*إن غياب عنوان هذا المقال أمرمقصود من طرف كاتب هذه السطور وهوبالتأكيد شيء غريب وغيرمألوف يمثل خروجا عن الرتابة والعادة التي ألفها الناس في الشرق والغرب متمثلة في حرصهم دائما على إعطاء عناوين لمقالاتهم وكتبهم أو ليس ، إذن، كتابة نص بدون عنوان ثورة على النظام القديم؟ وللثورة الحقيقية أهداف تسعى لبلوغها وفي طليعة تلك الأهداف حث القارئ على تجاوزقراءة ما هو ليس بعنوان إلى قراءة بداية نص المقال على الأقل وهوما لايفعله كثير من القراء مع المقالات صاحبة العناوين وهكذا تتلخص الحكمة وراء غياب العنوان هنا في محاولة إثارة فضول القارئ لكي يبدآ في قراءة المقال ويستمرفي ذلك بانتباه أكبر ليكتشف بنفسه عنوان المقال أوما هو قريب منه بعد أن يتم الإطلاع عليه و يفقه منظومة أفكاره. أكتفي هنا بذكرعدد من الأمثلة الحية من المجتمع التونسي ذات علاقة بتعامل المواطنين مع اللغة العربية/اللغة الوطنية: وفي ضوء الفهم الكامل لمعاني تلك الأمثلة يستطيع القارئ أن يهتدي إلى الفوز بالعنوان المناسب/الصحيح للموضوع الذي يريد الكاتب إثارته وشرحه واتخاذ موقف ثوري لصالح تغييره في المجتمع التونسي لما بعد الثورة 1 يلاحظ الباحث اليوم في المسألة اللغوية بطريقة متكررة نموذجا لرد فعل أغلبية التونسيات والتونسيين على من يدافع عن استعمال اللغة العربية في المجتمع التونسي يتمثل رد الفعل الجماعي التموذجي لديهم في مساءلة المدافع : هل أنت أستاذ عربية أوهل أنك لا تعرف الفرنسية؟ فمثل هذا التساؤل النموذجي عند التونسيات والتونسيين لا يمكن أن يقابل برد فعل غير مبال من طرف عالم النفس الإجتماعي على الخصوص. فتأويل ذلك الرد الجماعي النموذجي التونسي يفيد شيئين إثنين على الأقل: أ اعتقاد أغلبية التونسيات والتونسيين أن مدرس اللغة العربية هو وحده الذي ينتظر منه الدفاع عن اللغة العربية وأماغيره وهم أغلبية التونسيات والتونسيين فهم غيرمطالبين بالدفاع عن العربية، لغتهم الوطنية. أي كأن القيام بمثل ذلك السلوك اللغوي هوأمرغريب في رأي معظمهم. ب وبناء على ما جاء في أ فإن ضعف تحمسهم للدفاع عن اللغة العربية يحتاج إلى تفسير. يشترك معظم هؤلاء التونسيات والتونسيين في ما أسميه الإزدواجية اللغوية الأمارة التي تجعلهم يميلون شعوريا ولاشعوريا إلى استعمال الفرنسية بدل العربية. والإزدواجيات اللغوية ليست بالضرورة أمارة بالسوء ضد اللغة الوطنية فهذا ما نجده مثلا في المجتمعات المتقدمة حيث تمثل السيادة اللغوية أمرا مقدسا وخطا أحمر أي أن الإزدواجيات اللغوية في تلك المجتمعات هي إزدواجيات لغوية لوامة وهكذا فثمة ظروف خاصة في زمن الإحتلال وفي عهد الإستقلال تضافرت على ميلاد واستمرار الإزدواجية اللغوية الأمارة في المجتمع التونسي المعاصرقبل الثورة وبعدها. 2 إن ما يلفت نظرعالم الإجتماع في السلوك اللغوي للمرأة التونسية هومبالغتها في استعمال اللغة الفرنسية بدل العامية العربية التونسية النقية في حديثها عن الألوان والمقاييس والأيام والأرقام. فنحن ، مثلا، لانكاد نسمع أي تسمية للألوان باللغة العربية عندما نصاحب زوجاتنا أثناء شرائهن بعض الملابس في المراكز التجارية وغيرها من المحلات فالحديث عن ألوان الملابس ومقاييسها لايتم في العادة إلا باللغة الفرنسية فيندر استعمال الكلمات العربية للون الأزرق والأسود والأبيض والوردي والرمادي و ..و في حديث النساء المشتريات والبائعات على حد سواء وتستولي اللغة الفرنسية أيضا بطريقة شبه كاملة في الحديث على مقاييس طول وعرض الملابس فهذا الإستعمال المتكرر للغة الفرنسية في هذه المناسبات في دنيا عالم النساء يؤدي إلى نشأة عرف لغوي عام بين التونسيات يعطي الأولوية للفرنسية بحيث يجعلهن يخجلن من استعمال اللغة العربية في الحديث عن الألوان والمقاييس والأرقام ويشبه هذا الوضع ما نجده في خجل التونسيين والتونسيات في كتابة صكوكهم [شيكاتهم] المصرفية باللغة العربية. وبالإضافة إلى ثقافة استعمال اللغة الفرنسية عند التونسيات في التعامل مع الألوان والأرقام والمقاييس فإن هناك أيضا ميلا كبيرا عندهن لاستعمال لغة موليار بدل اللغة العربية في ذكر أسماء أيام الأسبوع. 3 عقدت في شهر ماي 2010 في تونس العاصمة ندوة كان موضوعها الحواربين الأديان بالإشتراك مع اليونسكو. ألقى الأستاذ التونسي المشرف على الندوة كلمة الإفتتاح باللغة العربية.فأوضح أن هناك ترجمة فورية لمداخلات المتحدثين وأسئلة الحاضرين والإجابات عليها أشرف هذا الأستاذ بعد ذلك على الجلسة الأولى للندوة. فأدارها باللغة الفرنسية فقط أي أنه لم يحترم اللغة العربية/اللغة الوطنية لتونس التي يمثلها ولاوجود الترجمة الفورية التي أعلن عنها في افتتاحه للندوة التي لم يتجاوزعدد الأجانب فيها عدد أصابع اليد الواحدة ومن جهة أخرى، تحدث في هذه الجلسة ثلاثة تونسيين أحدهم أستاذ متخصص في معجمية اللغة العربية والمتحدث الثاني يعمل في الألكسو أما المتحدث التونسي الثالث فهورئيس كرسي بن علي لحوار الحضارات. ألقى ثلاثتهم مداخلاتهم باللغة الفرنسية فقط طرح بعد ذلك الحاضرون التونسيون والتونسيات أسئلتهم أيضا باللغة الفرنسية فقط حتى أن أحد السائلين توجه إلى المتدخلين التونسيين فقدم نفسه بنطق فرنسي لإسمه العربي محمد. 4 فأغلبية التونسيين لايكادون ينطقون الأرقام باللغة العربية سواء في تبادل أرقامهم الهاتفية أوفي الحديث عن خطوط شبكة المترو أو ، مثلا، في الإشارة إلى أقسام منطقة الحي السكني للمنزه فتسمعهم يقولون المنزه سنك(5) وليس المنزه خمسة والمتروكاتر(4) وليس المتروأربعة. فهذه المعطيات الميدانية واقعية وليست بالخيالية حول السلوكات اللغوية لمعظم التونسيات والتونسيين اليوم والمقال الذي بين يديك قصدت أن يكون بلاعنوان كما شرحت في أول سطوره جاء دورك أيها القارئ الكريم لكي لاتخشى البحث عن عنوان لمقال ليس له عنوان. فما هو ياترى العنوان الذي توحيه إليك الأمثلة الأربعة السابقة التي ذكرتها سطور المقال؟ * عالم الإجتماع