مصطفى الزغل فتحت ثورة الشعب المباركة باب الحوار الحر والبناء بين الطلبة والأساتذة. وقد كان لي أخيرا حوار مع مجموعة من طلبتي وقد أفضى بي هذا الحوار إلى قناعتين اثنتين: أولهما أن مقتضيات الثورة هي فوق أحكام الدستور وثانيهما أن مطالب الشباب هي أولى الأولويات. مقتضيات الثورة والدستور
الثورة التونسية التي انطلقت من سيدي بوزيد باستشهاد محمد البوعزيزي والتي عمت كافة جهات الجمهورية وشملت مواطنينا بالخارج هي ثورة شعبية لعب فيها الشباب دورا أساسيا. وهي ثورة لا مثيل لها في تاريخ العالم المعاصر إذ استطاعت في أقل من شهر من إسقاط نظام الرئيس المخلوع وإجباره على الهروب. ثورة قامت ضد الظلم والاستبداد والفساد ومن أجل الحرية والكرامة والديمقراطية ومن أهدافها الأولية: - إقامة نظام ديمقراطي يفصل الدولة عن الأحزاب، نظام ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب بكل فئاته وأصنافه فلا إقصاء ولا تهميش لأية جهة ولأية فئة ولأي رأي ومن هذا المنطلق فإننا نقر بعلوية إرادة الشعب على الدستور وقد قال الشعب كلمته الفاصلة بإسقاط بن علي ونظامه. من وجهة نظرنا ومن الناحية النظرية البحتة يمكن القول بأن سقوط بن علي يقود حتما إلي سقوط النظام بكل هياكله وخاصة مجلس النواب ومجلس المستشارين.. أما من الناحية العملية فإنه بالإمكان الأخذ من أحكام الدستور ما يصلح للبلاد ويتلاءم مع أهداف الثورة وإلغاء الأحكام التي تتعارض مع هذه الأهداف والمصلحة العليا للبلاد. وقصارى القول في هذا المجال أن الثورة قامت لبناء نظام جديد ودستور جديد وليس عليها أن تلبس جبة الدستور القديم الذي أدى إلى نظام دكتاتوري مقيت. ومن ناحية أخرى فإنه من المفيد أن يستعين رئيس الجمهورية المؤقت بلجنة حكماء تساعده على القيام بمهامه فضلا عن الحكومة المؤقتة المتكونة من أعضاء مستقلين أو تكنوقراط وفضلا عن لجنة الإصلاح السياسي التي يجب أن تتوسع لتتمكن من تقديم تصورات مختلفة للنظام المستقبلي للبلاد ويبدو لي أن أول مهام رئيس الجمهورية يتمثل في إصدار مرسوم رئاسي لتنظيم الانتخابات المقبلة على أن تقع في غضون ستة أشهر أو أكثر بقليل إن اقتضى الأمر ذلك. وبطبيعة الحال تنبثق عن هذا المجلس حكومة ائتلافية تقوم بمهامها بصفة عادية وتحت رقابة المجلس , ومن الواضح هنا أن الانطباع الغالب متجه نحو إقامة نظام برلماني تكون فيه الحكومة مسؤولية أمام البرلمان ويكون فيه رئيس الجمهورية رمزا لوحدة البلاد وملاذها الأخير عند الاقتضاء. ذلك أن الكثيرين دعوا بصفة علنية إلى إلغاء النظام الرئاسي الذي يقود في كثير من الأحيان إلى نظام دكتاتوري خاصة في البلاد العربية.
مطالب الشباب
أولا: توفير الشغل، إن واقع الشباب العاطل عن العمل واقع مر..هذا الشباب لم يعد يحتمل البطالة وقد طال انتظاره كل شاب في سن الثلاثين أو ما يقاربها يتوق إلى بناء مستقبله في الحياة الكريمة وكثيرا ما تجد في العائلة الواحدة أكثر من صاحب شهادة عليا عاطل عن العمل. على كل وزارة أن تضاعف في هذه السنة طاقة استيعابها لانتداب أكبر عدد ممكن من أصحاب الشهادات العليا كما يتعين على المؤسسات الاقتصادية مهما كان حجمها أن تحسن من تأطيرها. ثانيا: توفير المنح لطلبة في مستوى المرحلة الثالثة وفي هذا المجال يقول هؤلاء الطلبة أنهم في مرحلة الدكتورا لا يمكن لهم التفرغ للدراسة والبحث إذا لم تكن لهم منح كافية تمكنهم من العيش ويلاحظون أنهم يستنكفون من مد اليد لأوليائهم لتوفير حاجياتهم وقد قاربوا سن الثلاثين. ثالثا: تمكينهم من المشاركة الفعالة في الإصلاحات التربوية والجامعية بصفة منتظمة لا بحسب الظروف والأزمات لذلك ألحوا على إعطائهم الحرية في تنظيم اتحاداتهم وجمعياتهم للدفاع عن حقوقهم والمساهمة الفعالة لاستنباط الحلول الملائمة لأوضاعهم. كما أنهم ألحوا على إعطاء الأولوية للعناية بالجهات الداخلية التي لم تأخذ حظها من التنمية. وفي خاتمة هذا المقال لا يسعنا إلا أن نؤكد أن نقطة البداية لتجسيم ثورة الشعب والشباب ثورة 14 جانفي 2011 تنطلق من منطلقين اثنين: المنطلق الأول يتمثل في قانون انتخابي جديد يمكن الشعب من الشرعية القانونية لبناء المستقبل (تحرير دستور جديد، بناء مؤسسات الدولة على أساس ديمقراطي حقيقي). المنطلق الثاني يتمثل في تلبية مطالب الشباب الملحة والمشروعة فهي من أولى الأولويات. أستاذ كلية العلوم الاقتصادية والتصرف بتونس