قد يبدو الاهتمام الغربي المفاجئ بالأوضاع في البلد الأسيوي الصغير نسبيا بورما (ميانمار) غامضا من أول وهلة لأن إدارة بوش وبعض الحكومات الغربية ليس من عادتها التركيز على المسائل الداخلية لبلدان لا تقع تحت تأثيرها المباشر غير أنه ومنذ اندلاع أحداث العنف في بورما تشكلت جبهة غربية في كواليس مجلس الأمن الدولي تهدف إلى تغيير الأوضاع في هذا البلد الذي ظل لمدة عقود بعيدا عن الأضواء والذي يحكمه العسكريون منذ عام 1962. أما عن الهدف من التحركات الغربية ففي ظاهره نشر الديموقراطية خصوصا أن أمريكا والدول الغربية مفتونة بالمظاهرات التي قادها الرهبان البوذيون ونزولهم إلى شوارع العاصمة البورمية وكأن مثل هذه المظاهر تدغدغ مشاعر البعض خصوصا في الإدارة الأمريكية التي "يصادف" أن تخلط بين الديني والسياسي كلما اقتضت مصالحها ذلك ولا تمانع في أن يقحم الدين في الشأن السياسي. أما الأهداف الخفية فهي لا تعدو أن تكون حلقة أخرى من الاستراتيجية الأمريكية طويلة الأمد الهادفة إلى حصار الصين ببلدان حليفة لواشنطن ولعل المتمعن في خريطة الصين يلاحظ أن عدد هذه البلدان الواقعة على الحدود الغربية والجنوبية للصين في تزايد مثل بعض الجمهوريات السوفياتية السابقة وأفغانستان وباكستان والهند وقد تشكل بورما امتدادا لطوق تريد فرضه أمريكا. ولعل تعلة الديموقراطية تبدو واهية فخلال العقود الماضية سجلت اضطرابات عديدة في بورما وكان بالإمكان تمكين زعيمة المعارضة "أونغ سان سو كيي" من الدعم والتأييد في الماضي خاصة بعد حصولها على جائزة نوبل للسلام عام 1991 في غمرة التحولات في أوروبا الشرقية غير أن مصالح بلدان غربية في بورما حالت دون ذلك. إنها خطوة أخرى لمحاصرة الصين القوة العظمى المستقبلية حيث بدأت تتدعم منطقة التأثير الأمريكي من الشرق الأوسط إلى مشارف تلك الدولة التي لديها نفوذ حاليا في بورما لأن هذه الأخيرة تمثل من وجهة نظر بيكين نقطة استراتيجية وشريكا نظرا إلى أن البلدين لهما حدود مشتركة مع الهند المنافس الأول المحتمل للعملاق الصيني في القارة الأسيوية. وإذا كان جانب من أعضاء مجلس الأمن ينادي بتدويل الوضع في بورما مثل أمريكا وفرنسا فإن الصين وروسيا الحذرتين من التحركات في كواليس المجلس ما زالتا متمسكتين بأن الأزمة البورمية مسألة داخلية وأن الوضع لا يشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين والإقليميين. فهل تهب رياح الغرب على بورما على أشدها أم تبقى البلاد تحت تأثير رياح الشرق؟ المؤكد أن قدر بورما قد يبقى متمثلا في الخضوع لقوة عظمى.. في الماضي البعيد كان المغول وفي بداية القرن 19 البريطانيون وفي الأربعينات من القرن الماضي اليابانيون وفي القرن 21 إما أمريكا أو الصين.. غير أن هذه المرة المبادرة جاءت من أمريكا وحلفائها الغربيين.