*على إثر نجاح ثورة الشباب التونسي في المضي شوطا هاما في اقتلاع جذور الاستبداد والفساد في البلاد، انفتحت أمام التونسيين أبواب الإصلاح في كل المجالات على مصراعيها، وقد شملت الدعوات إلى الإصلاح إلى حد الآن عديد المجالات، ولكن المجال الذي بقي صوت الدعوة إلى إصلاحه خافتا نوعا ما، هو المجال التربوي. فالنداءات القليلة التي اطلعنا عليها بهذا الخصوص لم ترتق إلى مستوى المناداة بالإصلاح الشامل، حتى وإن انتبه بعضها إلى أهمية الجانب القيمي في هذا العمل. ومن موقعي المطلع على خصوصيات هذا القطاع الوطني الحيوي، باحثا مختصا، وأستاذا مدرّسا، وناشطا جمعويا، فإني أقترح على سبيل المعالجة المنهجية الأوّلية لهذا المشروع التربوي الوطني الجديد، خطة عمل أرفعها لكل الفاعلين التربويين في مختلف مواقعهم الرسمية والمدنية، وأدعوهم جميعا إلى التفاعل مع هذا المقترح ومزيد ترشيده، من أجل إطلاق مبادرة وطنية لإصلاح تربوي جديد، يمكن البتّ فيه خلال مدة تستغرق بين السنتين إلى ثلاث سنوات من تاريخ بدء العمل الفعلي عليه، على أن تشمل بالتدريج مختلف مستويات التعليم بعد وضع الأسس الرئيسية للإصلاح الجديد، الذي نؤكد على أن يكون إنجازه بخبرات وطنية صرفة مع الاستئناس بالتجارب التربوية الناجحة في العالم، وألا نظل حبيسي النماذج الفرنكفونية، بل ننفتح على تجارب أخرى أثبتت نجاعة أكبر كالتي عرفتها بعض البلدان السكندنافية والآسياوية، مع الأخذ بعين الاعتبار البيئة الثقافية والحضارية لبلادنا، واستلهام قيم الثورة الجديدة، قيم الحرية والكرامة والعمل والعدالة والإنصاف. 1. مستويات الإصلاح: من التربية قبل المدرسية إلى نهاية التعليم الثانوي. 2. مجالاته: الفلسفة التربوية ومنظومة القيم الصادرة عنها المقاربة التربوية (مراجعة مقاربة الكفايات وتقويمها). المناهج التربوية (المقاصد والأهداف التربوية- المحتويات- الخبرات التربوية- الزمن المدرسي- الفضاءات التربوية- الطرق والوسائل البيداغوجية- علاقة المدرسة بالمحيط الثقافي والاجتماعي والمدني والاقتصادي...الخ). التقويم التربوي (تقويم عمل التلميذ والمدرس وتقويم النظام التربوي). تكوين المدرسين والمكونين (بعث كليات علوم تربية عوضا عن معاهد مهن التدريس ذات البرامج وسياسات التكوين الضحلة، إلى جانب تطوير عمل ومناهج مراكز التكوين التربوي). القيادة التربوية وهيكلة المؤسسة التعليمية. التوجيه المدرسي. التربية على القيم الجديدة (الحرية- الكرامة- العمل- التنمية- العدالة- المواطنة الفعالة- التعدد- الاختلاف- التفاوض- التوافق). تعليم اللغات (التملك الوظيفي التواصلي كتابة ومشافهة). التربية على التفكير الرياضي والعلمي بهدف تخريج باحثين قادرين على الانخراط الفعلي في دورة الإنتاج المعرفي والعلمي العالمية والاستجابة لحاجات البلاد التنموية. سياسات البحث العلمي التربوي. 3. الأطراف المشاركة: الجمعيات التربوية النشطة. الكفاءات الجامعية والتربوية الوطنية المتحمسة للمبادرة. هياكل وزارة التربية المعتنية بالبحوث التربوية والتجديد البيداغوجي وبالبرامج وبالتكوين. مع الملاحظة أنه يمكن في مرحلة من مراحل هذا المشروع- تشريك أطراف وطنية أخرى فيه، مثل الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابات ذات الصلة) واللجان القطاعية التربوية للأحزاب السياسية الوطنية التي تبدي استعدادها لذلك. كما يمكن لهذه الأطراف أن تتقدم بمشاريع إصلاحية تربوية أخرى، يتم النظر فيها من قبل لجنة وطنية مشتركة موسعة. 4. أسلوب العمل وطرقه: اللقاءات والحوارات مع الفاعلين التربويين بمختلف أصنافهم. الموائد المستديرة. دراسة النظم التربوية وتجارب الإصلاح التربوي الناجحة في العالم والنظر في إمكانية الاستفادة منها في بناء النظام التربوي الوطني الجديد. الدراسات والبحوث العلمية. المخابر التربوية (ندوات وورشات بحث وتفاكر وصياغة). 5. الإشراف: لجنة وطنية مشتركة بين الجمعيات التربوية المدنية ومؤسسات وزارة التربية ذات العلاقة والباحثين المختصين، تنضوي تحتها لجان فرعية متخصصة. 6. التمويل: البحث في هذه المسألة مع الأطراف المشاركة، مع توصيتنا بضرورة إشراك المؤسسات الاقتصادية الوطنية في هذا التمويل، خصوصا لجهة الجمعيات التربوية غير الحكومية المشاركة في هذا المشروع. هذه إذن خطوط عريضة للمبادرة الإصلاحية التربوية التي نقترح إطلاقها، وسنقدم في فرص قادمة بعض الأفكار المفصلة حول مختلف مجالات الإصلاح التي ذكرناها، ونحن في انتظار التفاعل الإيجابي مع هذا المقترح من الناحيتين التصوّرية والإجرائية. * أستاذ جامعي وخبير دولي في التربية