بعد يوم من صدور الحوار الحدث مع وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي وما حمله من نقاط هامة، وقع الإمضاء رسميا على مرسوم القانون الانتخابي الخاص بانتخابات المجلس التأسيسي الذي يعد حجرة الأساس في بناء مسار الانتقال الديمقراطي... ووجد التونسي نفسه بين عديد الفرضيات، مواصلة المسير في اتجاه إرساء حكومة شرعية والقيام بانتخاب مجلسه التأسيسي وتأجيل النظر في مضامين الحديث، أو الوقوف عند تصريح الراجحي وتصحيح المسار وتحمل تبعاته... من تأجيل للانتخابات وعودة عن بدء... وامكانيات تصعيد للشارع. فهل الوضع عادي يستوجب المرور أو الوقوف عند ما حمله الراجحي من وقائع تحتمل التأكيد والنفي؟؟ حاولت "الصباح" بيان موقف القضاء ومعرفة كيفية تناول حديث الراجحي وتبعاته قضائيا إلا أنه ورغم الاتصال بعدد من القضاة فقد امتنع الجميع عن التعليق في الوقت الحالي واعتبروها مسألة سياسية، رجل تولى مسؤولية في وزارة سيادة، مسؤولية سياسية.. أدلى بحديث للصحافة...إذن فالأمر بعيد عن القضاء.
مساران.. ووقفة تأمل
أما بالنسبة للسياسي المحنك مصطفى الفيلالي فكان تدخله مقتضبا للغاية ويعود على الأرجح ذلك إلى وضعه الصحي.. وقد قال أن ما يقع اليوم لم يكن في الحسبان: "وينبغي أن نقف وقفة تأمل، أولا في زمام الحكم: من بيده القرار؟ " كما يعتبر أنه إن لم تتضح هذه النقطة فليس هناك سبيل للمضي إلى الأمام... ورأى من ناحيته نائب رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان صلاح الدين الجورشي أن إطالة النظر في ما ورد في تصريح الراجحي في هذا الظرف لن يكون مفيدا والأولوية يجب أن تعطى لاستكمال المسارين الانتخابي والسياسي حتى نتمكن من ربح الوقت وإيجاز مرحلة الانتقال الديمقراطي إلى أقصى حدود لأن البلاد في حاجة إلى بناء شرعية ديمقراطية لأجهزة الحكم وهذا لن يكون الا عبر الإسراع بانتخاب المجلس التأسيسي. وتصريحات الراجحي تستوجب في نظر الجورشي التوقف والتحليل والتقصي، ولكنه "يخشى أن ذلك قد يفتح المجال للجدال ويؤدي إلى إعادة ترتيب الأولويات وما يترتب عنه من استمرار لحالة المواجهات بين الشباب الغاضب والحكومة مما يولد بدوره مزيدا من العنف ومزيدا من الانفلات الأمني..." وعن كيفية تجاوز "المأزق" وضح نائب رئيس الرابطة بأن الانتقال الديمقراطي لا يمنع من توضيح أمرين أساسيين وهما: رفع الالتباس حول مسألة علاقة المؤسسة العسكرية بالمسار الديمقراطي، وذلك رغم انها مسألة واضحة حيث التزم الجيش إلى الآن بعدم التدخل في الشأن السياسي..لكن رغم هذا فان ما ورد في تصريحات الراجحي قد وضعت نقاط استفهام وأعادت الشك للمواطنين وهو ما يقتضي توضيح، أي تعميق النقاش حول هذه المسألة بالذات لاستبعاد كل الاحتمالات والتأويلات التي قد تهدد المسار الانتقالي. وثانيا ما يتعلق بوزارة الداخلية، حيث فوجئ الجميع بحجم رد الفعل للأجهزة الأمنية على التظاهر السلمي، ويقول: "أعتبر بأن دور الداخلية مهما جدا في هذه المرحلة لإعادة استتباب الأمن وهو شرط أساسي من شروط الانتقال لكن ليس على حساب حق المواطن في التظاهر السلمي وعدم استعمال القوة المفرطة مهما كانت نوعية الشعارات والمطالب التي ينادي بها المتظاهرون. ويلخص الجورشي بأن استمرار العملية السياسية عليه أن يتقدم كل الأولويات ولا يمنع ذلك من الحوار الوطني وتناول حديث الراجحي بالنقاش فالأمران غير مرتبطين. فيجب أن تتم الانتخابات في موعدها وتتكاثف كل الجهود من أجل إنجاحها مع الانطلاق في حوار يكون عبارة عن ممارسة ضغط وتصحيح لمسار الحكومة، هو يؤكد في السياق عن اعتراضه عن محاولات إسقاط الحكومة فذلك سيعيدنا إلى الصفر وأية محاولة لذلك يعتبرها تقييم سياسي سلبي للوضع العام للبلاد. مواصلة المسار.. ويعتبر عضو الهيئة العليا للانتقال الديمقراطي زهير مخلوف أنه: "علينا أن نمر وكأن شيئا لم يكن.. لأن خطاب الراجحي أتى ليفسد الوفاق بيننا وبين الحكومة..." ويضيف أن حمله الحديث من نقاط إشكاليات بسيطة على الشعب التونسي القفز عليها، فلا يجب أن تقف أمام تواصل مسار الانتقال الديمقراطي وممارسة المواطنين لحقهم في انتخاب المجلس التأسيسي يوم 24 جويلية القادم. كما أشار مخلوف في السياق أن "الحكومة قد أكدت قبل خطاب الراجحي على التوافق وتمرير الفصل 15 من القانون الانتخابي .." وجاء حديث الراجحي في غير محله ليعيد الالتفاف على الثورة التي كان هدفها واضح وهو تأكيد سيادة الشعب من خلال الوصول به الى الانتخابات... ويقول كاتب عام نقابة التعليم الثانوي بالاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري أن حديث الراجحي كان طريفا جدا فلأول مرة يدلي وزير في الحكومة بحديث يخص فترة مباشرته للعمل، كما أنه مثير لانه ليس كأي تصريح فهو حوار للمسؤول الأول لوزارة سيادة يعرف عديد الأسرار، ومهما كانت هذه التصريحات لابد من النظر اليها بطريقة استكمال مسار الثورة... "وربما ما احتواه يمكن اعتباره من مهام الثورة". ويوضح: ".. مثال إشارته الى حكومة الظل فيها اشارة الى بقايا النظام السابق ووزارة الداخلية التي عليها حفظ الأمن وليس القمع وممارسة العنف، ومن مهام الثورة القضاء على بقايا نظام المخلوع وتغيير عقلية الممارسة الامنية... فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار مضامين الحوار دون تهويل... فلا نشخصها ونستغلها فهو ليس رجل عادي انه وزير داخلية سابق كانت تمر أمامه تقارير وحقائق". ويضيف الحوار لم يأت بالجديد ولكنه أعاد اثارة مسائل تتفق مع متطلبات المسار الديمقراطي، ولم يتم معالجتها بعد على غرار قضية الاعلام وموقع الجيش والبوليس القمعي... وعلى المجتمع المدني والأحزاب الضغط لتصحيح المسار دون التوقف عن العمل من أجل الانتقال الديمقراطي والوصول الى انجاح انتخابات المجلس التأسيسي يوم 24 جويلية.