أثبتت الإحصائيات إلى حدّ الآن سقوط 6 شهداء وأكثر من 20 جريحا ببنزرت خلال الثورة الشعبية وهم اسكندر الرحالي من حي حشاد بنزرت وخالد النفاتي وجمال الصلوحي من منزل بورقيبة ومحمد علي دندن وحمدي الدرويش ومحمد الهبهوبي من رأس الجبل، علما بأن هذا الأخير هو من مواليد 8 جانفي 1981 يشتغل بمعمل سوبيتاكس، وهو من المهدية و تحديدا من زراطة ببومرداس. وقد حرصت «الاسبوعي» على الاتصال بعائلات الشهداء بولاية بنزرت لتنقل للرأي العام مشاعر أهاليهم ومطالبهم. الشهيد اسكندر الرحالى هو من مواليد 08/12/ 1989، يقول والده المنصف إن ابنه استشهد يوم 12 جانفي بعد المغرب بقليل عندما خرج في مسيرة أمام مركز شرطة حشاد... كان المركز مظلما، ثم أضيء لما تم الطرق على الباب... فتح الأعوان وفتح أحدهم النار مباشرة على المتظاهرين، دون أن يسبق ذلك طلق تحذيري في الهواء، «والدليل أن ابني أصيب على بعد مترين فقط وفي الرأس من الخلف وقد حاول البعض سحب ابني لكن العون صاح «اللّي يقدّم نكمّل عليه» حتى قدمت سيارة الحماية المدنية التي نقلت ابني إلى المستشفى وكان جثة هامدة... أنا وكيل متقاعد من الجيش الوطني وأعرف أن إطلاق الرصاص بتلك الطريقة كان بقصد القتل وحتى الشابان مهدي الجلولي وسيف الطياشي اللذان جرحا، فإن مكان الإصابة بالبطن يدل على أن الغاية لم تكن الجرح بل القتل العمد علما بأنّ المركز أحرق في الغد وليس تلك الليلة كما يدّعون وذلك بشهادة أعوان الحماية المدنية ولما وصلت إلى المستشفى وجدت ابني قد فارق الحياة فأخرجه أصدقاؤه، وعدت إلى المستشفى وحيدا للنظر في الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها، فقيل لي من مصلحتكم أن تعيدوا الجثة إلى المستشفى حتى يعاينها الطبيب الشرعي ووكيل الجهورية، فعدت أدراجي لألحق بالجماعة فوجدت معهم الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل ببنزرت عبد الكريم الخالقي الذي عزّاني فشكرته وعدنا إلى المستشفى فهاتف الوالي يعلمه بإيصال الجثة وعدم وجود مشاكل أقول ذلك لأؤكد أن السلط على علم بالموضوع، وهذا ضروري لتفسير ما سيأتي». وأضاف محدثنا:»في الغد وحوالي الساعة الثامنة والنصف صباحا كلمني رئيس المنطقة ورئيس الفرقة العدلية لتعزيتي وقالا لي إن أمور ابنك واضحة، وفي المستشفى سلموني شهادة طبية للوفاة دون تقرير الطبيب الشرعي فأصريت على الحصول على التقرير فقيل لي إنه يحتاج إلى إذن من وكيل الجمهورية، فتركتهم وتحولت إلى المحكمة حيث قابلت مساعده، عرّفت بصفتي وكوني من الرماة البارعين وخدمتي في الكونغو مع القوات الأممية، سألني عن سبب تمسكي بتقرير الطبيب الشرعي فقلت: الإنصاف. ثم فهمت أنه توجد ضغوطات عليه حتى لا يخرج، فبقيت بالمحكمة أنتظر حوالي ساعة ونصف. إنّ التعويض المالي لا يشفي غليلي، سألاحق قضائيا من أطلق النار على ابني ومن أصدر إليه الأوامر ومن قام بتسليحه لينفذ جريمته». الشهيد محمد علي دندن هو من مواليد 01/24/ 1985، قال والده علي:»خرج ابني في مظاهرة سلمية إثر خطاب الرئيس المخلوع الأخير وقوله «يزّي من الكرتوش» صدق ابني ذلك ولكنه عاد إلينا جثة مشوهة برصاص الغدر في الصدر... هو متخرج من جامعة المنستير اختصاص موضة، بشوش ومرح ومحب للحياة». أما شقيقه الوحيد طارق فأفادنا بأن آخر ما نشره أخوه على الفايس بوك قبل خروجه إلى المسيرة شعار لا للعنف...» بعض الشبان الذين تواجدوا بالمناسبة أضافوا أن الشرطة مارست سياسة قمعية لا مثيل لها طوال السنوات الأخيرة برأس الجبل حتى أنّ أحد الطلاب فقد عقله بسبب التعذيب المتلاحق الذي سلّط عليه، وصار والداه يقيدانه الآن بالسلاسل في البيت. ومن مظاهر الاستبداد والإهانة أن أحد الأعوان كتب على عصا التعذيب عبارة «حقوق الإنسان»!! كان الإجماع سائدا على ضرورة محاكمة رئيس المركز ورئيس المنطقة الذي قيل لنا إنه قريب لعلي السرياطي، وأن نيّة القتل كانت مبيتة، ولذلك فقد أكد والده بضرورة القصاص العادل. الشهيد حمدي الدرويش من مواليد 1987/03/20 قالت والدته : «لي 7 أبناء : 3 بنات و 4 أولاد منهم حمدي وهو عامل يومي يساعدنا على مواجهة أعباء الحياة... يوم 13 جانفي لم يعمل بسبب الأمطار، خرج مع العصر ولم يعد إلاّ جثة مشوهة... سنطالب بمحاسبة الفاعلين لأن المظاهرة كانت سلمية ولم يرتكب فيها ابني جرما... بل قتل غدرا وعلى مسافة حوالي 200 متر من مركز الشرطة قبل أن يسقط امام محل لبيع الفواكه الجافة... لقد قتلوه وتركوني «محروقة عليه حرقان». أما شقيقته لمياء فقالت : لقد أعطى أخي حقّ الوطن بتلبية نداء الواجب (التجنيد)، ولكن الوطن لم يعطه حقّه... سنتمسك بمحاكمة قاتليه مهما كانت التضحيات... لقد مات أخي شهيدا وأملنا جميعا ألا يذهب دمه ودماء بقيّة الشهداء هدرا.» وبالقرب من بيت الشهيد حمدي درويش قال لنا أحد الجرحى وهو زبير الدريدي الذي اخترقت رصاصة فخذه الأيسر: سقط المرحوم أمامي ولمّا مددت يدي إليه شعرت برعشة كهربائية برجلي، وكانت الرصاصة قد أصابتني... كنا في مسيرة سلمية قرب المستشفى وبعيدا عن المركز حين فوجئنا بالرصاص يطلق من أعوان الشرطة (بين 12 و 15 عونا) الذين أغلقوا الطريق أمامنا وغدروا بنا رغم بعد المسافة، ظننا أن إطلاق الرصاص في الهواء ولكنهم أطلقوه مباشرة نحونا، فعندما ترى العون قد اتخذ وضع «ركبة ونصف» عند الرمي فتأكد أنّه لا يصوّب في الهواء». الشهيد خالد النفاتي من مواليد 1 نوفمبر 1979، قال شقيقه محمد بالساكتة النفاتي إن :»المرحوم كان عاملا في البناء في انتظار الاستجابة لطلبه كسائق حافلة، ويوم 12 جانفي كان عائدا من صلاة العشاء أي قبل التاسعة بقليل، فوجد مجموعة من الشبان بصدد تعنيف شرطيا وهو يستغيث وينادي «راني بابا صغار، ماعامل شيء» فتدخل لحمايته وساعده على الوقوف على قدميه، ولكنه(العون) حين استعاد قواه أطلق 3 رصاصات أصابت إحداها أخي في الرأس إصابة قاتلة... كان أخي طموحا، منضبطا في حياته بعيدا عن طيش الشباب نعوّل عليه كثيرا في البيت خاصة بعد طردي من العمل تعسفيّا أنا و 15 عاملا منذ شهرين رغم أننا مرسمون لأننا أردنا تأسيس نقابة، وتلك قصة أخرى، يشرفنا كثيرا أننا قدمنا شهيدا فداء للحرية والعدالة والكرامة ومازلنا على استعداد لمزيد التضحيات للحفاظ على مكاسب الثورة وحتى لا يذهب دم الشهداء سدى». أما والده عبد الرحمان النفاتي ووالدته ناجية الحسني فقد أكدا تمسّكهما بالعدالة وبمقاضاة قاتل ابنهما. الشهيد جمال الصلوحي من مواليد 3/3/ 1991 ، تحدث في البداية والده فقال: «كان ابني عائدا من عمله على متن حافلة مصنع «لي كوبر» برأس الجبل عندما اتصلت به هاتفيا بعد صلاة المغرب.. وفي حدود الساعة 8 أنزلتهم الحافلة قبل الوصول إلى مركز الشرطة خوفا من الأحداث، وكانت في العادة توصلهم قريبا من الحيّ... وفي الأثناء كانت حافلة الشرطة قدمت تحمل تعزيزا من باجة بها حوالي 20 عونا. لمّا رأوا الجموع أطلقوا مباشرة الرصاص فأصابوا ابني في البطن وأردوه قتيلا.. أنا رب أسرة كبيرة العدد، توفيت زوجتي الأولى عند الوضع وخلفت لي 4 بنات وولد (مهدي) فتزوجت قريبتها وأنجبت لي 3 بنات وابني جمال المرحوم ثم توفيت وعمره 7 سنوات، فكنت أرعاه وهو طفل وينام في حضني.. الجميع في الحيّ يشهدون له بالطيبة والنقاء. قتل في الأسبوع الذي قررت فيه أخته العودة من الخارج لزيارتنا ولكنها لم تلتق به، أخذت معها سرواله الملطخ بالدم لتبقى رائحته معها». وتضيف إحدى شقيقاته: «كان عائدا من العمل وقد اشترى حذاء رياضيا، لم تسمح له رصاصة الغدر بلبسه... لم يمض على انتدابه في العمل سوى 4 أشهر وكان يساعد الوالد». وهنا تدخلت شقيقته هادية وهي متزوجة لتؤكد تمسك العائلة بمحاكمة قاتله ومن أصدر الأوامر بقتله لأن مال الدنيا لا يعوض شقيقها الشهيد الذي يشهد له الجميع سواء من الأجوار بنهج صلاح الدين الأيوبي بالحي الجديد أو بمنزل بورقيبة بالشهامة ورفعة الأخلاق رغم صغر سنه.