· لا بد من إيجاد مزج دستوري بين النظام الرئاسي والبرلماني · يجب أن نخرج من بوتقة التلذذ بالكذب منذ السبعينات · الاشتراكية العادلة خير من النهب والقمع أجرت الحوار منية العرفاوي من رحم دولة الاستقلال ولدت كفاءات سياسية تمرّست بالحكم وتقلّدت المناصب العليا وكان المشترك بينها أن لكل واحد طريقته في مستوى صنع القرار السياسي للإسهام في بلورة مشروع الدولة بمقوّمات حداثية .. وأحمد بن صالح كان ساهم في بلورة المشهد السياسي والاقتصادي التونسي في دولة الاستقلال الفتية آنذاك ورغم ما نسب اليه من تهمة المسؤولية المباشرة على فشل تجربة التعاضد في تونس ومحاكمته سياسيا على خلفية هذا الفشل الاّ أن أحمد بن صالح يبقى من الوجوه السياسية التي أردنا استطلاع رأيها حول المشهد السياسي الراهن.. *تحصّن أحمد بن صالح بالصمت ولم يصدر منه أي تقييم لما ساد إبان حكم بن علي ،على عكس المرحلة البورقيبية التي أفردتها بالكثير من التحليل والتدقيق ؟ - في بداية فترة حكم بن علي لم أكن موجودا في تونس. كنت ما أزال في المنفى وربّما قد نكون استبشرنا خيرا خاصّة أن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن بيان 7 نوفمبر الداعي الى التحوّل والمتعهّد بالتغيير كان مستنسخا عن النقاط الخمس التي أعلنتها حركة الوحدة الشعبية في سبيل التغيير الديموقراطي في 1976 وكان نتيجته دخول حوالي 20 قياديا من الحركة الى السجن وحكم عليّ أنا والدقي بالسجن غيابيا وبالتالي عندما أعلن بن علي في 1988 عن إمكانية عودتي إلى تونس تحت ما سمّاه عفوا رئاسيا طلبت من المجلس الوطني للحركة أن ينظر هو في مدى استجابتي لطلب العودة من عدمه وقد حصل اجماع داخل المجلس على عودتي باعتبار أن بيان 7 نوفمبر كان فيه الكثير من التطمينات والضمانات الكفيلة بإشاعة مناخ من الحرية والديمقراطية في البلاد. لكن القمع بدأ من المطار لأجد فيه سفير تونس جاء ليخبرني أن عودتي مشروطة بعدم ممارستي لأي نشاط سياسي...لكن رغم ذلك أنا لم أنقطع عن النشاط في حركة الوحدة الشعبية التي بقيت محرومة من التأشيرة لأكثر من 35 سنة وأنا هنا أقصد الحركة وليس حزب الوحدة الشعبية الذي انشق عن الحركة واختار مسار الموالاة والمحاباة السياسية. * مازالت محاكمة بن صالح يكتنفها الكثير من الغموض و الملابسات. ما تعليقكم على الأمر؟ -المحاكمة أساسها انقلاب في موقف بورقيبة منّي وليس لها أي علاقة بأزمة اقتصادية تنحدر لها البلاد. فالتعاضد تجربة نجحت رغم ما يقال. وإذا كان البنك الدولي حينها وافق على إقراضنا 18 مليون دولار فذلك إيمانا من القائمين عليه بجدوى ما نقوم به وليس مجاملة لنا. فنحن «أنقذنا الكثير من الأراضي التي كانت بيد المعمرين من يد مستعمرين تونسيين.» فحاشية بورقيبة اعتقدت أن ديناميكية وحركية ما نقوم به قد تدفع بنا الى أعلى سدة الحكم لاسيما أن بورقيبة كان يغدق علي بالمديح والاطراء بمناسبة وبدونها..وهو ما ورّطني في محاكمة..و يشهد التاريخ أنني ومنذ 1968 انسحبت من ساحة التعاضد لأني أردت السير بهذه التجربة نحو التدرّج وليس نحو التعميم كما أراد بورقيبة. *أنت قابلت بن علي أكثر من مرة .هل اعتقدت أنه كان في مستوى مكانة رئيس الجمهورية ؟ -استدعاني بن علي لمقابلته في 27 جويلية 1988 تقريبا بعد شهر من عودتي من خلال رسالة حملها لي منصر الرويسى مكتوبة بالحبر الأخضر(وهو نفس الحبر الذي كان يستعمله بورقيبة) وبخطّه يحدّد فيها تاريخ وزمن اللقاء وكان حديثه معي يتمحور حول وجهة نظره في الأحداث الجارية آنذاك وقد نصحته عندها بأن يؤجّل الانتخابات إلى حين تنظيم الحياة السياسية..وبالنسبة لتولي بن علي الحكم فأنا أعتبر أن الأسباب التي هيئتها هي العناصر المحيطة ببورقيبة والوضعية العقلية والصحية التي أصبح فيها مع تدخّل بعض العناصر الأجنبية بالاضافة الى حملة قمع الاسلاميين . هذه كلّها أعطت الأولوية في اختيار العناصر الأجنبية المحدّدة لخلافة بورقيبة. *بعد كلمة رئيس الجمهورية المؤقت والوزير الأوّل هل اتضحت لكم صورة واضحة للمشهد السياسي في تونس في قادم الأيام؟ -في المبادرة التي اقترحناها في 20 جانفي سعينا لكي يكون مجلس الثورة الذي يضم مختلف الأطياف والحساسيات ويستمدّ شرعيته من الثورة ومطالبها مرجعا للحكومة المؤقتة ولتحرير الدستور والاستفتاء حوله ولئن نأسف لعدم الأخذ بما طرحناه فلا يسعني الاّ تمني التوفيق لأصحاب الشأن في الفترة القادمة غير أنه في اعتقادي أن 24 جويلية كان يمكن أن يكون تاريخا للاستفتاء على دستور تعدّه كفاءات وطنية والذي لن تتجاوز بحال مدة اعداده 3 أشهر ومن ثمة نستفتي الشعب حوله. *بحكم خبرتكم السياسية أي نظام حكم تعتقدون أنه أقرب الى تونس اليوم؟ -ما اعتقده فعلا أن تونس تحتاج اليوم الى مزج بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني والتفكير في شيء طريف وله خصوصية تونسية بحتة بأن نجد حلا دستوريا قانونيا وبالتالي نعطي للنظام التونسي الصبغة الرئاسية ونحصّنه بالحماية البرلمانية فنحن دأبنا على تقليد الغرب وخاصّة فرنسا في الكثير من القوانين التي أثبتت خواء وفاضها وبالتالي نقوم بشيء وسط بين الغرب وأمريكا أي أمرا وسطا يضبط في نصوص دستورية تضبط حدودا لسلطة رئيس الجمهورية من خلال صلاحيات برلمانية وتكون لدينا هنا صبغة ذكية وتونسية محضة. كما أؤكّد أنه يجب اصلاح التعليم على أسس ثورية . *تحديات الراهن كما يراها السياسي المحنّك أحمد بن صالح؟ -من الضروري اليوم الدفع حالا بمسار تنمية جديدة في المناطق التي أهملت طويلا كسيدي بوزيد والقصرين وأقصى الجنوب وربما الشمال لإصلاح ما فسد وهو أمر مرتبط بعلاج ما وصل الى الانهيار في السنوات التعيسة الماضية وهو كذلك ما يعزّز ويسهّل العملية السياسية والأمنية. *هل تعتقدون أن اليسار بمكوّناته الحالية وزخمه الحزبي يستجيب لوضع البلاد الراهن ولتطلعات الشعب؟ -شخصيا لا أستعمل عبارات يمين ويسارالاّ عند الحديث عن السير في الطريق وليس عند الحديث عن الشأن السياسي. فالسياسة متأكّدات وليست يسارا ولا يمينا ..وتونس ليست في حاجة الى أيديولوجيات معقدة وأتمنّى أن يقع نوع من المسهل للنخب السياسية للتخلّص من الألفاظ والجمل واللهجات المختلفة المقلّدة للحياة السياسية في الخارج . واذا كنّا نريد التقليد فلنقلّد من في حجمنا ..نحن في شمال أفريقيا فما المانع من تقليد شمال أوروبا بنماذجه الناجحة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا؟ *هل ترى امكانية لعودة الاشتراكية تحت أي شكل من الأشكال الى تونس؟ -الاشتراكية العادلة خير من النهب والعفس والرفس والقمع الذي وقع مدة 23 سنة بينما ما سعينا اليه لم يحظ بمثل هذه المدة وأتمنّى أن يكون كل تونسي عاش الفترة أو قرأ عنها دون أن يزيفها أحد-والمزيفون كثر-يعرف أنّنا كنّا في سيرة صحية ثابتة مبنية على مجتمع متوازن لا تتضخّم فيه طبقة النهم والغطرسة والعنف والاهانة. * «التنظيم الوقتي للسلط العمومية» الذي ضمّ فؤاد المبزّع كرئيس مؤقت والباجي قائد السبسي كوزير أوّل مثّل عودة «رجال بورقيبة»الى الواجهة السياسية. فكيف يمكن لهم العمل في اطار الثورة؟ -فعلا أنا أتمنى لهم النجاح كشخص وكمسؤول في حركة الوحدة الشعبية وكنت أتمنّى أن يقع احترام كما في كل تاريخ ثورة شرعية الثورة التي من رحمها تولد قيادتها..و أنا لا أعتقد أنها عودة بقدر ما يجب أن تكون استئناف مسيرة وقع تجميدها منذ السبعينات وصادق عليها الجميع وأحيانا بحماس كبير في هياكل نافذة وتابعة وتحوّل الأمر الى تقليد لأمثلة سياسية واقتصادية لا تناسبنا ووقع تجميد مسار ديموقراطية اقتصادية وانحسرت الأمور في طبقة جديدة طاغية. *هل لديكم نية للتواجد سياسيا قبل أو بعد 24 جويلية؟ -حركة الوحدة الشعبية تتمنّى أن يقع الاعتراف بها بعد 35 سنة من الرفض المتواصل وبعد تقسيمها وهدرها ستعود للنشاط بطاقة متجدّدة وحية للاسهام في الرفع الحقيقي للكوابيس وفتحا للنمو المتوازن والتواضع المستمر . *هل تعتقد أن المصالحة تمت بينك وبين الشعب التونسي بالنظر الى تجربة التعاضد التي انتهت بمحاكمتكم سياسيا؟ -ما عاينته في حياتي اليومية منذ عدت الى تونس هو غياب العداء مع أي طرف وقد كانت لي فرص لتوضيح الكثير من الأمور وتحرير ما طمسه بورقيبة أو نظام بن علي ورفع ما أسميه بجهالة التعاضد والفسق الأمني. وأؤكد أن ليس لي أي قطيعة مع المجتمع رغم أنه وقع تزييف تلك المرحلة ولكن أعتزّ بأن الكثير من حجب المنافقة مزّقت بفضل ما قلته في مئات المنابر لكشف الحقائق المدعّمة بالوثائق..أنا لست سجينا وأتمنّى أن أواصل تحرير السجناء من الكذب باعتبار أن أتعس ما يمكن مقاومته بصفة مستمرة هو ما سيطر على تونس منذ السبعينات من التلذّذ الواعي وغير الواعي بالكذب..الى جانب ذلك يجب أن نعمل معا لوقاية بلادنا من قيام طبقة أو طبقات غاشمة تفسق بمستقبله.