صالحت الثورة التونسيين مع الكتاب في مجال إنتاجه ونشره وتوزيعه لا باعتباره المصدر الأول لتحصيل المعرفة ولكن لأنهم يعتقدون ان الكتاب تحرر وأصبح مصدر الحقيقة التي كانت مخفية ومقموعة وممنوعة من النشر. وقد بدا هذا جليا من خلال الإقبال المنقطع النظير على الكتب التي صدرت مؤخرا بصفة عامة بقطع النظر عن مضمونها ومجالات الحياة التي تتناولها وليس أدل على ذلك من وقفة صغيرة أمام مكتبتي الكتاب وعالم المعرفة وسط العاصمة لنتأكد من هذه المصالحة. لقد تمت المصالحة مع الكتاب رغم ان هؤلاء المتصالحين يعرفون جيدا حقيقة ان هذه الثورة فاجأت النخبة التونسية من كتاب وروائيين وباحثين وأنهم لم يساهموا فيها مباشرة لا بالتنظير ولا بالاستشراف ولا بالتأطير إلا في ما ندر حتى لا نظلم البعض مما لم نقرأ لهم او لم تصلنا كتاباتهم. رغم هذه الحقيقة المتفق عليها تقريبا جاء بعض القراء إلى المكتبات باحثين عن شعارات الثورة وأصدائها في الكتب هذا البحث الناتج عن التعطش للحقائق والرغبة في النيل معرفيا من فترات الجفاف والتجويع التي عانى منها التونسي الذي حرم تقريبا من الكتابات ذات المضمون السياسي والتاريخي الموثوق به والمستند إلى الحقائق التي لم يطلها التزييف. فوجدوا عناوين جديدة بعضها واكب أحداثا تاريخية شهدتها تونس مؤخرا ككتاب الإعلامي محمد الكيلاني» ثورة الشجعان «وكتاب بوجمعة الرميلي «عندما ينجح الشعب» و«دكتاتوريات على حافة الانهيار» للمنصف المرزقي و«تونس بن على» لفلوراس بوجي و«طريقنا الى الديمقراطية» و«حاكمة قرطاج» وبعضها الآخر تتناول بالتحليل فترة حكم الرئيس السابق «بن علي الفاسق» للبشير التركي ورواية «سنوات البروستاتا» للصافي سعيد إلى جانب مجموعة من الكتب حول بورقيبة وفترة حكمه ومنها «العقود الثلاثة لحكم بورقيبة» للطاهر بلخوجة و«الحاكم بأمره بورقيبة الأول» للباحث عميرة علية الصغير و«الحبيب بورقيبة المهم والأهم» للباجي قائد السبسي...
لا احد يملك المعلومة النقية من الشوائب
الإقبال على هذه النوعية من الكتابات خلق تسابقا محموما على نشر الكتب والدواوين والروايات ذات المواضيع والمضامين السياسية والتاريخية التي كان الكتاب والباحثون يتجنبون التفكير في تناولها إلا من خلال الرمز والتقية. ولكن وان كان الإقبال على نشر ما كان معرضا للمنع من التوزيع لا بواسطة القانون بعد التخلص من مشكلة الإيداع القانوني وإنما بواسطة الرقابة الذاتية او إحجام دور النشر على إصداره خوفا على المصالح أو ردا للجميل واتقاء للإقصاء من الحياة الثقافية والتهميش وتعطيل المصالح كما كان معمولا به في السابق أمرا معقولا ومنطقيا خاصة إذا كان مكتوبا وجاهزا من قبل فان الهرولة نحو المطابع لإصدار كتب تتناول شعارات الثورة الآن والأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبطولات والخيانات أمر غير منطقي بالمرة. ذلك أننا اليوم لا نستطيع ان نميز بين الحقيقة والخيال ولا بين الصدق والكذب اذ لكل خبر من أخبارنا اليوم ما ينفيه ولكل ناشط سياسي او اجتماعي او متطوع من يشكك فيه ويخونه كما ان كل الرؤى في بلادنا اليوم تحجبها الضبابية والمواقف منها متضاربة وما يصدق اليوم يتم تكذيبه غدا. لا احد فينا يصدق إذا اعتقد انه قادر على الإمساك بكل خيوط اللعبة السياسية او آمن بنقاء معلومته من الشوائب. فنحن اليوم غير متأكدين من أية معلومة ولا من صدقية مصدرها ولا نعرف إلى أين ستقود قارئها فكيف نكتبها في كتاب للأجيال اللاحقة؟ أقول هذا لأننا نستقي أخبارنا مما تفرج عنه الحكومة المؤقتة مما يستقبل عادة بالتشكيك والوضع موضع السؤال او من الوزراء والناشطين السياسيين وممثلي الأحزاب وكلهم اليوم يخوضون معارك انتخابية قبل أوانها. كما أننا نسمع او نقرأ عن أناس توجه لهم تهم بالفساد السياسي والمالي وهؤلاء لا يردون او يحركون ساكنا رغم امتلاكهم للحقيقة وإيمان البعض من التونسيين بأنهم غير مورطين كما يقال ويكتب وبأنهم شرفاء على الأقل لحد ما خاصة وان تهم الفساد المالي التي توجه اليوم للبعض لا يثبتها إلا القضاء وان فقه القضاء يقول : «المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته».
أنجزنا ثورة ولن نسمح بمنصب مدى الحياة
الفايس بوك مصدر من مصادر الخبر عندنا ولكنه مصدر غير موثوق به بنسبة مائة بالمائة لأنه لا يخلو من التوجيه حتى بالنسبة للصورة لان ملتقطها عادة ما يختار الزاوية التي تعبر عن وجهة نظره. ولأنه متاح للكل والكل يكتب ما يريد وما يراه حقيقة مما يحتم الغربلة والحذر على الأقل حاليا. الإذاعات والفضائيات عندنا أيضا تقع اليوم تحت طائلة البعض ممن يركبون على الأحداث ويسعون إلى الاستفادة عاجلا من الثورة. كما ان الذين يديرون الحوارات المهمة في تاريخ تونس ويوجهون الراي العام ويتولون تثقيف الشعب بعضهم لا علاقة لهم بالإعلام اخطأوا وكرسوا الجهويات من حيث لا يعلمون مررت في ملفاتهم التلفزية والإذاعية التواريخ الخاطئة والعلمومات غير الدقيقة والثلب وانتهكت الأعراض حتى أن البعض نصبوا أنفسهم حكاما ونادوا بتنفيذ حكم الإعدام بعد ثورة اعتبرت نموذجا يحتذي دون ان يحركوا ساكنا. لذا وإذا كانت هذه حالة الحقيقة في تونس بعد الثورة ماذا يمكن أن يكتب بعض المؤرخين والأدباء اليوم وبأي معلومة يهرولون إلى المطابع. ولماذا لا ينتظرون ان تتبلور الحقائق...ومما يخافون ؟ ألا يثقون في أننا أنجزنا ثورة وأننا لن نتراجع على حرية التعبير وأننا لن نسمح بحكم يتجاوز الخمس سنوات وأننا لن نسمح بمدى الحياة لأي مسؤول مهما كان منصبه. إننا نريد روايات تؤرخ للإنسان في هذه الفترة بدقة وتحفظ حق الجميع في البطولة ولا تغيب الرموز لأنها لا تعرفهم أو لان أدوارهم لم تتبلور ولان الإعلام عجز عن الوصول إليهم أو لم يعاملهم على قدم المساواة ولم يتناول الملفات بالعمق المطلوب..لذا تريثوا يرحمكم الله.