اختلفت الآراء حول الحديث الذي أدلى به وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي للموقع الالكتروني "سكندالي"، فذهب البعض إلى أن الوقت غير مناسب لمثل هذا التصريح الفرقعة فالوضع العام للبلاد حساس...في حين فرح آخرون بجرأة الراجحي فأخيرا أثيرت المواضيع التي انتظرها التونسي طويلا ليسمعها. فهل يجب أن يتم اختيار التوقيت في اجراء الأحاديث الصحفية وتناول مواضيع دون أخرى ؟؟ وماذا عن إرساء الحرية والديمقراطية والرأي والرأي الآخر؟ و أن تكون "قنبلة" الراجحي فرصة للإعلام والحكومة والسياسيين لإثبات قدرتهم على التعامل مع "الأزمات" والدخول في لعبة الحرية؟
التوقيت...؟؟
"الوقت غير مناسب...نعم فقد جاء الحديث متأخرا.." هذا ما قاله عالم الاجتماع السياسي طارق بالحاج محمد، حول توقيت حديث فرحات الراجحي، ورأى أنه في الأصل لم يسكت فقد وقع إسكاته لأن الرواية الرسمية تقول أنه وقع تكليفه بمهام أخرى، بمهمة افتراضية... في حين أنه تمت إقالته. كما اعتبر أن الخوض في التوقيت مسألة خاطئة من حيث المبدأ، فهي تساهم في تغيير وجهة النقاش الدائر والخوض في تفصيل التوقيت وكأنه أهم من فحوى الحديث..." في الوقت الذي لم يتجرأ أيا كان على تفنيد ما قاله نقطة، نقطة...فقد تحدث الرجل على وقائع.." وأضاف بالحاج محمد ان الردود اتخذت توجهين، الرد الأول كان سياسيا قدمه الناطق الرسمي باسم الحكومة اعتمد على الانكار والنفي واللغة الخشبية السائدة منذ ال50 سنة الماضية.وتبنته عديد الأحزاب. ورد ثان أخلاقي واعتبر أن حديث الراجحي تنقصه اللياقة والإحساس بالمسؤولية، وصوره كمتآمر على الشعب التونسي ومسيء لهيبة الدولة وهيبة الجيش الوطني، وصنفه كوزير فاشل، أفشى أسرار مهنته. في حين ووفقا لمصدرنا أنه كان من الأجدر أن يقع النفي أو تأكيد ما ورد في الحديث بالواقعة. ويشير في نفس السياق أن الخطير في الأمر أن الردود حملت تأويلات...كقوة المال السياسي والمحافظ على العلاقات مع النظام السابق والحديث على التوقيت والأخلاق وخطاب النفي الذي تعامل مع الأمر وكأنه لم يقع شيء... وهي ممارسات اتسم بها النظام السابق..ولم يستسغها الشعب.. وبرزت في تظاهرات الشارع التونسي في العديد من الولايات والتعليقات التي حملتها صفحات المواقع الاجتماعية وخاصة "الفايس بوك".
الخروج من مبدأ المحاصصة..
وأفاد عالم الاجتماع السياسي أن حديث الراجحي وما تناوله من مواضيع عليه أن يكون فرصة لفتح مجال النقاش بين الحكومة والشعب والقوى السياسية، والخروج من مبدأ المحاصصة السياسة ( لكل حصة) فالعيب في الاجماع الذي نراه اليوم أنه اجماع انتهازي، ليس على قاعدة شعبية حيث يتم اقتسام الغنائم ومحاربة كل من يقف أمام الفوز بها. فمثال كان موقف عديد الأحزاب مدين لحديث الراجحي نظرا لارتباط مصلحتها مع الحكومة. ويشير هنا طارق بالحاج محمد الى ضرورة الخروج من التفاصيل ومناقشة المضامين، ويستشهد بالمثل الأمريكي القائل: "الشيطان يكبر في التفاصيل" فعلى الحكومة أن تتحدث في المبادئ والوقائع، والترفع عن القدح في الأشخاص... أما بالنسبة للمجتمع المدني والأحزاب السياسية فعليها أن تلتقط اللحظة والتعبير عن مواقفها التي ستكون مواقف تاريخية بعيدة عن المزايدة... ويوضح :"علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا، فهذا أول امتحان حقيقي لحرية التعبير والرأي والرأي الآخر، وحق الاختلاف..وإذا نجحنا في إدارة الظرفية الراهنة فنحن متجهون نحو جمهورية ثانية حقيقية..". أما اذا فشلنا في التعامل مع الفترة الراهنة فيرى عالم الاجتماع السياسي أنه مؤشر خطير سيؤدي إلى عزوف عن الحكومة و70 حزبا الموجودين خاصة مع وجدود قانون الانتخاب على القائمات، وخلق شرح كبير بين الشعب والسياسة فمن سيحتوي الموقف الذي تعكسه المظاهرات في الشارع التونسي... قد ثبت بالكاشف أن الأحزاب لا تمثل الا نفسها فالشارع سبقها مرة أخرى ورفع السقف وطالب بثورة ثانية... فأول أمس وأمس رفعت شعارات مثل إسقاط الحكومة التي توهمنا أننا تجاوزناها. الاعلام... ويوضح بالحاج محمد في السياق أن من يؤمن بالإعلام الحر فعليه أن يناقش الحقائق وصحتها من عدمها ولا ينجر وراء الحملات الإعلامية دون أن يكون معها أو ضدها...مع ضرورة التركيز على الإعلام الاستقصائي الذي يبحث عن الحقائق، واعتماد سبر آراء المجتمع لا السياسيين.. "فهم عودونا قول نصف الحقيقة" ويعتبر أيضا أن حديث الراجحي قد دق ناقوس الخطر بشأن ثقة الإعلام الرسمي والدليل أنه تعامل مع صفحة الكترونية باعتباره مواطنا وليس وزيرا للداخلية... ويضيف "الحديث يعتبر امتحان..هل نحن جادون بالفعل في حرية الإعلام وهل السياسي والإعلامي قد تهيأ لقبول لعبة الحرية".