يعيش الشعب الليبي هذه الأيام أحلك أيامه على يد نظام رئيس دفعته نرجسيته وعشقه للكرسي إلى سفك دماء الأبرياء وارتكاب المجازر في حق الأحرار من أحفاد عمر المختار... هذا الزعيم الذي تزعزع عرشه واهتز وينتظر سقوطه بين الحين والآخر ، له عدة سوابق في الظلم والعدوانية والاغتيالات.. فكلنا يذكر قصة اختفاء الإمام موسى الصدر ومن يقف خلفها... وكلنا يعلم قضية طائرة لوكربي وغيرهما من الأحداث التي شوهت نظام عقيد صورته مشوهة خلقا... هذا الظلم طال أيضا عددا من التونسيين ومنهم المواطن عبد اللطيف بوغزالة(70 سنة) الذي اتهمه نظام القذافي بالخيانة العظمى والتجسس لفائدة الكيان الصهيوني وأذاقه ألوانا وأشكالا من العذاب قبل أن يلقي به باطلا مع الخونة في السجون... هذا المواطن الذي كان قبل نحو خمس سنوات نشر على أعمدة صحيفتنا رسالة إلى السفير الليبي بتونس ناشده فيها تعويضه عن سنوات القهر والعذاب التي عاشها بسبب ظلم نظام القذافي غير أن السفير ومن معه التزموا الصمت رغم أنهم فتحوا في البداية ملفا اجتماعيا وزاروا صاحب الرسالة بمسقط رأسه... هذا الرجل الذي تقدم به العمر اليوم التقيناه ليحدثنا عن الظلم والقهر وأيام وليالي التعذيب في السجون الليبية... يقول عبد اللطيف:» سافرت عام 1968 إلى بلجيكا وشاركت في البداية السكن مع قريب لي يعمل بسفارة ليبيا ومقرها بروكسال وانطلقت في مهمة البحث عن عمل أقتات منه حتى تمكنت بمساعدة قريبي من العثور على موطن شغل بالسفارة الليبية كسائق خاص للقائم بأعمال تلك السفارة». مأمورية وأضاف محدثنا:» عاما 1974(حينها كانت زوجتي حاملا) طلب مني القائم بالأعمال السفر إلى بلده وحمّلني رسالة إلى وزير خارجية بلده كما دعاني إلى التوجه إلى منزل شقيقه لجلب بعض الأغراض وأسلمها لاحقا لأقاربه... في الأثناء علمت بوضع زوجتي فسافرت إلى تونس للاطمئنان عليها ثم كان لا بد من العودة إلى ليبيا عبر مطار قرطاج». مفاجأة يواصل عبد اللطيف بالقول:»عندما وصلت إلى مطار طرابلس استقبلني موظف بوزارة الخارجية الذي اكتشفت فيما بعد انه من الاستخبارات واصطحبني إلى نزل بطرابلس حيث قضيت ليلتي، وفي الصباح توجهت إلى وزارة الخارجية حيث سلمت الرسالة للوزيرثم توجهت إلى المطارعلى ان يلتحق بي مرافقي بعد أن يجلب لي معه أدباشي ومبلغا ماليا وبعض المصوغ الذي اقتنيته لزوجتي وحين كنت انتظرالطائرة فوجئت بأربعة أشخاص مسلحين يقتحمون قاعة الانتظار ويغلقون الأبواب قبل ان يلقوا القبض عليّ ويعلموني أنهم من المخابرات الليبية وانني جاسوس... لفائدة الموساد الإسرائلي...». ألوان من العذاب صمت هنا عبد اللطيف... قبل أن يسترجع شريط ذكريات الرعب التي عاشها في الزنزانات الليبية ويقول:» أغمضوا لي عينيّ واقتادوني إلى سيارة ثم إلى غرفة نتنة بدهليز... هناك انهالوا عليّ ضربا ولكما وركلا دون رحمة ولا شفقة...صحت طويلا»والله بريء... راني عربي... كيف ان أخون عروبتي» ولكنهم تمادوا في تعذيبي مما تسبب في كسر أسناني قبل ان يقتادوني إلى مكتب بالطابق السفلي وشدوا وثاقي إلى كرسي ثم جاء شخص قال إنه وكيل النيابة العامة وواجهنني بتهم التجسس على مصالح ليبيا لفائدة الكيان الصهيوني العدو... ورغم تمسكي ببرائتي فإنني ذقت أشكالا من العذاب طيلة 46 يوما مازالت آثارها شاهدة إلى اليوم على ما تعرضت إليه». وأضاف محدثنا:» كانوا يشدون وثاقي ويعلقونني في الفضاء ثم ينزلونني تارة في الماء الساخن وتارة أخرى في الماء البارد... فضلا عن الدجاجة المصلية المعتمدة هناك أيضا... وأذكرأيضاأنهم شدوا وثاقي ذات يوم إلى سريروصعقوني بالتيارالكهربائي وانا أصيح وأصرخ في وجوههم»بريء... بريء... والله بريء... حتى أغمي عليّ فنقلوني إلى المستشفى ومنه مباشرة وانا مقيد بالأغلال نحو مبنى النيابة العامة». من البراءة إلى المؤبد أمام المحكمة أعلمني القاضي انني متهم بتقديم معلومات للكيان الإسرائيلي عن اقتناء ليبيا لطائرات حربية من فرنسا فنفيت وأعلمته ان الصحف الفرنسية نشرت الخبر منذ إبرام الصفقة... ثم اتهمني بتسريب معطيات سرية حول نظام الصواريخ فنفيت أيضا وأعلمته أنني جئت إلى بلدهم لأول مرة وبجلب الشاهد الأول والذي لم يكن سوى القائم باعمال السفارة الليبية ببروكسال أفاد بأنني كنت أرابط أمام أبواب مكاتب الموظفين لسماع ما يدور بينهم(!!) وأما الشاهد الثاني فلم يكن سوى سجين لذلك رفض القاضي سماع شهادته المطعون فيها ومنحني في النهاية براءتي من التهم الموجهة لي والمتعلقة بتزويد عملاء دولة إسرائيل العاملين ببلجيكا بأسرار تتعلق بالدفاع عن أراضيها من خلال تقليد مفتاح الحقيبة الديبلوماسية واستعماله في فتح الحقيبة وعرض محتوياتها على عملاء إسرائيل الذين التقطوا صورا لها ومن بينها أسرار دفاعية... ولكن كل هذه الادعاءات لم يتم إثباتها»., ورغم هذه البراءة فقد أودع عبد اللطيف زنزانة وظل بها طيلة ثمانية أشهر ثم نقل إلى محكمة ثانية حيث صرّح أمامه القاضي بنص الحكم الجاهز دون أن يمنحه أية فرصة للدفاع عن نفسه وبالتالي أودع الشاب التونسي السجن وظل إلى حدود سنة 1988 تاريخ العفو عنه خلف القضبان ضحية للإهانة والقهر والقمع والظلم والتعذيب النفسي والجسدي لنظام لا يعرف غير القوة في التعامل مع القضايا دون تفرقة بين برئء أو غير بريء... واليوم فالشيخ عبد اللطيف وبعد ان حطمت حياته ودمر مستقبله ينتظرساعة الفرج... ينتظرإعادة فتح ملف قضيته ومقاضاة نظام القذافي على الظلم الذي سلطه عليه طيلة نحو 14 سنة والتعويض له على الأضرارالتي طالته. صابرالمكشر