هل يكفي أن نقول أن سوسة هي القنطاوي أو المنطقة السياحية؟و هل يمثل هذا القول الحقيقة أو حتى جانبا منها؟ و هل يمكن أن نأخذ بصحة هذه الفرضية ونتناسى سوسة الأخرى،سوسة حي الغدران والطفالة و حومة الوادي و حومة قشقش و حومة علق و حي الزهور و قصيبة الشط و سيدي عبد الحميد و حي العوينة وبوخزر وغيرها من الأحياء التي لا علاقة لها بسوسة المنطقة السياحية وبعض الأحياء التي تأتيها أرقى الخدمات لأن فلانا يقطنها ؟ جولة قصيرة في سوسة تكشف لك المستور و تحيلك إلى أوضاع مزرية هي مزيج من تجاهل البلدية والسلطة السياسية والتهميش والحرمان.. فهذه المناطق التي يقطنها عشرات الآلاف من التونسيين لها صفة لا يجادل فيها أحد على الأقل وهي أن المسؤولين لا يعرفونها إلا وقت الانتخابات بكل أصنافها ولا تمثل في دفاتر الحزب الذي كان حاكما إلا أرقاما يمكن استعمالها لتضخيم عدد المنخرطين فيه وكذلك مطية للمسؤولين من بارونات السياسة من تقاعد منهم و من لم يتقاعد ليصلوا إلى المسؤوليات. .. نقائص بالجملة حي الرياض مثلا هو أكبر حي في مدينة سوسة يقطنه عشرات الآلاف من السكان و قربه تنتصب مؤسسات كبرى للتعليم العالي وبه مبيتات جامعية كثيرة حكومية وخاصة و من بين سكانه العامل والطالب والدكتور والموظف والإطار العالي والبطال وهو يتبع بلدية سوسة و به دائرة بلدية جرت التقاليد البالية بأن يكون رئيسها من سكان الأحياء المترفة الأخرى. هذا الحي لا تدخله مصالح التنظيف أبدا إلا شاحنات شركة المناولة التي تتعامل معها بلدية سوسة لترفع جزء صغيرا من الفضلات المنزلية التي تجمع في عدد قليل من الحاويات الموجودة قرب بٍطاح واسعة هي مصب للفضلات قيل أنها ستكون مرافق إجتماعية و لكن حالها لم يتغير منذ سنين طويلة.. وفي هذا الحي العملاق لا مجال لأي نشاط ثقافي رغم أنه حي شبابي بإمتياز و به كما أسلفنا عشرات المبيتات الجامعية الخاصة فلا ثقافة و لا نشاط لهذا الشباب سوى دار قيل إنها دار شباب لا زال الناس يتندرون بأن جدارها هدم ذات يوم لتدخل شاحنات شركة أجنبية خاصة أقامت هناك « مناج» متنقل بالتعاون مع أتباع عائلة الرئيس المخلوع و لم يبن هذا الجدار إلا بعد تهديد المسؤولين عن هذه الدار. .. عنوان التهميش غير بعيد عن حي الرياض يوجد حي بوخزر الذي يحاذي كلية الحقوق وهو حي به عشرات المبيتات الجامعية الخاصة و تلحظ فيه سهولة الحركة التي يبعثها جمهور الطلبة و الطالبات و لكنه حي لا يدخل ضمن إهتمامات بلدية سوسة فلا نظافة و لا عناية و لا مرافق بل إن سكانه لدى المسؤولين هم مواطنون من درجة أقل تلصق بهم شتى نعوت الإنحراف في حين أنهم مواطنون مثل كل التونسيين كل ما يريدونه هو حقوقهم في الخدمات البلدية و إنتشال شبابهم من التهميش. أحياء درجة ثانية حي آخر قد لا يصدق البعض أنه موجود في سوسة وهو حي الغدران أو الطفالة فهذا الحي انطلق منذ الستينات كحي فوضوي ثم وقعت تهيئته و صار يخضع للمراقبة البلدية و لكن لا شيء تغير فيه فهذا الحي الذي يقطنه آلاف المتساكنين لا توجد به صيدلية و لا أي فضاء ثقافي و لا تدخله مصالح البلدية ما عدا سيارة شركة المناولة التي ترفع الفضلات المجمعة في حاويات قليلة هذا مع الإشارة إلى أن كراس الشروط الذي يربط بلدية سوسة بشركة المناولة لا يشمل الكنس و إنما يقتصر فقط على رفع الفضلات من الحاويات في حين أن عملية الكنس تتكفل بها البلدية في أحياء دون غيرها. و يحد حي الغدران حي آخر هو حومة الوادي و هو حي انطلق بصورة فوضوية رصدت له أموال طائلة لا يعرف أحد طريقها ولا فيما أنفقت و كل ما شمل هذا الحي هو عمليات محدودة لا يمكن أن ترقى إلى طموحات متساكنيه البسطاء... وفي حي الغدران مستوصف صغير خدماته محدودة جدا و لا وجود لمركز شرطة هناك الأمر الذي يضطر طالب أي خدمة إدارية تابعة للأمن إلى الانتقال إلى مركز حي العوينة. حي العوينة هو أيضا من الأحياء المهمشة في مدينة سوسة و يكفي أن تلقي نظرة على شوارعه و أنهجه لتلحظ بسهولة غياب الخدمات البلدية و تكاثر المصبات العشوائية للفضلات أضف إلى ذلك قرب سوق الأحد الذي يرمي بفضلاته كل سبت وأحد على هذا الحي الذي لا توجد به مرافق تذكر. أحد سكان هذا الحي أكد ل «الصباح»أنه لا يعرف من خدمات البلدية غير ورقة الآداءات التي تصله كل سنة ويضيف"لماذا أدفع لهم وهم لا يقدمون لنا أية خدمات؟". حي آخر يقع في المدخل الشرقي لمدينة سوسة غير بعيد عن البحر عرف بحومة قشقش الواقعة على طريق المنستير فهذا الحي هو الآخر لا توجد به أية خدمات بلدية الأمر الذي جعل السكان يتعودون على وجود أكداس الفضلات في كل مكان و لا يعرف الشباب هناك أي نشاط إذ لا وجود لدار شباب أو ثقافة أو أي ناد آخر و كل ما يوجد في هذا الحي حاويات قليلة هي الدليل الوحيد على وجود البلدية. حي آخر يقطنه عدد كبير من الأسر وإنطلق أيضا بصورة فوضوية يعرف بحومة - الغاز- الواقعة شرق الطريق الحزامية وهو حي أقيم حذو مصب للفضلات وقع إلغاؤه منذ بضع سنوات و لكن الروائح الكريهة لا زالت تنبعث بشكل لافت و خصوصا في فصل الصيف،هذا الحي يحيلك إلى أحياء الأحزمة الحمراء المحيطة بالمدن الكبرى في آسيا الفقيرة يعاني سكانه من الإهمال الكامل و لا يمكن الحديث عن أي مرفق موجود بل الأصح هو الحديث عمن سمح و تغافل عن إتساع هذا الحي بشكل غير قانوني .. و ما من شك في أن التغاضي عن ظاهرة البناء الفوضوي التي عرفتها مدينة سوسة منذ الستينات لم يكن أمرا بريئا فإضافة إلى الغايات الإنتخابية و السعي لكسب ود سكان الأحياء الفوضوية في أوقات معينة هو أحد الأسباب و لكن السبب الأعمق هو غياب تصور شامل لمستقبل المدينة العمراني في ظل توافد عشرات الآلاف من طالبي الشغل عليها وهو توافد إنطلق منذ بداية الستينات وإزداد إستفحالا في الثمانينات و سبب بروز أحياء بناؤها فوضوي.