كشفت احصائيات هيئات دولية مختصة ان تونس تحتل قصب السباق عالميا في استهلاك الحبوب.. وحسب ذات الاحصائيات فان استهلاك الفرد الواحد يرتفع الى 258 كلغ من الحبوب سنويا مقابل 130 كلغ لجيراننا في الضفة الاخرى من المتوسط.. أي بحساب بسيط فان استهلاك التونسي يناهز ضعف استهلاك الاوروبي من المعجنات والخبز.. وكل ما له علاقة بمشتقات الحبوب. ولئن انفردت تونس بالمرتبة الاولى عالميا في استهلاك الفرد منها للحبوب فانها غير منفردة في محيطها الجغرافي المعروف دوليا بأنه اكثر مناطق العالم استهلاكا للحبوب فمعدل الاستهلاك السنوي للجزائري يرتفع الى 232 كلغ في حين يرتفع معدل استهلاك المغربي الى حدود 211 كلغ سنويا وتعتبر هذه المعدلات الأعلى دوليا تليها بعض دول الاتحاد السوفياتي سابقا وايران. وبدون لف ولا دوران يلعب التبذير دورا أساسيا في جعل بلادنا تحتل المرتبة الأولى دوليا في مجال استهلاك الحبوب.. وربما تحتل المرتبة الاولى في التبذير لو وجد تصنيف لهذا الباب.. فالتونسيون تعودوا خلال عشرات السنين على القاء الخبز في الزبالة الى ان اصبحت تجارة «الخبز البايت» تجارة رابحة يقتات منها عدة الاف من العائلات موزعة على كامل البلاد كما اصبحت باسواقنا الاسبوعية المنتصبة في كل جهة اركان خاصة ببيع «الخبز البايت» على غرار الاركان الخاصة بالخضر والملابس المستعملة والادوات المنزلية.. واصبح «الخبز البايت» من الاعلاف الاساسية التي لولاها لتردى حال ماشيتنا وابقارنا الحلوب رغم ما يخلفه هذا الصنف من التغذية من مخاطر عدة. واهدار الخبز لم يكن يؤثر كثيرا في ميزانية الدولة بعد ان تراجعت الاعتمادات المخصصة لصندوق التعويض تدريجيا مقارنة بتطور ميزانية الدولة غير ان الارتفاع الهام لأسعار الحبوب خلال المدة الاخيرة والذي تزامن مع اشتداد حمى ارتفاع مختلف اسعار المواد الاولية بدءا بالبترول انتهاء الى عديد المنتجات المصنعة أصبح يفرض علينا التفكير جيدا في ان دعم صندوق التعويض لا يمكن ان يتواصل الى ما لا نهاية له.. وان الدولة وان غضت الطرف فيما مضى على الاهدار لتحمل الحكومة جزءا من المسؤولية في ذلك بسبب تغافلها عن إيلاء عناية خاصة لتأهيل قطاع المخابز وفرض الجودة التي من شأنها ان تطيل في عمر استهلاك الخبزة ولا تجعلنا نلقي بها في الزبالة لعدم صلوحيتها.. فان غض الطرف هذا لا يمكن ان يتواصل بأي حال من الاحوال. فالمطلوب ان تنكب الجهات المعنية في الاعداد لمخطط لترشيد استهلاك الخبز على غرار ترشيد استهلاك الطاقة يأخذ بعين الاعتبار ثلاثة محاور اساسية هي دعم التشاريع والمزيد من التحسيس واللجوء الى الردع في مرحلة اخيرة.. ومن الواجب في اسرع وقت وضع مواصفات لصناعة الخبز، على كل المخابز اعتمادها.. مواصفات تولي مسألة الجودة اهمية خاصة لما لها من دور في ترشيد الاستهلاك.. وبالتوازي مع وضع هذه المواصفات على كل الاطراف ان تقوم بحملات توعية وتحسيس لكل الاطراف انطلاقا من الطرف الذي يقتني الحبوب مرورا بالمصانع التي تحولها الى المخابز التي تصنّعها والى المواطن الذي يستهلكها.. فكل طرف مطالب بمعرفة ما له وما عليه من واجبات ومن حقوق. نأتي الى مسألة الردع فالمطلوب من المشرّع ان يأخذ بعين الاعتبار مسألة الردع للمخالفين وللمهدرين فالمخالف سواء تعلق الامر بصناعي أو خبّاز أو مستهلك يفترض ان يطاله القانون.. ومن يبادر بإلقاء خبزه في الزبالة هو عبارة عن شخص اتلف المال العمومي لذلك فمن المفروض ان يكون عرضة للعقاب. معطى آخر مهم يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار في مسألة ترشيد الاستهلاك وتخفيف العبء عن صندوق التعويض اذ لا ننسى ان لنا اكثر من 6 ملايين ونصف المليون سائح يفدون على بلادنا وما يجاوز نصف عددهم يؤمون الفنادق فليس من المعقول في شيء ان يأكل هؤلاء على نفقة صندوق الدعم.. اذ كما يدفعون ثمن الكلفة الحقيقية لكل المنتجات التي يستهلكونها وربما اضعاف اضعاف ذلك.. لابد ان يدفعوا الثمن الحقيقي للخبز والمعجنات والزيوت النباتية.. وعندما نقول يدفعون فالمعني اولا وقبل كل شيء هم اصحاب الفنادق الذين لا يجب ان يحوّلوا مواد مدعومة الى منتجات تباع بالشيء الفلاني ويجنون ارباحا مضاعفة ويزيدون وضع طين صندوق الدعم بلّة. ان بلادنا في خضم ما يعيشه العالم من تحولات في حاجة الى ان ينفق كل مليم من ميزانية الدولة في ما يعود بالنفع على عامة الناس ويجب على العامة كما الخاصة ان يعطوا المثل في الوطنية والتفاني في حب الوطن لتجنيبه ويلات جنون الاسعار العالمية التي ستهز حتما الاقتصادات النامية اذا لم تتحصن لها كما يجب.