*لقد جاء في الفصل الثامن من المرسوم المحدث للهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي ستشرف على انتخابات المجلس الوطني التأسيسي أن هذه الهيئة تضم عضوا مختصا في الإعلامية ضمن أعضائها الستة عشر مما يؤكد حرص الدولة و الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة على حسن استغلال ما يمكن أن تحققه تكنولوجيا المعلومات و الاتصال بصفة عامة و الإعلامية بصفة خاصة من مساندة لضمان انتخابات ديمقراطية، تعددية، نزيهة و شفافة. لقد أجرت عدة بلدان حول العالم انتخابات بوسائل لا تقوم بشكل أساسي على فكرة الإشراف البشرى في التحقق من سلامة ونزاهة الانتخابات، بل اعتمادا على أدوات ونظم تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بصفة عامة، تشمل عملية الانتخابات أنشطة شتى أبرزها الحملات الانتخابية وأعمال الدعاية والتواصل مع الناخبين وإعداد قوائم الناخبين و نظم التصويت و تجميع الأصوات و فرزها و عدّها و إعلان النتائج، أما بالنسبة لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس، في مرحلة أولى و نظرا لقصر المدة الزمنية التي تفصلنا عن موعد انتخابات 24 جويلية ، فإن الوصول إلى إعداد قائمات انتخابية نزيهة و بعيدة عن التزوير وتحديد مكاتب الاقتراع و توزيع الناخبين عليها، بواسطة الإعلامية، يعتبر إنجازا هاما. في إطار التأهيل و تعصير خدماتها، قامت الإدارة التونسية بإنجاز تطبيقات وطنية متعددة الأغراض على غرار منظومة «مدنية» لإدارة بيانات الحالة المدنية للمواطنين و قاعدة بيانات بطاقة التعريف الوطنية للتعريف بهوية فئة عمرية من التونسيين و منظومة «إنصاف» للتصرف الإداري و المالي في بيانات موظفي الدولة,نظريا يمكن لهذه التطبيقات مجتمعة أن توفر البيانات الضرورية لضبط قائمات انتخابية نزيهة، و لكنه من سوء الحظ، إن هذه الفسيفساء من التطبيقات غير المتناغمة هي غير قادرة على تشكيل قاعدة بيانات انتخابية موثوقة، فهي تحيّن و تستغلّ بصفة مستقلة رغم معالجتها لنفس البيانات مثل الإسم و اللقب و الجنس و العمر و العنوان إضافة إلى أن هذه التطبيقات لا تتضمن معلومة تعريفية موحدة غير قابلة للتكرار تؤمن التناغم و الربط فيما بينها في المقابل، يمكن اعتمادها لانتقاء بعض المعلومات المفيدة التي تشكل بعد تحيينها و معالجتها منطلقا لإنشاء قاعدة بيانات انتخابية مبنية على رقم بطاقة التعريف كمعلومة تعريفية وحيدة لكل ناخب مع الحرص على أن تنسحب تلك التحيينات و المعالجات على التطبيقات الوطنية الأخرى لضمان مصداقية نظام معلومات الإدارة حتى لا نجد مثلا عنوان مواطن في منظومة بطاقة التعريف الوطنية يختلف عن عنوانه في قاعدة البيانات الانتخابية أو مواطنا حيا يرزق في قاعدة البيانات الانتخابية وميتا ينتخب في منظومة الحالة المدنية. السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة هو ما هي الطريقة الأكثر واقعية و الأقل كلفة لتحيين بيانات الناخبين و الحصول على قاعدة بيانات نزيهة قبل موعد التصويت؟ يقول المنطق أن الطريقة الأمثل هي التي تدعم ما هو موجود من هياكل و موارد بشرية و معدات و شبكات مع إضافة إجراءات رقابية و أمنية تحت إشراف موحد و مستقل تؤمنه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات و هناك عدة حلول في هذا الإطار مثل استغلال بيئة منظومة الحالة المدنية الحالية بعد دعمها بالموارد البشرية و التجهيزات اللازمة، أو اعتماد شبكة الإنترنت لتمكين المواطن مباشرة، من بيته أو مقر عمله أو فضاءات أخرى متوفرة في كامل جهات الجمهورية كمراكز الاتصال العمومية أو دور الشباب أو دور الثقافة، من الإطلاع على البيانات التي تخصه و إصلاحها أو إضافة بيانات محددة تتعلق بالانتخابات. إن الإعلامية بصفة عامة و في هذا الظرف الاستثنائي بصفة خاصة ليست هدفا في حد ذاته و إنما تشكل أداة للمساعدة على كسب ثقة المواطن و طمأنته بخصوص سير عملية انتخابات المجلس الوطني التأسيسي على أحسن ما يرام و في الموعد المحدد لها و لا ينبغي أن تكون هذه الأداة عبئا ثقيلا على المواطن و تجبره مثلا على التنقل و الوقوف في طوابير للتعبير عن رغبته في القيام بواجبه الانتخابي، أو أن تتسبب في تخصيص ميزانية هامة لشراء معدات وتجهيزات غير ضرورية فالحواسيب المتوفرة في البلديات أو في بيت المواطن أو في مختلف الفضاءات القريبة منه في كامل جهات البلاد، إضافة إلى جاهزية تفاعل التونسي مع هذه التقنيات إذ برهن على ذلك في عدة مناسبات مثل التوجيه الجامعي بواسطة الإنترنت أو تغطية الأحداث التي سبقت ثورة 14 جانفي على المواقع الاجتماعية، هي التي تنتقل إليه و تجنبه من مساوئ ضياع الوقت و هدر الجهد و المال كما تعفي الدولة من تخصيص حفنة مليارات إضافية لاقتناء تجهيزات و إحداث هياكل غير ضرورية في حين أن البلد أضحى في ظروف اقتصادية صعبة و في أشد الحاجة لتلك الأموال إذ يتوقع أن يبلغ معدل النمو في هذه السنة صفرا و بعض الكسور. لا ينبغي في كل الأحوال اللجوء إلى الحل السهل المتمثل في إحداث مئات الهياكل الجديدة و تكوين أعوان جدد و اقتناء معدات جديدة و إرساء شبكة معلومات جديدة، كل ذلك في مدة زمنية وجيزة و بأموال طائلة، إضافة إلى الحالة العامة التي تمر بها البلاد و التي لا تتحمل المغامرة للدخول في معركة انتخابية غير مدروسة. حتى و إن وقع الاختيار على هذا الحل، لا قدر الله، فيجب إعداد خطة أخرى بديلة أكثر واقعية و أقل هدرا للمال و مضيعة للوقت لكي لا تتعرض تونس إلى أول نكسة إن لم نقل كارثة في أول تجربة انتخابية بعد ثورة الكرامة والحرية. * مهندس مختص في تكنولوجيا المعلومات و الاتصال