عمار النميري لا يختلف اثنان، ولا يتعارض قلمان، في أن المشهد السياسي في بلادنا شهد، بعد ثورة 14 جانفي، تضخما وتورما غير مسبوق في عدد الأحزاب... وفي خضم هذا الكم الهالك والفتاك من الأحزاب و»العيساوية الحزبية»، انطلق التناحر والتسابق نحو كرسي السلطة المنتظر، والبحث عن موطئ مطرقة لدق مسمار، حتى وإن كان صدئا، في هذا «الكرسي» بل هناك من الأحزاب من يجاهد للاستحواذ على كرسي السلطة برمته وطم طنينه... ولا يختلف ثائران من شباب ثورتنا، في أن كل الأحزاب المستنسخة، هي الآن في دوامة صراع و»حرب» معلنة حول السلطة وهمّ كل واحد منها، نيل القسط الأوفر من «كعكة» الكرسي، وكل السبل والمسالك حسب رؤيا ورؤية الأحزاب تؤدي إلى الكرسي المنتظر، فتكاثرت وتوالدت التهم، والتهم المضادة، والتخوين... كما تلونت الأحزاب و»تحربأت»، وازدوج خطابها، وكل أبواقها تنحصر في السياسة، والديمقراطية والحرية، والمرجعيات الفكرية والايديولوجية، ولم يتجرأ أي حزب إلى حد اليوم على طرح برنامج اقتصادي واجتماعي واضح المعالم يفيد به البلاد والعباد... ويبدو أن الأحزاب نسيت أو تناست الأسباب الحقيقية لقيام الثورة التي انفجرت، أساسا، من أجل الكرامة والعيش الكريم، ومن أجل القضاء على الوضع الاقتصادي المتردي والرديء الذي كرسه «المخلوع» ونظامه الناهب، السالب للثروات وللحريات... ويبدو كذلك أن أحزابنا «الموقرة» و»المنقّرة» لبعضها لم تع ولم تنتبه إلى أن المواطن التونسي «الجديد»، مواطن ما بعد الثورة، يرفض التحزب والتنظم ضمن هياكل يرى أنها لا يمكن أن تمثله، بل «مطمعها» الوحيد السلطة والكرسي، ثم السلطة والكرسي، ولذلك فقط، تغازله وتخطب وده، متوخية الإغراء والإغواء تحت جلباب الديمقراطية وحرية الرأي والفكر، والحال أن الوضع يفرض على «المدعوة» أحزاب أن تخاطب المواطن بكل وضوح ودون تلعثم ببرامج اقتصادية واجتماعية أساسا وتأسيسا، تخرجه من بوتقة البطالة والخصاصة والفقر.. وهكذا قد يمكن لأحزابنا الانخراط في المواطنية وملامسة الطموحات والأهداف الحقيقية للمواطن وللثورة. ولأن أحزابنا، على هذه «الحالة الحليلة» من الحراك والعراك السياسي حول السلطة، والسلطة فقط، فإنها لا ولن تفوز أبدا بود المواطن.. وصناديق الاقتراع لناظريها ومنتظريها لقريبة.. ومن هنا أكاد أجزم أن القائمات المستقلة التي، قطعا، ستسجل حضورها بكثافة في المشهد الانتخابي، قد يكون لها فوز غير منتظر..