تعود صلاتي الوطنية والنضالية بالأخ الهادي البكوش إلى بداية الستينات من القرن الماضي. ولم تنقطع منذ تلك المرحلة الحاسمة من تاريخ تونس الحديث إلى اليوم رغم اختلاف السبل والمواقف أحيانا... لأن جوهرها وأساسها ومنطلقها وهدفها هو هذا الوطن العزيز ومناعته وتقدمه واستقراره ودوره الحضاري والتاريخي المعهود. وفي هذا الإطار الحميمي والنضالي اهتممت بالكتابين اللذين أصدرهما الأخ الهادي البكوش خلال سنتي 2006 وهذه السنة الجارية 2007. حول الأمة التونسية أما الكتاب الأول الصادر سنة 2006 عن مركز النشر الجامعي فهو "الأمة التونسية بين الأمس واليوم" وهو نص المحاضرة التي ألقاها المؤلف بجامعة سوسة يوم 28 ماي 2005 بمناسبة منحه الدكتوراه الفخرية في مجال التاريخ "اعتبارا للخدمات المتميزة التي قام بها مساهمة في الحركة الوطنية من أجل استقلال تونس وإرساء مؤسسات الدولة الحديثة". وهذا الكتاب -كما يبدو من العنوان- عمل نظري وتنظيري لقضية يدور حولها جدل فكري لم ينته منذ بدايات القرن الماضي وانطلاق الحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي، هذه الحركة التي كانت ترفع شعار "الأمة التونسية" لمواجهة "الأمة الفرنسية" الغازية والمعتدية. ولذلك قدم الأخ الهادي البكوش هذا الموضوع في صيغة أطروحة جامعية. والجامعات هي كما هو معلوم المجال الطبيعي للجدل والحوار حول القضايا الفكرية الشائكة والأطروحات المماثلة للأطروحة التي قدمها المحاضر، وبالخصوص أنه قدمها بصيغة إثباتية وليست بصيغة تساؤل. فلم يقل الأستاذ البكوش: هل نحن أمة؟ بل قال "الأمة التونسية بين الأمس واليوم" وسعى خلال كامل المحاضرة-الكتاب إلى التدليل على هذه الأطروحة "المثبتة". ودون أن أتناول هذه القضية بالتحليل والنقاش في هذه المناسبة فإنني أكتفي بالإشارة إلى الاقتراح الذي قدمته للأخ الهادي البكوش والمتمثل في: نظرا إلى أهمية الموضوع فكريا ونظريا ووطنيا وحضاريا فإن هذا الكتاب ليس من المؤلفات التي تقدم وتناقش مثل بقية المؤلفات العادية. إن الأمر يحتاج إلى ندوة علمية يشارك فيها مؤرخون وجامعيون ومثقفون تونسيون تنطلق من الكتاب-الأطروحة لتناول قضية "هل تونس الوطن هي أمة بذاتها أم هي وطن وجزء عضوي من الأمة العربية والإسلامية؟". هذا مع الإشارة إلى أن إطلاق مفهوم "الأمة" على الوطن ليس خاصا بتونس بل هو مستعمل في عديد الأقطار العربية مغربا ومشرقا... وتبعا له مفهوم "القومي"... فالصحف القومية في مصر تطلق على الصحف الرسمية. ومازلت ألح على إنجاز هذا الاقتراح لأهمية القضية المطروحة... وإثراء للحياة الفكرية عندنا... وهي في حاجة إلى تنشيط. إضاءات أما الكتاب الثاني الذي أصدره أيضا مركز النشر الجامعي للأستاذ الهادي البكوش خلال الأشهر القليلة الماضية فهو: "إضاءات على الاستعمار والمقاومة في تونس وفي المغرب الكبير" وهو يتضمن مجموعة من المحاضرات ألقاها المؤلف في مناسبات عديدة وطنية ومغاربية وعربية. وقد قام بالتعريف بهذا العمل السيد كمال بن يونس الإعلامي والمثقف النشيط في هذه الصحيفة الغراء "الصباح" في عددها الصادر يوم الجمعة 28 سبتمبر 2007. وقد كان هذا التقديم التعريفي موفيا بالغرض إضافة إلى العديد من التساؤلات التي أثارها والتي تستحق كامل العناية والاهتمام. وفي الإطار التعريفي نفسه قام منتدى "كتب وقضايا" الذي يشرف عليه الأستاذ رضا الملولي بتنظيم لقاء حول هذا الكتاب مساء يوم الثلاثاء 9 أكتوبر 2007 شاركت فيه نخبة من الجامعيين والمثقفين والمناضلين الوطنيين البارزين... وكان لقاء منعشا ومفيدا... كانت لنا فيه مساهمة محدودة ومتواضعة. لكل هذه الأسباب لن يكون عملي هذا تعريفا أو تحليلا لكتاب "إضاءات" وإنما سنقتصر فيه على إبداء ما نراه مفيدا وهاما حول بعض القضايا من هذه "الإضاءات" لعله يقدم إضاءات تثري وتغني وتدعم "الإضاءات" الأصلية. ذلك لأننا نعتقد أن أهمية أي عمل من هذا الصنف لا تبرز في ذاته فقط، بل في ما يمكن أن يضيفه من موضوعات، وبالخصوص ما يثيره من قضايا وإشكاليات... وتساؤلات. إن الكتاب الذي تقرأه وتنتهي علاقتك به بانتهائك من الصفحة الأخيرة... والسطر الأخير... ليس أهلا للاهتمام... أما ما يستحق الاهتمام فهو الذي يثير فيك خلال قراءته... وبالخصوص بعد الانتهاء منها... يثير فيك الحيرة... والقلق... ويجبرك على مواصلة التفكير والمتابعة والانشغال بالقضية أو القضايا المثارة. وتأكيدا لما أشرنا إليه فلن نتناول الأحداث أو بعض التفاصيل التي أشار إليها الأخ الهادي البكوش في هذه "الإضاءات" فهو تناول مفيد قد نعود إليه في مناسبة أخرى لاحقة مثل الحديث عن الزعيم التاريخي الحبيب بورقيبة... إننا سنقتصر على الجوانب التالية: في انتظار السيرة الذاتية 1- الأخ الهادي البكوش مناضل وطني بارز ومتميز... شارك في الكفاح الوطني منذ مرحلة التلمذة إلى المرحلة الجامعية فما بعدها وقدم شتى التضحيات وتحمل عديد المسؤوليات محليا وجهويا ومركزيا... في الحزب الدستوري وفي هياكل الدولة... فمنطلقه إذا النضال الميداني المباشر وبالتوازي مع ذلك وبصورة تصاعدية تلازم امتزاج وتداخل هذا الجانب العملي مع الجانب النظري الفكري... وهذا أعرفه فيه شخصيا من خلال لقاءاتنا وحواراتنا التي كانت تشمل هذين الجانبين معا... وطنيا ومغاربيا... وحضاريا... وما يثير الانتباه بمناسبة صدور هذين الكتابين وبالتوالي: "الأمة التونسية بين الأمس واليوم" و"إضاءات على الاستعمار والمقاومة في تونس وفي المغرب الكبير" هو أن المناضل الهادي البكوش بدأ بإصدار ما هو نظري فكري إشكالي وهو مضمون الكتاب الأول، ثم أتبع ذلك بكتاب يمزج بين الأحداث والوقائع... والتحاليل... مع إبراز الأولى وإعطائها الأولوية... وما دام أن التحاليل النظرية والمفاهيم والتصورات تتبلور أكثر فأكثر وتنمو وتزداد وضوحا -عند مناضل من هذا الصنف- بعد مراحل متوالية ومتتابعة ومتصاعدة من النضال... ما دامت الأوضاع هي عادة على هذه الصورة كما نعلمه من التاريخ... فإن أخانا الهادي بدأ في كتاباته وإصداراته من الأخير... ثم عاد إلى المزج بين النظر والممارسة... وهذا التدرج التنازلي منهجيا يفترض أن يكون الكتاب الثالث هو سيرته الذاتية النضالية ومساره الوطني المتواصل. وهو الاقتراح الذي قدمه له خلال لقاء "كتب وقضايا" (الثلاثاء 9 أكتوبر الجاري) المؤرخ المتميز الأستاذ خالد عبيد وقد أكدته شخصيا في مداخلتي المتواضعة بالقول:"إن كتابتك لسيرتك الذاتية النضالية واجب وطني لابد من القيام به"... خاصة وأن هذا المناضل شارك في مرحلة الكفاح التحريري منذ مرحلة التعليم الثانوي... ثم في مرحلة بناء الدولة التونسية الحديثة ثم في مرحلة التغيير التي قادها الرئيس زين العابدين بن علي فجر 7 نوفمبر 1987 بكامل الحذق والاقتدار والتنظيم... والوطنية العالية. إن السيرة الذاتية لأي مناضل وطني هي جزء من تاريخ تونس الحديث... أليس تاريخ الوطن هو مجموع ما قام به أبناؤه وبناته من أجل تحريره وحمايته ورفعته وتقدمه واستقراره؟ 2- إن الأستاذ الهادي البكوش قد أكد سواء خلال تقديمه لمحاضرته عن "الأمة التونسية" أو للمحاضرات التي نشرها تحت عنوان "إضاءات"... قد أكد على أن ما سيذكره هو موقفه الشخصي وقد يكون مخطئا أو معيبا... إنه اجتهاد مسؤول سواء إزاء الأحداث... أو في بعض المواقف والظروف... وقد أشاد بهذا الموقف العديد من الجامعيين المؤرخين الذين شاركوا في لقاء "كتب وقضايا" نذكر منهم بالخصوص المؤرخ البارز والباحث المتميز الأستاذ لطفي الشايبي المدير السابق لمركز الحركة الوطنية. وأغتنم هذه المناسبة للإشارة إلى بعض القياديين البارزين الذين استغلوا مناسبات سابقة لتبييض وتجيير (كما يقال) ماضيهم خلال تحملهم لمسؤوليات قيادية... فأظهروا أنفسهم خالين من أي نقص وعيب وخطأ... وحملوا غيرهم سلبيات ما حدث... وهو تزييف للتاريخ... ومغالطة للحقائق... لا تدوم ولا تنطلي على أحد... وهو ما يحمل الجميع مسؤولية التصحيح... ووضع الأمور في نصابها... ومهما يكن من أمر "فكبار الحومة مازالوا حيين" كما يقال... وأعني المناضلين الوطنيين الصادقين... مغرب أم مغارب؟ 3- انطلاقا من عنوان الكتاب "إضاءات على الاستعمار والمقاومة في تونس وفي المغرب الكبير" نلاحظ أن المؤلف اختار عبارة "المغرب الكبير" وهي كما هو معلوم ذات دلالة كمية مجردة ولم يستعمل إحدى العبارات الشائعة: - المغرب العربي: وهي ذات دلالة حضارية ايديولوجية. - المغرب العربي الكبير: وهي ذات دلالة حضارية وكمية في آن واحد. - شمال إفريقيا: وهي ذات دلالة جغرافية. كما توجد عبارات أخرى مثل: - المغرب الإسلامي: ذات دلالة دينية... انضافت إليها أخيرا الدلالة الدينية المتطرفة والارهابية. - المغرب الأمازيغي: وهي ذات دلالة عنصرية تستعملها بعض المجموعات الأمازيغية في الجزائر والمغرب لها خلفيات وارتباطات فرنكوفونية معلومة. ومن الملاحظ أن الأستاذ الهادي البكوش فضل استعمال العبارة المحايدة ايديولوجيا... رغم انتشار الاستعمال الرسمي لاتحاد المغرب العربي. هذا مع أن المؤلف استعمل عبارتي "المغرب العربي" و"شمال إفريقيا" خلال الكتاب مما يؤكد تردده في اختيار المفهوم الملائم وعدم توصله إلى الحسم الفكري والسياسي في هذه القضية. هذا مع إيمانه بالوحدة المغاربية الإيمان الصادق والعميق ودوره النضالي والمباشر في هذا المجال، وهو ما عبر عنه وأكده في هذا الكتاب... هذا الموقف التاريخي يضاف إليه "التفاؤل" الذي يتمسك به رغم ما يشير إليه من فشل المسار المغاربي في مختلف المحاولات التوحيدية أو التنسيقية السابقة. وقد أشدت بهذا التفاؤل... رغم أن العوائق القائمة والمتزايدة عديدة... فهل ستفرض بعض القوى العظمى على الدول المغاربية تجسيم الاتحاد لاعتبارات مصلحية اقتصادية... وأمنية...واستراتيجية؟ وفي هذه الصورة لن يكون هذا المغرب مغربنا كما نريده ويريده أبناؤه وبناته... بل سيكون كما يريده الذين سيفرضونه... عودة الاستعمار 4- من أهم القضايا التي أثارها الأستاذ الهادي البكوش في هذه المحاضرات، وبالتالي في هذا الكتاب: بروز العودة للإشادة بالحركة الاستعمارية والتقليل من قيمة وأهمية حركات المقاومة الوطنية التي واجهت بها شعوبنا ذلك الغزو الغربي. وهذه "الإشادة" وذلك "التقليل" لم يأتيا من الغرب فقط بل ساندتهما أصوات من داخل أوطاننا ومن بين "نخبنا"... ومما يستحق التنويه أن تناول هذه القضية التاريخية والفكرية الخطيرة قد عبر عنه المؤلف بروح المناضل وبمشاعره وأحاسيسه... المناضل المباشر للمقاومة والمعايش لها في مختلف مراحلها ومنعرجاتها... وقد عاد إليها في عديد المناسبات مع إضافات تحليلية... لكن الحماس هو نفسه... و"الصدمة" هي نفسها... طبعا ليس من عاش وباشر... كمن سمع... ولهذه الأسباب أولينا هذه القضية كامل الأهمية في المداخلة المتواضعة التي ساهمنا بها في لقاء "كتب وقضايا" مع التأكيد على الجوانب التالية: أ- إن العودة إلى "الإشادة بالاستعمار وإيجابياته" و"التشكيك في المقاومة التحريرية وقيمتها ونتائجها"، هذه العودة ليست خاصة بالعلاقة بين فرنساوالجزائر وما يحدث بينهما من جدل وجدال تاريخي هذه المدة. إن هذه العودة تندرج ضمن عودة الثقافة الاستعمارية... عودة الاستعمار نفسه... الاستعمار المباشر وغير المباشر... بقواعده العسكرية وألياته الحديثة... وإعلامه... وإذا كان الاستعمار الغربي قد جاءنا غازيا ومسيطرا خلال القرن 19م، فإنه قد عاد إلى الساحة العربية بالخصوص- خلال القرن الماضي (ق20م) وهذا القرن الجاري ق21م... عاد إلينا بطلب من البعض منا وبتمويل هذا البعض... فهذا "البعض العربي" دعا القوى الغربية إلى العودة... وإقامة قواعدها وأساطيلها العسكرية على أراضينا وبتمويل مباشر "كريم" و"سخي" (وهنا يبرز الكرم العربي الحاتمي بأحسن صوره وأشكاله)... ب- إن هذا التوجه الاستعماري الجديد والمباشر تدعمه "العولمة" بما تحويه من وسائل الهيمنة والتسلط واختراق الأوطان والشعوب والأمم... اختراق سياداتها وخصوصياتها الحضارية من خلال أحدث وسائل الاتصال الحديثة من الانترنت... فهذا الجهاز الأخطبوطي العابر للقارات والحدود يخترق أبناءنا وبناتنا في عقولهم ونفوسهم فيهدم الحواجز والحدود... ويضرب قيم الانتماء الوطني والحضاري في الصميم... فيفصل هذا المتلقي عن بيئته ومحيطه العائلي والوطني والحضاري... ويربطه بفضاءات أخرى ذات قيم وتصورات بديلة وخطيرة... ج- إن هذا التوجه الاستعماري الجديد والمباشر يجعل أصحابه والقوى الداعية إليه بمساندة البعض من نخبنا المثقفة- تعتمد كل وسائل وأساليب التدخل في شؤون شعوبنا وأوطاننا تحت شعارات براقة وخلابة... مثل الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان... مما أدى إلى بروز مفهوم جديد لدى علماء الاجتماع السياسي هو "الامبريالية الديمقراطية". ولئن كان الاستعماريون خلال القرن 19م كانوا يرفعون شعار "جئناكم مكلفين بمهمة تطويركم" فإن الاستعماريين الجدد يرفعون شعارات مثل: "جئناكم لتمتيعكم بالديمقراطية والحريات العامة وحقوق الانسان"... والأمثلة على ذلك عديدة... وما يدور في العراق شاهد حي وملموس على ذلك... وما بعد العيان... عيان... تونس... أمانة بين أيدينا د- يبرز خلال كامل الكتاب بدءا من الإهداء، وعي المناضل الهادي البكوش بأهمية الوازع الوطني ودعم الروح الوطنية في هذه الظروف الدولية الدقيقة التي تشهدها الانسانية. إننا نعيش مرحلة خطيرة اهتزت فيها كل القيم والمبادئ والاختيارات... واضطربت فيها مقومات الانتماء الوطني والحضاري... لدى جميع الأمم والشعوب والمجموعات... وكل متابع مثابر لما يعيشه العالم من تحولات شاملة ومتسارعة ليلاحظ وجود تساؤل وحيد وصيغة وحيدة تتداولها وسائل الإعلام... ويثيرها العديد من الباحثين الأكادميين وأبرز علماء الاجتماع والثقافة والتربية... هذا التساؤل هو: من نحن؟... من هو الياباني؟... من هو الفرنسي؟ (سلسلة تحاليل معمقة في عدة دوريات فرنسية...) ولا يمكن أن ننسى في هذا المقام الكتاب الهام جدا الذي ألفه الباحث الاستراتيجي الأمريكي من أصل يهودي "صموئيل هنتنغتون" صاحب كتاب "صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي"... أما كتابه الجديد فهو: "من نحن؟ التحديات التي تواجه الهوية الأمريكية". وما يثير الانتباه أن هذا الباحث يعترف في المقدمة بالقول: "لقد شكلت هويتي الشخصية كوطني وباحث هذا الكتاب" ويعترف في مواطن عديدة بأن انتماءه الوطني تغلب لديه على صفة الباحث... عندما "تتصارع حوافزي الوطنية والأكاديمية". نعم. ينبغي علينا أن نولي هذا الجانب كامل العناية والأهمية. فتونس، وطننا العزيز هذا، الصغير جغرافيا وديمغرافيا، هو كبير، كبير جدا بانتمائه الحضاري وبدوره التاريخي في جميع العصور... ما قبل قرطاج. وقد تجاوز الانسان فيه الحدود الجغرافية إلى فضاءات التاريخ والفعل الحضاري الانساني الأرحب... خلال شهر جوان الماضي (2007) قمت بزيارة إلى دارفور بالسودان الشقيق ضمن وفد عربي إفريقي... وقد فاجأت الكثير من المثقفين المشاركين والعديد من المسؤولين السودانيين البارزين في ندوة انتظمت بإحدى الجامعات بالخرطوم ثم في لقاء مع قيادات دارفور بعاصمة الإقليم: الفاشر.. فاجأت أغلبهم إن لم نقل جميعهم بأن أول من كتب عن دارفور وقام بالتعريف بها هو الشيخ عمر التونسي، منذ القرن 18م... فتجاوز بذلك الجغرافيا بمسافاتها ومنعرجاتها... ليساهم في تحقيق التاريخ واستمرار الحضارة... هذه هي تونسنا... وهؤلاء هم أبناؤها الذين قدموا لها ما تستحق من تضحيات... وبالتالي تركوا لنا هذه الأمانة... أمانة المحافظة على الوطن... وأمانة صيانته وحمايته من الهزات والأزمات في مرحلة لم تشهد الإنسانية أخطر منها... على الأوطان والأمم والحضارات... مرحلة سيطرت عليها العواصف والأعاصير والتسوناميات الطبيعية... والبشرية.