على غرار أسعار البترول يبدو أن أسعار الحبوب والزيوت النباتية ستواصل أرتفاعها خلال الاشهر القادمة بما ينذر بمزيد اثقال كاهل المستهلك لا في تونس فحسب بل وفي مختلف دول العالم. ومحليا يتوقع أن يرتفع الدعم المخصص لاعتمادات صندوق التعويض الى 560 مليون دينار خلال السنة الجارية ولا يستبعد ان يتطور هذا الدعم خلال السنة القادمة بما يزيد في اثقال كاهل ميزانية الدولة في وقت يفترض فيه مزيد التحكم في التوازنات المالية العمومية فهل من حل؟. وكنت تطرقت ضمن هذا الركن منذ مدة الى ضرورة ترشيد إستهلاك التونسي للخبز الذي يلهف لوحده جانبا هاما من صندوق التعويض وترشيد الاستهلاك لا يعني البتة الحط من حصة التونسي اليومية المستهلكة بل الحد من التبذير الذي يقدره العارفون ب 300 ألف رغيف يوميا بما يعني إلقاء ما لا يقل عن 100 ألف دينار يوميا دون احتساب الدعم في المزابل وفي افضل الحالات يتم تحويل جزء منها علفا للحيوانات.
وميدانيا لم تظهر للمقترحات والاشارات والملاحظات التي أثرتها بنفس هذا العمود بتاريخ 20 أوت المنقضي أي أثر اذ لم يبلغ الى علمنا أن اجتماعات عقدت في الغرض للبحث في تحسين نوعية الخبز أو إن إجراءات اتخذت لوضع مواصفات دقيقة لصنع الخبز من شأنها ان تحسّن جودته وتضمن حفظه لأيام عوضا عن ساعات لا يكون بعدها صالحا للاستهلاك. ان الحد من هذا الاهدار المفروض على المواطن من شأنه حتما ان يخفف العبء عن صندوق التعويض وعن ميزانية العائلة ومن شأنه كذلك ان يؤهل قطاعا حيويا ظلّ الاهتمام به محصورا في السعي الدؤوب لمنع استعمال الفارينة المدعمة في غير مجال استهلاكها وفي أفضل الحالات منع استعمال شفرة الحلاقة عند قص العجين لما قد تشكله من مخاطر على صحة المستهلك. وبالتوازي مع الحد من الاهدار وتأهيل قطاع المخابز يفترض كذلك ايلاء عناية خاصة لزراعة الحبوب من خلال تعميق البحث العلمي لتطوير البذور القادرة على التأقلم مع تقلبات الطقس.. وإعتقادي أنه على مستوى وطني كما على مستوى دولي من الضروري التفكير بأكثر جدية في ملف المنتجات المحورة جينيا لانه لا مفر في قادم السنوات من الانخراط في هذا النمط الجديد من الانتاجات إن أردنا الحفاظ على اسعار معقولة للخبز ومنتجات العجين.. فارتفاع الطلب وتقلبات المناخ وتنامي الامراض النباتية وارقام الانفاق المرعبة في اقتناء المبيدات لا يمكن تجاوز ما تطرحه من مشاكل الا بإحداث قفزة نوعية على مستوى الانتاج يلعب فيها التحوير الجيني للبذور دورا أساسيا.