من يرغب في الشهرة والمال على حساب الثورة عليه أن يجرب فنا آخر غير فن السياسة حوار ليليا التميمي لم تمنعه إقامته في لندن من متابعة ما عاشته تونس مؤخرا من أحداث غيرت وجه خارطتها السياسية.. وهو يقول أنه تابع الثورة بالفرحة.. بالخوف بالترقب ورغم أنه زار تونس بعد أيام قليلة من قيام الثورة إلا أنه خير عدم الظهور ليفسح المجال - كما يقول- لمن هم أحق منه بالحديث تحديدا للذين عانوا الإقصاء والتهميش واكتووا بنار الظلم والقمع وكذلك للمواكبين للشأن الوطني. «الصباح» استغلت وجود ظافر العابدين في تونس للغوص معه في مسائل كثيرة تتعلق بمرحلة ما بعد الثورة إلا أننا اخترنا أن نبدأ الحوار بالحديث عن مشروعه الجديد الذي يجرب من خلاله ولأول مرة فن كتابة السيناريو بعد أن عرفته الساحة المحلية والعالمية أيضا ممثلا.
بلغنا أنك فرغت مؤخرا من كتابة سيناريو فيلم.. ما الذي دفع بك إلى دخول مغامرة الكتابة مع أن اختصاصك الأول هو التمثيل؟
بالفعل انتهيت من صياغة سيناريو فيلم بوليسي تشويقي حركي تدور أحداثه بين تونس وأوروبا سيجمع ممثلين من تونس وآخرين من أوروبا في إخراج تونسي صرف. حاليا مازلت في طور التفاوض مع المنتجين ومتى حسمت مسألة الدعم سندخل مرحلة الكاستينغ وسنتفق على اسم المخرج الذي سيتولى تحويل السيناريو إلى عمل سينمائي.. أما بخصوص الكتابة فجوابي أنني بحكم قراءتي المسترسلة للسيناريوهات المختلفة التي تعرض علي في الخارج تكونت لدي تجربة أردت توظيفها فأنا أحمل نظرة خاصة للعمل السينمائي ووددت القيام بتجربة في هذا الاتجاه فكان هذا السيناريو.
إقامتك بلندن تمنحك فرصة العيش في مناخ ديمقراطي مازلنا نتحسس أولى خطواته.. كيف يمكن للديمقراطية أن تؤثر في عطاء الفنان؟
للفنان وجهة نظر ورؤية وقدرة على تحليل الواقع المعيش وقدرة أيضا على قراءة المستقبل لكنه لا يكون حرا إلا متى أمكنه التعبير عن كل ما ذكرت آنفا بدون قيود أو رقابة فالرؤية هي وقود الفنان ومتى حوصرت تلك الرؤية تصبح أعماله سطحية وعموما البلاد التي يحكمها ديكتاتور لا يمكن أن ينعم فيها الفنان بالحرية فرؤيته مقيدة وأعماله تصح معها مقولة "العب قدام دارك" أما الديمقراطية فتوفر غطاء للفنان للتعبير عن جميع مقاصده.. قبل الثورة عشنا ازدواجا في الشخصية فنحن نعرف كل شيء لكن لا يمكننا قول أي شيء لأن حريتنا في التعبير عن آرائنا كانت تخضع لمراقبة دائمة ولا شك أن سقوط النظام الديكتاتوري سيمنحنا الفرصة لممارسة حرية التعبير لكن لكل شيء حدودا فللحرية قواعد تختلف باختلاف الوسط الذي نعيش.. فالحرية في تونس غير تلك الموجودة في بريطانيا مثلا.. لدينا أعراف وتقاليد لا يجوز إسقاطها باسم الحرية تماما كما لا يجوز أن ننخرط في كيل الاتهامات وذم الناس والتعدي عليهم باسم الحرية.. لأن الممارسات الأخيرة لا تنطبق على الحرية بقدر ما هي مواصفات للهمجية..
كشاب مثقف وفنان مرهف الحس كيف تنظر إلى مستقبل تونس بعد الثورة؟
قبل أن أجيب على السؤال دعيني أقول أن الثورة لم تنطلق في ديسمبر بل تفجرت لأن الأجيال السابقة عانت الظلم لعقود ومنها من نفي ومنها من عذب ومنها من وقعت مصادرة أحلامه قبل أملاكه.. تلك الأجيال مهدت لما حدث في ديسمبر وجانفي.. والثورة لن تتوقف بمجرد سقوط النظام الديكتاتوري لأنها ليست مرتبطة بمن رحل ومن سيأتي بعده.. الثورة ستتواصل لسنوات حتى تقضي تماما على الممارسات التي ألفناها في المرحلة السابقة ومنها النفاق- السرقة - "التقفيف" - الفساد والجهل والقضاء عليها يتطلب وقتا طويلا.. فنحن مقبلون على انتخابات ومتى تحوّلت الديمقراطية إلى مسألة تلقائية ودخلت في تقاليدنا وممارساتنا وقتها يمكن الجزم بأن الثورة نجحت. مسؤوليتنا الآن تقتضي أن نواصل ما بدأه الشهداء وأن لا نكتفي بما قد نكون حققناه. الآن ستواجهنا صعوبات كثيرة لكن ما هو جميل أننا سنواجه الأزمات والأحلام معا بعد أن عشنا أزمات ولم تكن لدينا أحلام قط.. أنا شخصيا متفائل لأن مصيرنا أضحى بأيدينا وأصبح لدينا حق الاختيار بعد أن كنا مسيرين على مدى عقود... عندما "هبط" علينا 7 نوفمبر لم نكن مخيرين... منحناه الثقة فقضى على حلم تونس , دمر الحاضر وبهذل التاريخ حتى أن آثارنا التي تمتد إلى آلاف السنين باتت تزين أحواض السباحة وبيوت الاستحمام.. الآن على الشباب أن يهتم بالسياسة أولا قبل الفن والكرة كما كنا نفعل سابقا.. لا بد أن ندخل السياسة في ثقافتنا حتى نذهب إلى صناديق الاقتراع ونحن "فاهمين" كل شيء.. والانتخابات لن تكون حتما نهاية الثورة فلا بد من المتابعة وإذا أخطأ من انتخبناهم فعلينا أن نخرج مرة أخرى للمطالبة بالتغيير والحاكم الذي لن ينجح في خدمة الشعب لا حاجة لنا به... الذين سيتم انتخابهم عليهم أن يعرفوا ومنذ الآن أن وظيفتهم الأساسية تتمثل في خدمة مصالح الشعب لأن هذا الشعب مل الأنانية والانتهازية ومن يرغب في الشهرة والمال على حساب الثورة عليه أن يجرب فنا آخر غير فن السياسة.
هناك تحديات عديدة أمام المشهد الثقافي مستقبلا... من واقع اختصاصك كممثل هل تعتقد أن المشاكل التي عانى منها القطاع الثقافي وعلى رأسها الدعم ستتبخر؟
قبل الثورة كلنا يعرف أن الدعم كان متأتيا أساسا من الدولة.. والنظام الديكتاتوري السابق كان يحرم المشاريع التي لا تناسب ذوقه من الدعم في حين كان سخيا جدا مع المشاريع التي تخدم وجهة نظره رغم رداءتها ولنا أمثلة في الأفلام التي تعرض لأسبوع يتيم في القاعات ولا يشاهدها أحد والغريب أن منتجيها ومخرجيها يحصلون على دعم آخر بينما يعاني الشباب الذين يحملون تصورا مخالفا للسياسة من الإقصاء وهذا ما أدى إلى تخلف فننا السابع..وما هو مطلوب مستقبلا من دولة ديمقراطية أن تدعم الانتاج وفق جودته الفنية وليس اعتمادا على رؤيته السياسية..في الخارج هناك أفلام تعارض أفكار الدولة لكنها تحصل على الدعم من منظمات حكومية غير مسيسة لا بد أن تعقب الدعم عملية محاسبة وتقييم لنجاح العمل جماهيريا وإعلاميا كما لا بد من تشكيل لجنتين الأولى تهتم بمشاريع الفنانين ذوي الخبرة في الميدان والثانية تختص في مشاريع الشبان المبتدئين حتى تمنح لهم الفرصة للعمل والإبداع.