*يرمز شعار الجمهورية التونسية مثلما نص عليه دستور غرة جوان 1959 المعلق، الى حرية نظام عدالة. وطبيعي أن تكون الحرية والعدالة محل إجماع وطني، فهما قيمتان انسانياتان تنصهران في الأهداف العليا لثورة 14 جانفي 2011 المجيدة إضافة الي قيمة عليا رفعتها شعارات الثورة وهي "الكرامة" وبالنسبة للركن الآخر من الشعار المعبر عنه بكلمة «نظام» والمجسد بأسد منتصب القامة ومتسلحا بسيف، فواضح أن أعضاء المجلس القومي التأسيسي الذي صيغ في ظله شعار الجمهورية سنة 1959، أرادوا من خلاله أن يرمز للانضباط والاستقرار والجدية والأمن في بداية بناء الدولة الوطنية وتعبر الكلمة عن هذا التوجه عندما تم نقل الدستور الى اللغة الفرنسية: Ordre... وربما يكون ذلك إحدى تداعيات الصراع البورقيبي اليوسفي وهو مجرد تخمين أترك مجال البحث فيه للمختصين في تاريخ تلك المرحلة.. لكن مفهوم «نظام» والأسد المسلح الذي يجسده في هذا الشعار، قد يرمز كذلك الى التسلط والاستبداد والردع السلبي والبطش.. كما أن مصطلح «نظام» يحمل في الذاكرة الوطنية القريبة والبعيدة، انطباعا سلبيا لطالما التصق بالنظام السياسي للحكم البائد، إذ للتمييز بين تونس كدولة وبين نظامها المفتقد للشرعية، كان المعارضون والمناهضون للسلطة الحاكمة السابقة يلجأون في أدبياتهم ومحاوراتهم.. الى استعمال مصطلح النظام التونسي لتمييزه عن تونس كدولة وشعب.. إذ غني عن البيان أن النظام السياسي الذي حكم تونس ليس منذ 23 سنة فحسب بل منذ إعلان 20 مارس 1956 لاستقلال مثير للجدل، اختزل في شخص الرئيس كافة السلطات فهو راع يحكم رعية بقبضة من حديد لينسجم مع هذا العنصر من الشعار «نظام» مما يوحي بالتداخل بين مفهوم النظام السياسي وبين المفهوم الضيق للانضباط والاستقرار الذي واقعيا كان ملازما للتسلط والاستبداد.. حتى اللحظة التي هب فيها الشعب التونسي ليسجل للتاريخ في 14 جانفي 2011 واحدة من أعظم الثورات التي تقطع مع الماضي الاستبدادي وليؤسس لمفهوم سياسي واجتماعي جديد ألا وهو مفهوم المواطنة أساس دولة القانون والمؤسسات وجوهر النظام الديمقراطي.. لهذه الأسباب أرى أن يتم التفكير عبر استشارة وطنية تعرض نتائجها لاحقا على المجلس التأسيسي المكلف بصياغة الدستور الجديد لتغيير كلمة «نظام» والرمز الذي يجسده في شعار الجمهورية التونسية والاستعاضة عنه بمصطلح آخر يكون له مدلول في ثورتنا المجيدة مثل: كرامة أو مساواة أو مواطنة.. على أن يتم التعبير عنه بشكل فني يعكس وجدان هذه الثورة غير أسد شاهرا سيفه!.. متصرف مستشار بوزارة الفلاحة والبيئة