«اعتبار المقاومة التحريرية حدثا عابرا.. خطأ تاريخي وإساءة لذاكرة الشع» استهل نادي «كتب وقضايا» بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون انشطته الاسبوع الماضي من خلال لقاء فكري سياسي متميز جمع رواد النادي مع الاستاذ الهادي البكوش الوزير الاول الاسبق وعضو مجلس المستشارين بمناسبة صدور كتاب له عن مركز النشر الجامعي معنون بإضاءات على الاستعمار والمقاومة في تونس وفي المغرب الكبير. وقد غص الطابق الثاني لدار الثقافة بالحاضرين من مختلف الاجيال والاهتمامات حضرته نخبة من اعضاء مجلس المستشارين: رشيد صفر، الحبيب عمار، المنصف الماطري، آمنة صولة، سمير عبد الله، جعفر ماجد، كما حضرته النائبة الثانية لرئيس مجلس النواب السيدة حبيبة المصعبي، السيد الصادق شعبان رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الشاذلي النفاتي الأمين العام المساعد بالتجمع الدستوري الديمقراطي، اضافة الى نخبة من مناضلي الاحزاب والمسؤولين القدامى كالصادق بن جمعة، محمد مواعدة، محمد بن سعد وأساتذة المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية يتقدمهم الاستاذ نبيل قريسة مدير المعهد. تساؤلات وقد تولى تقديم كتاب المحتفى به الاستاذ رضا الملولي المشرف على انشطة نادي «كتب وقضايا» الذي وضع اللقاء في إطاره وهو الاحتفاء بالذكرى العشرين للتغيير تحت شعار «عشرون سنة من التغيير: وفاء دائم لصانع التغيير» وأبرز حرص المؤلف على اعلاء مفهوم الوطنية وإجلاله للدولة الوطنية والحكم الوطني والاستقلال قرين السيادة. وأضاف المقدم أن هذا الحرص لم يكن بعيدا عن بديهية يحاول المستعمر القديم اليوم نكرانها وهي الطابع البغيض للاستعمار وكل محاولة لتلميع صورة الاستعمار فيها نفي للحقيقة التاريخية. وطرح المقدم تساؤلات عديدة متصلة بهذه النوعية من الكتابات من قبيل: * هل يمكن ادراجها ضمن المشاغل التاريخية ومواصفاتها العلمية؟ المؤلف ليس مؤرخا بل كان مساهما في صياغة الواقع السياسي، ان لم نقل مؤثرا في مجرياته لذلك هناك إلمام في الكتاب بجزئيات الاحداث المروية مع ربطها بأسبابها المباشرة وغير المباشرة. ثم عرض أهم محاور المحاضرات التي اشتمل عليها الكتاب وتوقف عند صورة الزعيم بورقيبة وقد خصص لها المؤلف خمس محاضرات واشار الى أن ما يُحسب لبورقيبة هو عدم تنكره للمنحى الاصلاحي التحديثي الذي عرفته تونس منذ عهد المشير أحمد باشا باي. ثم تساءل المقدم بعد التأكيد على الدور التاريخي للزعيم في بناء الدولة الوطنية المستقلة: ألم تكن شخصنة الحكم وبالا على البلاد وأدت الى خلق طبقة من المنافقين (بطانة) كان همها التكالب على السلطة وهذا ما أدى الى وهن الدولة، هو ذاته الوهن الذي اصطبغت به الدولة الحسينية وتسبب في احتلال البلاد؟! ولولا التغيير الذي قاده سيادة الرئيس زين العابدين بن علي لكان مصير البلاد مختلفا ولما تراكمت الانجازات التي نراها قائمة اليوم في البلاد؟! حركية ومبادرات وقد تلت هذا التقديم محاضرة قيمة للاستاذ الهادي البكوش الذي اعتبر أن كتابه يندرج ضمن حركية فكرية تشهدها تونس منذ تحول السابع من نوفمبر، حركية تبرز جوانب هامة من تاريخ تونس الحديث وتعرّف بمقاومة شعبها للاستعمار وتذكر بتضحياته. من جهة اخرى عبر المؤلف عن امتعاضه مما تسلكه بعض القوى الاستعمارية عندما تساند أنظمة الحكم عندنا وتتعاون معها حفاظا على مصالحها وتتوخى سياسة اللعب على حبلين: تمد يدها للمعارضات ان لم تكن وراء بروزها ودون تقييم لتمثيلها واشعاعها، تقيم معها علاقات مشبوهة وتغر القائمين عليها فتجرهم الى التنكر للقيم الاخلاقية والمبادئ الوطنية. كما أكد المؤلف على أن ما قدمه من شهادات مناضل جرته الاقدار ودفعته الصدف الى معايشة احداث حاسمة من تاريخ الحركة التحريرية ومن مراحل بناء الدولة التونسية الحديثة. وتعرض السيد الهادي البكوش الى الدور الطلائعي الذي اضطلع به منذ 1934 الحزب الحر الدستوري الجديد. ولم يخف المؤلف أن يكون ما عرضه من احداث او قراءة للاحداث خاليا من تأثير المحيط الذي عاش فيه والمسؤوليات التي تقلدها وقد قال بصريح العبارة «.. قد أكون شديد الوفاء والالتزام بنضال وطني يصعب عليّ التخلص منه، رغم ما أصابنا من أذى، كان لبطانة الزعيم بورقيبة دور كبير فيه وقد تحملته صابرا.» وقد استعرض المؤلف في محاضرته فصولا من تاريخ المقاومة الوطنية نافيا أن يكون الاستعمار موازيا للمقاومة، فتلميع صورة الاستعمار في رأيه وتمجيد عهوده ينافي الحقيقة التاريخية ويرجع بنا الى مقولات استعمارية عنصرية باطلة. وفي معرض حديثه عن بعض المراحل الحالكة من تاريخ البلاد وخصوصا التنقيحات التي طالت الدستور، أشار الاستاذ البكوش الى أن بعض قادة الحزب كانوا لا يؤيدون نظاما رئاسيا مشخصا لأنهم يخشون تسلط رئيسهم عليهم مع أنهم يكبرون زعامته الفذة.. وهكذا كان الأمر فيما يخص الخلافة فعند شغور الرئاسة لا يتولاها رئيس مجلس النواب المنتخب من الشعب بل الوزير الأول المعين من الرئيس وكذلك كان الأمر بالنسبة الى الاجراءات التي اتخذت لادماج الحزب الحاكم في صلب الدولة وهو خلط غير ديمقراطي بين هياكل الدولة وهياكل شعبية وكذلك الأمر بالنسبة الى منح الزعيم بورقيبة الرئاسة مدى الحياة والحال أنه سبق له أن رفضها. وقد كان التحول الذي أحدثه الرئيس بن علي في نظر المؤلف ثورة حقيقية قوّمت ما لحق الدستور من انحرافات وأبطلت الخلافة الآلية وأعطت دفعا جديدا للتعددية. نقاشات تساؤلات الحاضرين كانت متنوعة، بعضها طالبت الاستاذ البكوش بكتابة مذكراته لحاجة المؤرخين اليها. والبعض تساءل عن تاريخ الحركة الوطنية المكبل في بعض مفاصله نتيجة ندرة المصادر الارشيفية وخصوصا الارشيف الأمني الذي حمله المستعمر معه. كما تم التعرض الى نسبية المعرفة التاريخية وقلة الموضوعية التي تتخبط فيها علوم الانسان. كما تمت الاشارة الى تجربة التعاضد باعتبارها من الاخلالات التي طبعت منهجية بورقيبة، اضافة الى هيمنة الحزب الواحد التي أفرغت المجتمع من محتواه التعددي. وفي خاتمة اللقاء ذكّر الاستاذ رضا الملولي بالمحاضرات القادمة المندرجة ضمن احتفالية الدار بالتغيير: الجمعة 19 اكتوبر: الصادق شعبان «تونس بن علي بين تحولات نهاية قرن وتحديات قرن جديد» الثلاثاء 23 اكتوبر: محمد محجوب «المدرسة واشكالية القيم في سياق مجتمع التغيير» الجمعة 26 اكتوبر: د. عبد السلام دمق «المنظومة الحقوقية التونسية عشرون سنة من المنجز القانوني»