«السياحة التونسية تعد بمستقبل زاهر شرط أن تولي اهتماما خاصا للجودة.. لا للربحية على المدى القصير.. وسلطة الاشراف كما أصحاب الفنادق واعون بذلك لكن المدى الطويل يتطلب جرأة وشجاعة سياسية حقيقية». الى هذا خلصت صحيفة لوموند التي أوفدت مبعوثة خاصة لها للتحقيق حول القطاع ولم تشذ الصحيفة عن القاعدة ولم تأت بالجديد.. فمثل هذا الكلام قلناه ورددناه عشرات المرّات فالقطاع يتألم في صمت وألمه الحقيقي مرجعه المهنيون أنفسهم الذين بتخفيضهم المجحف للاسعار وبتنافسهم اللاّشريف فيما بينهم وببحثهم عن السيولة النقدية بأي الأثمان أساؤوا لسمعة مؤسساتهم وألصقوا بالقطاع صفة «الوجهة البخسة الأولى بامتياز في حوض المتوسط» دون أن يجني أي طرف ربحا فلا الحريف راض ولا صاحب الفندق يحقق أرباحا ولا مداخيل الدولة من القطاع تتحسّن. ولئن ترفض سلطة الاشراف التدخل لوضع حد أدنى للاسعار ولو أنها فعلت سابقا عندما فعّلت منشورا يعود لمطلع السبعينات أثار جدلا وامتعاضا في صفوف المهنيين فإن جامعتهم لم تنجح منذ أن أوكل لها أمر تنظيم الحال بوضع حد للتجاوزات وظلت سلطة الاشراف عبر ما يتوارد إليها من معلومات تتحرك لمراقبة مدى انعكاس جودة الخدمات للتصنيف الذي يحمله الفندق معتمدة في ذلك على قاعدة الهجوم المعاكس الذي إن يصلح في شيء فإنه لا يصلح الا للتأكيد على أن الوجهة البخسة خدماتها جيّدة وبالتالي تؤكد للحرفاء الذين شجعهم انخفاض الاسعار على القدوم لبلادنا... أنها فعلا «جنة وفيها بريكاجي» وأن في هذه الجنة سلطة مراقبة حازمة لتتأكد ان «البريكاجي» لا يغش. رد وزير السياحة حول رغبات «عديد أصحاب الفنادق في ضبط أسعار دنيا» كما جاء في صحيفة لوموند كان بقوله على نفس أعمدة هذه الصحيفة «أن الدولة إذا ما غامرت بوضع هاته الضوابط فإن اول من يندد بهذا التدخل هم أصحاب الفنادق لذلك عليهم أن يتنظموا ويراقبوا أنفسهم» ومثل هذا الرد لا يوحي بأن هناك جرأة ولا شجاعة سياسية واردة في الافق كتلك التي دعت لها الصحيفة.. فمثل هذا الرد تكرر على لسان أكثر من وزير تسلم حقيبة السياحة خلال السنوات التي تلت سنة ...2001 وهو ما يعني أن سلطة الاشراف ستسير على نفس المنهج الذي لم يتجاوز حدود مراقبة الذين يجحفون في تخفيض الاسعار وما أكثرهم أي دعوة للالتزام بالجودة فالانذار والتوبيخ والغلق ثم العودة للفتح وتكرار نفس الأخطاء ولنا فيما ورد أمثلة حيّة.. أي أن الدولة تصرّ على نهج نفس التوجّه رغم ايمانها بأن هذا التوجه لم يغيّر شيئا في قوانين اللعبة التي ما فتئت تجذب السياحة التونسية الى الأسفل. وقد يذهب البعض الى أن صناعة السياحة لن تتطور الا بتنويع المنتوج بما يعني جلب سيّاح على امتداد السنة مما سيحسن بدوره من مردودية الفنادق.. ولهؤلاء نؤكد ان ما يعرض من منتوجات غير السياحة الشاطئية طالها بدورها التخفيض المجحف في الاسعار فلا العلاج بمياه البحر ولا سياحة الصولجان ولا السياحة الصحراوية وغيرها لم يدخله «القعباجي» وتردّي الخدمات. ان القطاع في حاجة الى وقفة حازمة وفي حاجة الى الجرأة والشجاعة وفي حاجة الى هيكل مهني قويّ وفاعل لا يكون أداة طيعة في يد الادارة كما كان الحال ولا عصا مرفوعة في وجهها.. بل جهازا يؤسس لغد أفضل ولو تطلّب الأمر التخفيض في عدد الاسرة الى النصف وما جدوى ان يكون لنا سرير كألف وألف كأف.. كما أن القطاع في حاجة الى بعد نظر وتصحيح للمسار وتجنّب الآليات البائدة التي لم تعط أكلها واعتقادي ان لا مهمة عاجلة للوزير الجديد غير تحسين مردود البلاد من المداخيل السياحية أما كيف يتحقق ذلك فليعلم أن الفرنسيين الذين لهم شرف ان تكون بلادهم أول وجهة سياحية في العالم قالوا ان عجة البيض لا يمكن ان تطبخ دون ان نكسر البيض.