها والتي مرت على مسالك التوزيع المذكورة خالية من اية جودة وتحمل بين «ثناياها» شتى الأوساخ والجراثيم.. والمطلوب هو التشديد على جودة وسلامة هذا المنتوج الذي يباع مباشرة دون تغليف ولا لف.. وفرض مسالك ووسائل توزيع سليمة ومراقبة لمادة الخبز والتشديد على الدكاكين لحسن عرض المنتوج وابعاده عن الايادي وعن بقية السلع التي تعرف بتلونها والحد اقصى ما يمكن من المس والجس.. ولِمَ لا فرض تغليف الخبز على كل مخبزة مثلما هو الحال في الفضاءات الكبرى سواء منها المنتجة او البائعة فقط للخبز.. بحيث يباع الخبز داخل لفائف ورقية او بلاستيكية صحية بحيث تضمن سلامته من الايادي الملوثة ومن الهواء غير السليم. الخبز في الشوارع والملفت للانتباه ان العرض وطرق البيع غير السليمة للخبز تزداد في شهر رمضان المعظم.. فانواع الخبز تتعدد وتكثر من «الطابونة» الى «المبسّس».. الى «خبز الزيتون» الى «خبز الكيلو».. وكل تنوع في الشكل وفي المضمون في محاولة لاغراء الصائم بالشكل والرائحة.. لكن ماذا عن المضمون؟ فالخبز في رمضان اصبح يباع على الطرقات ويكتفي البائع وهو في اغلب الاحيان طفل صغير لا تتوفر السلامة والنظافة لا في يديه ولا في ثيابه ولا في القفة او الصندوق الذي يحمل فيه سلعته ولا في الغطاء الذي يغطي به الخبز.. وعلى ابواب الاسواق وامام الدكاكين تجد التنافس شديدا بين هؤلاء لبيع الخبز واحيانا تكون عملية البيع مباشرة «Porte à porte» حيث يتولى الاطفال بيع الخبز وخاصة الطابونة في المنازل مباشرة وهي ظاهرة تزداد خاصة في شهر رمضان والمطلوب من المستهلك الحذر من هذه السلع والتثبت جيدا فيما يشتريه ومعرفة الاشخاصد الذين يصنعون الخبز والأمكنة التي يصنع فيها والوسائل التي يصنع بها ويوزع فيها وذلك للوقاية من كل الامراض المحتملة والتي يمكن ان تنقل عبر هذه المادة الحيوية. وعلى مصالح المراقبة الاقتصادية تشديد مراقبتهم على المخابز ووسائل التوزيع والدكاكين وكذلك الباعة الموسميين للخبز وفي ذلك مصلحة المستهلك وحرصا على سلامته.