وزارة التعليم العالي تكشف موعد الاعلان عن نتائج المناظرات الوطنية للدخول إلى مراحل التكوين الهندسي    مع الشروق : «الشرق الأوسط الجديد« و«إسرائيل الكبرى»... بأياد عربية !!    تعزيز السباحين المنقذين    عاجل/ البرلمان يصادق على اتفاقية قرض جديد    عاجل/ في لقاءه مستشار ترامب: سعيّد يستعرض صورا للمجاعة والمجازر في غزة ويشدد على ان فلسطين للفلسطينيين    عاجل/ الحرارة تصل 36 درجة هذه الليلة    عاجل/ تصنيف هذه الولايات في المستوى الانذاري البرتقالي    توزر: اللجنة الجهوية لتفادي الكوارث تقيّم الأضرار الناجمة عن العاصفة الرملية    زغوان: رجال الإطفاء يسابقون الزمن لإخماد نيران مصنع 'الفريب'    عاجل/ تجاوزت معدلات ال5 سنوات الأخيرة: كميات الحبوب المجمعة الى حدود جويلية    بالاس يستأنف أمام المحكمة الرياضية ضد استبعاده من الدوري الأوروبي    وزير التجارة يتابع نسق التزود بالمواد الغذائية بجزيرة جربة    تونس: طقس حارّ إلى غاية الخميس ثم تنفرج    بوحجلة: الإعلان عن برنامج المهرجان المغاربي للفروسية    الفنان زياد غرسة في افتتاح مهرجان تستور الدولي [صور+ فيديو]    شمس تختفي لمدة طويلة.. الكسوف الكبير يجي على قريب    وسيم الصيد يشارك في الدورة الدولية لكرة الطاولة أكابر بنيجيريا    عاجل/ تفاصيل جديدة في حادثة مقتل شاب تونسي بايطاليا..والده يكشف ويوجه هذا النداء..    القصرين : الشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق تستكمل انتاج الورق المخصّص لطباعة الكتاب المدرسي لسنة 2025&8203;    عاجل/ قروض بقيمة 200 ألف دينار دون فوائض لفائدة هؤلاء..    عاجل: امتيازات ديوانية للتونسيين العائدين نهائيًا من الخارج...التفاصيل    الالعاب العالمية الجامعية: عهود بن عون ومحمد خليل الجندوبي يعبران الى نصف نهائي مسابقة التايكواندو    قابس: تدعيم قسم الأنف والأذن والحنجرة بالمستشفى الجامعي بقابس بتجهيزات متطورة    عاجل/ خلال يومين: استشهد 23 فلسطينيا من بينهم أطفال بسبب الجوع في غزة..    عاجل و رسمي : الاعلان عن روزنامة العطل للسنة الدراسية 2025-2026 في تونس    الزهروني: "سيف" في وجه فتاة وحملة أمنية تطيح بعدة منحرفين خطيرين    قبلي: تواصل التحضيرات استعدادا لانطلاق موسم تغليف عراجين التمور    الرديف: إيقاف العمل بمغسلة الفسفاط احتجاجا على انقطاع الماء    هند صبري تودّع والدتها بكلمات مؤثرة: "كانت ابنتي وصديقتي ورفيقة دربي"    عرض "سينوج - اوديسي" على ركح مسرح الحمامات الدولي: ملحمة موسيقية جمعت بين المزود و"الروك"    اللجنة الأولمبية القطرية تؤكد مشاركتها في النقاشات الجارية لاستضافة أولمبياد 2036    الرّابحي يدعو إلى حماية المياه المعلّبة من أشعة الشمس ومعاقبة كُلّ من يرفض التّجاوب..    عاجل: 4 قرارات من وزيرة العدل تتعلق بانتدابات جديدة في القطاع العمومي    راغب علامة يعلّق على قرار منعه من الغناء في مصر: ''اعتبروني عبد الحليم حافظ أو سعاد حسني''    تنبيه هام : شوف كيفاش تعدّي موجة الحر بسلام وتخفض في فاتورك !    وزير الداخلية يؤدي زيارة عمل إلى فرنسا    جامعة النزل : 25% من الوحدات السياحية أغلقت أبوابها خلال السنوات الأخيرة    السخانة طالعة... تبع النصايح قبل ما توصل للمستشفى!    الحماية المدنية: 221 تدخلا لإطفاء الحرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    بطولة سيغوفي الاسبانية للتنس: عزيز دوقاز يواجه اليوم المصنف 225 عالميا    تحذير يهم التونسيين : كيف تؤثر حرارة الصيف على جودة المياه المعدنية؟    بسبب ''قُبلة'' من فتاة: منع راغب علامة من الغناء في مصر    النادي الإفريقي: تواصل التحضيرات بالحديقة .. ومباراة ودية في البرنامج    وزارة الصحة تحذّر: أدوية قد تصبح خطيرة بسبب ارتفاع درجات الحرارة    عاجل/ "الصوناد" تكشف الأسباب الأوليّة للحريق الذي نشب بمحول محطة ضخ المياه..وهذه المناطق ماتزال دون ماء..    حريق هائل بمحل لجمع فضلات حفاظات الأطفال..وهذه التفاصيل..#خبر_عاجل    خطية بين 100 و300 دينار لكل من يرمي سيڨارو في الشارع    الاحتلال يقتحم منشآت تابعة لمنظمة الصحة العالمية في غزة ويحتجز موظفين    مفاوضات هدنة غزة.. واشنطن تطالب حماس بردّ على المقترح المحدث    كرة القدم العالمية: على أي قنوات تُبث مباريات الثلاثاء 22 جويلية ؟    ترامب: مستعدون لشن ضربات متكررة على المنشآت النووية الإيرانية إذا لزم الأمر    المدرسة الجاسوسية .. تاريخ غامض وموقع استراتيجي    الأرض على موعد يومين من أقصر الأيام في تاريخ البشرية!    تاريخ الخيانات السياسية (22) .. حكاية الرشيد وجعفر البرمكي    بعد حادث نيجيريا: المنتخب التونسي لألعاب القوى يعود بسلام    راغب علامة ممنوع من الغناء في مصر    جندوبة: 10 سهرات خلال مهرجان بلاريجيا الدولي والقضية الفلسطينية حاضرة في البال    عاجل: ما ينتظر التونسيين هذا الأسبوع..حرارة مرتفعة أجور تنتظر وعطلة قادمة    









الديبلوماسية التونسية.. العودة إلى الدار وما أفسده الدهر.. هل ينفعه العقار؟

بقلم: محمد الجويلي كل من تابع الحديث عن الدبلوماسية التونسية وضرورة أن تتلاءم مع المرحلة الجديدة من تاريخ البلاد وآمال شعبنا في الديمقراطية والحداثة السياسية لاحظ أن العودة إلى الدار أي إلى أبناء وزارة الخارجية وموظفيها الكبار وتكنوكراتييها في الدبلوماسية قدمت من البعض بما في ذلك وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة المستقيل وكأنها المفتاح السحري والحل الأمثل لكي تقدم الدولة التونسية نفسها بشكل أفضل إلى العالم وأن تلعب دورها الذي يليق بها على المستويين الإقليمي والدولي وأن تحافظ تبعا لذلك على مصالح شعبنا هنا وهنالك في أصقاع العالم.
يبدو هذا الحل لأول وهلة هو الأكثر ملاءمة للظرف الراهن واستحقاقاته، لا سيما وأن ما ميز الدبلوماسية التونسية في العقود الأخيرة ومنذ 1956 ما عدا العشرية الأولى التي تلت الاستقلال هو جمودها ووثوقيتها وافتقارها للإبداع وشللها وهو أمر بديهي في دول الاستبداد التي يحتكر فيها رأس الدولة وحاشيته لكل السلطات فما بالك إذا كان يفتقر هو نفسه لحس المثقف وروح المبادرة ولرؤية استراتيجية واضحة لما ينبغي أن تكون عليه بلاده حاضرا ومستقبلا ويفضل الغياب في الملتقيات الإقليمية والدولية الكبرى لمعرفته مسبقا بعدم قدرته على السجال والحوار ومطارحته الأفكار مع زعماء الأمم ودولها وإذا ما حضر فيكتفي بإلقاء كلمة أعدت له سلفا عادة ما تكون متكلسة ونمطية ومكرورة تلوك خطابا مرصعا ومزركشا بمفاهيم يكون على الأرجح غير مستوعب لمضامينها، علاوة على افتقارها للصدق ولانقطاع صلتها بالواقع وبنبض شعبه وطموحاته وآماله، فما بالك بنبض الإنسانية برمتها ومشاكلها والتحديات التي تطرح أمامها.
لقد كان بورقيبة - رغم مساوئه وأكثرها عواقب وخيمة علينا هي التركة الثقيلة التي ورثها لنا في العقدين الأخيرين والتي أوصلتنا إلى ما أوصلتنا إليه من خراب لرفضه التنحي عن سدة الرئاسة كما فعل صديقه سنغور في السنغال الذي نصحه بذلك ورفض نصيحته ساخرا وقائلا له «أنت رجل أبيض في جلد أسود»!! رجلا مثقفا وذا رؤية استراتيجية واضحة في العلاقات الدولية سواء شاطرناه في هذه الرؤية أم لا. الأمثلة كثيرة على ذلك يمكن أن نذكر منها رؤيته لحل الصراع العربي الصهيوني وخطابه سنة 1965 في أريحا وجرأته في طرح هذا الحل رغم معرفته مسبقا برفض غالبية العرب له وإمكانية تعرضه للهجوم بسبب هذا الموقف والتخوين والإقصاء، بل أن الرجل وهو في شيخوخته سنة 1990 لخص تداعيات غزو العراق للكويت في مثل شعبي وجيز لجريدة لوموند ولمجلة المغرب «وحلت المنجل في القلة». لإخراج المنجل لا بد من كسر القلة «الجرة» وهو ما حدث للعراق، انكسار بعيد الغزو تبعه انكسار أكبر بغزوه سنة 2003. كان بورقيبة بكل تأكيد نرجسيا وموغلا في ذلك إلى حد المرضية بمماهاة تونس في ذاته: تونس هي بورقيبة وبورقيبة هو تونس ولكنه كان وطنيا يحب بلاده حتى وإن كانت محبته لها هي في الحقيقة محبة لنفسه والأمران كما قلنا لا ينفصلان عنده! وهو ما جعله يطرح نفسه رئيسا مدى الحياة ويخلق نظاما استبداديا كليانيا عماده عبادة شخصية الرئيس وعصمتها عن الخطأ تماما مثل إمام الاثني عشرية في الأدبيات الشيعية الكلاسيكية ويهيئ تبعا لذلك هذه الأرضية السياسية الثقافية لخليفته من بعده. غير أن هذا الحب المعقد الذي يحتاج إلى مهارة عالم التحليل النفسي لاكان (Lacan) وتلميذه المصري مصطفى صفوان لفهمه وتحليله هو الذي جعله يدافع عن تونس دفاعا عن كيانه ويقف في العديد من المرات موقفا دبلوماسيا شجاعا بطرده السفير الأمريكي من مكتبه والهم بضربه بعصاه على ما يقال عندما علم بتواطؤ أمريكا مع إسرائيل في قصف حمام الشط سنة 1983. وهنا لا بد من فتح قوسين أن بورقيبة ما كان ليفر من البلاد لو وجد نفسه في نفس موقف خليفته يوم 14 جانفي ولفضل الموت أو المحاكمة ونرجح أن الخبر الذي راج حول طلبه مسدسا من ابنة أخته فجر يوم 7 نوفمبر للدفاع عن نفسه ويداه ترتعشان، مسدسا هو غير قادر في الحقيقة الإمساك به فما بالك باستعماله أن يكون صحيحا.
روى لي في الصيف الماضي وعلى هامش الدروس الصيفية التي نظمها المعهد الديبلوماسي المتوسطي الإيطالي في مدينة ماراتيا (Maratea)الوزير الأول الإيطالي السابق في السبعينات كولومبو (Colombo)- وهو رجل ناهز التسعين من عمره مباشرة بعد أن قلدني وسام الاستحقاق المتوسطي الذي يسند إلى بعض المثقفين الفاعلين في الحوار بين الضفتين وبحضور نائب رئيس البرلمان الأوروبي بيتيلا (Petella) طرفة حدثت له مع بورقيبة في السبعينات. ذهب كولمبو إلى تونس على عجل حسب روايته للتفاوض حول الإفراج عن سفن صيد إيطالية ضبطها خفر السواحل في المياه الإقليمية التونسية [جاءت بكل تأكيد لنهب الأسماك]. استقبل بورقيبة كولمبو غاضبا صارخا كما قال لي متهما الحكومة الإيطالية بالتغاضي عن سرقة الثروة السمكية للبلاد مؤنبا له بالقول أن هذا الفعل ليس من شيم الأصدقاء. قال كولمبو كنت في وضع محرج واعتذرت له ووعدته ألا يتكرر الأمر في المستقبل فبدأ شيئا فشيئا يهدأ ثم استضافني على مأدبة غداء فطلبت طبق تونس التقليدي الكسكسي من النادل فما كان من بورقيبة إلا أن تدخل ليشترط بأن يكون بلحم الخروف وليس بالسمك، كفاكم ما أكلتم من أسماكنا! قال له مازحا بل جامعا بين الجد والهزل. انفجرنا ضاحكين وكان معنا جمع من الإيطاليين من موظفي الخارجية والأساتذة الجامعيين. ولكم أن تتصوروا كم أحسست بالفخر في تلك اللحظة بأن أرى رئيس دولتنا يقف موقفا حازما «بكل حزم» بالفعل وليس بالكلمة، في الدفاع عن مصالح البلاد منذ أربعين سنة ليس ضدها وتهديدا لشعبها دون أن يخل بآداب الضيافة وفي موقف يجمع بين القوة واللين في ديبلوماسية لا تخلو في الآن ذاته من الصرامة والطرافة.
في تلك اللحظة نسيت مساوئ بورقيبة الكبرى التي ذكرت الأسوأ منها على حد اعتقادي وانتشيت وأحسست أنني انتمي إلى وطن كان يحكمه في الماضي رجل يغار عليه. ولا شك أن للعامل النفسي دوره في هذا الانتشاء وأنا في إيطاليا التي مارست فيها العمل الجمعياتي والثقافي بكثافة خلال العقد الأخير ووقفت فيها على قصور الديبلوماسية التونسية وعجزها في هذا البلد الجار لنا والمهم بالنسبة إلينا والذي يستقبل كل سنة مئات من شبابنا «الحارقين» ضحايا الفساد والفارين من جحيم البطالة والتهميش والذي يأوي الآلاف من أبنائنا الذين عجز النظام السابق نتيجة لاختياراته الاقتصادية الظالمة وعجزه عن تطبيق تنمية جهوية متوازنة أن يوفر لهم لقمة العيش الكريم.
لولا قصور هذه الديبلوماسية التي مثلها رجال لا هم للبعض منهم في إيطاليا إلا الحفاظ على مناصبهم وما توفره لهم من امتيازات ووجاهة وخدمة أسيادهم من حاشية القصر الذين أرسلوهم إلى هنالك والسهر على راحتهم في الفنادق والمطارات والعجز عن مواجهة الرأي العام الإيطالي الذي يتساءل عن الأسباب الحقيقية التي تجعل آلاف الشبان التونسيين يتدفقون على شواطئهم وهم بين الحياة والموت بل الموت في الغالب الأقرب هو الذي جعل وزير الداخلية الإيطالي يتجرأ كما تجرأت وزيرة الخارجية الفرنسية من قبله أن يهدد ببعث رجال أمن إيطاليين إلى الشواطئ التونسية. ومن حسن حظنا أن ثار شبابنا ودفع شعبنا من دمه ضريبة باهضة للتحرر، ما جعل الناطق الرسمي باسم الحكومة المؤقتة الأستاذ الطيب البكوش يرد على هذا الوزير في قناة الجزيرة بالقول أن عصر الفاشية قد ولى وأن من يعتقد أن أقدامه يمكن أن تصل إلى الشواطئ التونسية فهو يحلم. إن في مثل هذا القول وفي غيره من الأقوال التي تصدر من هنا وهنالك من أفواه الصحفيين مثلا الذين حاججوا وزير الخارجية المستقيل وطلبوا منه تفسيرا لسلوكه وتصريحاته في فرنسا تنبجس ديبلوماسية تونسية جديدة وليس بالعودة إلى الدار (الخارجية) لأن الدار في حد ذاتها في حاجة إلى إعادة بناء، فمن تربى على الولاء إلى الحزب والشخص والخوف لا يمكن أن يتحول بين عشية وضحاها مواليا للوطن وللضمير. ماذا يمكن أن ننتظر من وزير قبل أن يتحول بعد ذلك إلى سفير تونس في إيطاليا تستضيفه القناة التليفزيونية (TF1) في نشرة الأخبار الرئيسية على الساعة الثامنة مساء التي يشاهدها ملايين الفرنسيين قبيل قمة المعلومات التي نظمت في تونس منذ بضع سنوات يجلس على الكرسي منقبضا مرتعدا ومثيرا للسخط والشفقة معا خائفا من أن ينطق بكلمة واحدة تغضب رئيسه مرددا أكثر من مرة في فرنسية ركيكة أنه من جيل بن علي (je suis de la génération Ben Ali) أعادها أكثر من مرة، ما جعل الصحافي الفرنسي يعلق في تهكم حسنا حسنا (bon Ab؟) ولكم أن تتصوروا ما يشعر به أي تونسي غيور على بلده في تلك اللحظة يشاهده؟ بالخجل، بأن يتمنى أن تبتلعه الأرض كما نقول في دارجتنا.
أستاذ جامعي الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.