من المقرر أن يعلن الوزير الأول قريبا خلال لقاء صحفي موقف الحكومة المؤقتة من مشروع المرسوم المتعلق بانتخاب المجلس التأسيسي. مؤشرات عديدة تدل على أن من غير المستبعد أن فصلين على الأقل من المشروع المقترح من الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة سينالهما بعض الاضافات او التعديلات دون المساس بجوهرها او مضمونها الأصلي، وهما الفصلان 15 و16 المثيران للجدل. ويعطي اللقاء الذي جمع مؤخرا ممثلين عن الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والوزير الأول في الحكومة المؤقتة، وتصريحات هذا الأخير خلال ندوة الولاة بشأن الفصلين 15 و16 بعض الإجابات في ما يتعلق بموقف الحكومة المؤقتة من مشروع المرسوم الانتخابي خاصة انه لا يحظى على ما يبدو بالتوافق المطلوب لا داخل الهيئة (أغلبية الأعضاء صوتوا لصالح الفصلين المذكورين) وحتى من الأطراف السياسية من خارج الهيئة من غير الممثلين فيها.
تعديلات منتظرة ؟
ورغم أنه بات مؤكدا أن تعديلات "طفيفة" ستدخل على مشروع المرسوم المقترح، إلا ان الاتجاه قائم اساسا على فرضية تعديل مشروع المرسوم الانتخابي من قبل الحكومة المؤقتة وخاصة في ما يتعلق بالمسائل الخلافية وهي اساسا مسألة منع كل من تحمل "مسؤولية" في هياكل التجمع المنحل أو في الحكومات السابقة من المجلس لعضوية المجلس التأسيسي خلال ال23 سنة الماضية، وهنا تبدو امكانية تدخل الحكومة واردة لتوضيح مفهوم "المسؤولية" الذي ورد غامضا بالفصل 15 ولم يحصر بصفة باتة وقطعية القصد بمن تحمل مسؤولية في هياكل التجمع لتفادي التأويل من جهة وتجنب الثغرات القانونية من جهة اخرى. بخصوص فترة منع من تحمل المسؤولية ورغم تحفظ بعض الأطراف السياسية على طول فترة المنع المحددة ب23 سنة كاملة اي منذ سيطرة المخلوع بن علي على الحكم والسلطة الى حين زواله..إلا أن مراقبين يستبعدون "مجازفة" الحكومة او الوزير الأول على التقليص من هذه المدة..وهنا نستحضر اللقاء الذي جمع السبسي بأعضاء من الهيئة تحقيق اهداف الثورة وما تلاه من ردود افعال متباينة خاصة من اعضاء بالهيئة معظمها رافضة بتاتا لفكرة تعديل الفصل 15. لكن في كل الأحوال تبقى عملية التقليص في مدة التحجير واردة. أما المسألة الثانية فهي تتمثل في مضمون الفصل 16 الذي يلزم القائمات المترشحة باعتماد مبدأ التناصف بين الرجل والمرأة عند تقديم ترشح القائمات، وجاءت ردود الأفعال بخصوص هذا الفصل ايضا متباينة، فرغم وجاهة مبدأ المناصفة وموضوعيته وجرأة الاجماع التاريخي بشأنه، الا أن أحزابا ناشئة او صغيرة عبرت عن خشيتها من عجزها تشكيل قائمات متناصفة لصعوبة استقطاب وجوه نسائية، وطالبت باضفاء نوع من المرونة على شروط اعداد القائمات المترشحة في هذا الاتجاه حتى لا تقصى تماما من العملية الانتخابية. وبناء عليه لا نستبعد ان يتم في هذا الاتجاه اضافة فقرة صلب الفصل 16 تنص على التقيد بحد أدنى من نسبة التناصف لا تقل مثلا عن 25 بالمائة. وبذلك يصبح الفصل ينص على وجوب تقيد الأحزاب او القائمات المترشحة بتقديم قائمات تحترم التناصف بنسبة 50 بالمائة على أن لا تقل في صورة عجزها عن 25 بالمائة. وبذلك يمكن بعث رسالة طمأنة للأحزاب الصغيرة حتى يمكنها الالتزام بالحد الأدنى من شرط التناصف وهي على الأقل تواجد امرأة في صورة ترشح قائمة ب4 اعضاء، او امراة ورجل في كل قائمة تضم عضوين..علما أن عدم التنصيص على وجود امرأة على راس قائمة مترشحة قد يحد من تواجدها في المجلس التأسيسي ويصبح بالتالي مبدأ التناصف مفرغا من معناه.
الشرعية القانونية
على أن الثابت في الأمر أن الوزير الأول ورغم تصريحاته الحذرة بخصوص الفصلين المذكورين والتي فهم منها رغبته في تعديلها دون اثارة غضب هذا الطرف او ذاك، خير على سلك طريق الحوار مع الهيئة من خلال اجتماعه بممثلين عنها. لكن صلاحيات الحكومة المؤقتة والوزير الأول ورئيس الجمهورية المؤقت مثل ما تم ضبطه في المرسوم المنظم للسلط المؤقتة، تضفي شرعية قانونية على ما قد تم اقراره من تعديلات، كما أن الصبغة الاستشارية للهيئة تضعها في موقع أدنى فيه تقبل الأطراف السياسية او مكونات المجتمع المدني غير الممثلة فيه لكل ما يتم التوافق في شأنه. وكان السيد الباجي قائد السبسي قد أكد لدى افتتاحه مؤخرا بالعوينة اول ندوة للولاة بعد ثورة 14 جانفي اهمية اقرار مبدأ المناصفة في القائمات الانتخابية للمجلس الوطني التأسيسي الذي صادقت عليه الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي غير أنه لاحظ ان كل الجهات قد لا يكون بامكانها احترام هذا المبدا بما سيؤدي الى سقوط بعض القائمات مقترحا -تفاديا لذلك- احترام مبدأ التناصف ب50 بالمائة على أن لا تقل نسبة حضور المرأة في القائمات المترشحة 30 بالمائة على الاقل. وبخصوص اقصاء الذين تحملوا مسؤوليات صلب التجمع الدستوري المنحل من العملية الانتخابية أكد قائد السبسي ان هذا القرار على اهميته "سينتج عنه انخرام للتوازن في المشهد السياسي" ولن يكون لفائدة الاحزاب الجديدة بل لفائدة حزب معين أو فئة معينة ولا بد من مزيد التمعن ومواصلة مناقشة هذا القرار عبر الاستماع الى اراء جميع الاطراف.. وكان اعضاء الهيئة العليا صوتوا بالأغلبية على الفصل 15 لصالح منع الترشح لعضوية المجلس التأسيسي "من تحمل مسؤولية صلب الحكومة او هياكل التجمع الدستوري الديمقراطي خلال ال23 سنة الأخيرة، ومن ناشد الرئيس المخلوع الترشح لانتخابات 2014. وتحرر في المناشدين المذكورين قائمة تقررها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ". علما أن بعض الأعضاء صوت لفائدة تحجير ترشح من تحمل مسؤولية صلب التجمع لمدة 10 سنوات فقط. وفي ما يهم الفصل 16 تم التصويت بالأغلبية على الفقرة التالية: "تقدم الترشحات على اساس مبدا التناصف بين النساء والرجال على أن يتم ترتيب المترشحين صلب القائمات على اساس التناوب. ولا تقبل هذه القائمات التي لا تحترم هذه القائمة." يبقى سؤال يصعب التكهن باجابته وهو طبيعة رد فعل الأحزاب ومكونات المجتمع المدني بخصوص الموقف المرتقب من الحكومة المؤقتة، لكن الثابت في الأمر أن اعضاء من الهيئة سوف لن يستقبلوا بسهولة ما ستقرره الحكومة وقد تطالب بحقها في الاستشارة في صورة ادخال تعديلات على مشروع المرسوم الانتخابي قبل ان يتم المصادقة عليه رسميا.