حوار: آسيا العتروس خلف الهدوء الواضح على ملامحه فان السيد أكمل الدين احسان أوغلو الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي وهوالاستاذ الجامعي والسياسي المحنك، مدافع شرس عن المنظمة التي يتولى رئاستها خاصة عندما يتعلق الامر بالتشكيك في أهدافها ودورها في الدفاع عن الاسلام والمسلمين. وقد اعتبر في حديث خص به «الصباح» عشية مغادرته تونس في أعقاب أول زيارة له الى بلادنا بعد الثورة أن الثورات العربية ليست صعودا للاسلام السياسي وأن الثورة في تونس ومصر لم تحمل أية شعارات ذات طابع ديني وأن ما يحدث أن الشعوب التي عاشت طويلا خارج التاريخ تريد اللحاق بركب الشعوب المتطورة. وقال أوغلو ان تونس فتحت الباب للتغيير والاصلاح في المنطقة. وكشف الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي أن السبب وراء الفشل في حل الازمة في ليبيا يعود الى رفض القذافي وأبناؤه ترك الحكم. واعتبر أن تحويل بعض الاموال المجمدة لصالح المجلس الثوري في ليبيا أمر ضروري. كما دعا اوغلو الشباب اليائس الى الايمان بالله والقيم والوطن وأعرب عن أمله أن تكون سنة 2011 سنة الدولة الفلسطينية ... يذكر أن الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي التقى خلال زيارته الرئيس المؤقت فؤاد المبزع ورئيس الحكومة الباجي قايد السبسي ووزير الخارجية مولدي الكافي، وأعرب عن استعداد المنظمة دعم جهود تونس خلال العملية الانتخابية، كما شارك أوغلو في تظاهرة انتظمت في مقر المكتبة الوطنية لتأبين الراحل أحمد الحبيب الجلولي العالم والمؤرخ. وفيما يلي نص الحديث:
أين تقف منظمة المؤتمر الاسلامي مما يحدث اليوم من انتفاضات في العالم العربي ولماذا تأخرت المنظمة في دعمها للشعوب العربية المقموعة، وهل هناك خوف من الاسلام السياسي؟
موقفنا واضح ولم نتردد في دعمنا لحقوق الشعوب وفي ليبيا كان موقفنا متقدما جدا وما يؤكد ذلك أن مجلس الامن بنى قراره 1973 على تصريحاتنا في الرابع والعشرين من فيفري الماضي من الاحداث في ليبيا, نحن أيضا أعضاء في لجنة الاتصال الليبية لحل النزاع في ليبيا من جانبنا ننظر الى هذه التحركات على أنها عودة الشعوب في هذه المنطقة الى سياق الزمن كانت هناك ظروف تاريخية معينة كانت خلالها الشعوب العربية والاسلامية خارج سياق الزمن والان وبعد أن بقيت المنطقة خارج الموجة بعد سقوط حائط برلين ما جعل دول أوروبا الشرقية ومنطقة البلقان وغيرها تترك الحكم المطلق وتتحول الى ديموقراطية وقد عقب هذا الكثيرمن الدول في أمريكا اللاتينية وبقيت بعض الجيوب في المنطقة. بعد تونس الثورة فان الشعب التونسي أعطى نموذجا للشعوب في فرض ارادته وكسر حاجز الخوف واجبار النظام على السقوط وهو الآن من يفرض إرادته لتحويل النظام الحالي الى نظام ديمقراطي وبناء مؤسسات دستورية وتمثيل نيابي وصياغة دستور. كل هذا يدفعني للقول بضرورة أن يكون هناك في المقابل حوار بناء بين الشعب وممثلي القوى الوطنية وبين الحكومة أوالسلطة المؤقتة التي تقود البلاد الى صندوق الانتخاب الذي سيؤدي الى بر الامان. أما أن نسمع كل يوم عن مطالب لاسقاط الحكومة فإن ذلك لا يمكن ان يخدم المصلحة الوطنية العليا ولا يحقق بالتالي أي هدف كما أن الفوضى ستؤدي الى أوضاع غير مرغوب فيها قد تعيق التحول الديموقراطي الى أمد غير معلوم، وقد سبق أن رأينا هذا الامر في بلدان أخرى. وعموما فان الثورات العربية ليست صعودا للاسلام السياسي والثورة في تونس كما مصر لم تحمل أية شعارات ذات طابع ديني وما حدث أن الشعوب التي كانت خارج التاريخ تريد اللحاق بركب الدول المتطورة في العالم.
ولكن كيف تفسرون الانتقادات الموجهة للمنظمة بأنها كانت تتردد في نصرة الشعوب ولكن دون أن تتردد في تقديم شهادات التقدير والجوائز لرموز الفساد ؟
(يرد الامين العام بنبرة لا تخلو من الغضب) لم نسمع لهذه الانتقادات وبامكان الجميع الاطلاع على مواقفنا على الموقع الخاص بالمنظمة في كل شأن من شؤون العالم الاسلامي، مواقفنا كانت معلنة منذ البداية سواء ازاء ما حدث في تونس أومصر اواليمن أوسوريا جئت كأول أمين عام منتخب ببرنامج اصلاحي وخطة عشرية قدمت في قمة مكة 2005 باجماع الدول الاسلامية تتحدث عن الحكم الرشيد والمساءلة وسيادة القانون والحريات وحقوق المرأة وغيرها. وقد حرصنا في هذه المرحلة على دعم جهود تونس التي تفتح ذراعيها لاحتضان اللاجئين الليبيين وتم تقديم صك بمبلغ مائة الف دولار للصليب الاحمر.
ولكننا لم نر شيئا من هذه الخطط، بالعكس فإن الاوضاع لم تشهد تطورا يذكر في أغلب الدول العربية والاسلامية أيضا؟
لا بد من التوضيح الى نقطة أساسية وهي أن تنفيذ المخططات ليس مهمتنا، فنحن لا نملك سلطانا على الدول والحكومات ولا يمكننا أن نجبرهم على شيء. وبناء على ما جاء في الخطة العشرية وميثاق 2008 للاصلاح السياسي والانفتاح وتعزيز حقوق الانسان نحن نقوم بعمل جد متقدم يتجاوز المواقف السائدة والحكومات تتحمل المسؤولية في عدم الالتزام بخطط الاصلاح .
هناك أنباء بشأن وساطتكم في الازمة الراهنة في ليبيا، ماذا في هذه الوساطة وإلى أين يمكن أن تؤدي؟
منذ اللحظة الاولى حاولنا العمل على وقف سفك الدماء في ليبيا وكانت المنظمة على قرب من محاولات وقف اطلاق النار. ولكن أغلب المحاولات فشلت لأن نقطة الخلاف الجوهرية في تحقيق التقدم كانت مرتبطة بشرط يطالب بأن يترك العقيد القذافي وأبناؤه الحكم وهو متمسك برفض هذا الطلب. وقد فشلت حتى الآن كل محاولات الصلح والوساطة لحل النزاع بسبب هذه المسألة، ونحن من جانبنا نتمنى على كل أطراف النزاع المعنية بالتضحية من أجل الوطن وايقاف سفك الدماء والفتك بالمدنيين . وعلينا ألا ننسى أن الحكومات يجب أن تكون في خدمة الشعوب وليس العكس ونأمل ان ننتهي في أقرب الآجال لتحقيق أهداف الشعب الليبي المشروعة في الحكم الرشيد واقامة نظام مشروع.
لكن ألا تعتقدون أن في النتائج التي خرج به اجتماع روما حول ليبيا والمنظمة كانت طرفا فيه باستخدام الاموال الليبية المجمدة لدعم الثوار ليست سوى محاولة للضحك على الذقون والهروب الى الامام باستخدام أموال الشعب الليبي وإيهام الرأي العام الدولي بأن التحالف الدولي حريص على مصلحة الشعب الليبي؟
مجموعة الاتصال تكونت لدعم وتقديم حلول للنزاع الدائر في ليبيا، وما طرح في روما لتحويل بعض الاموال المجمدة لصالح الثوار في بنغازي أمر ضروري لأن الوضع الخالي يؤهل المجلس الوطني الانتقالي لتسيير الشؤون الخاصة بالمواطن وحتى الادارة، لذلك أرى أن هذا حل عملي لتجاوزالازمة. عمليا نقوم كمنظمة بدعم اللاجئين الليبيين على الحدود مع تونس وليبيا كما على الحدود بين ليبيا ومصرلدينا مكتب في رأس جدير وقد ساهمنا في نقل عشرة آلاف لاجئ افريقي من التشاد والنيجر وغيرها الى بلدانهم ونقوم بتوزيع المساعدات الانسانية المطلوبة.
شهدت القاهرة الاسبوع الماضي توقيع اتقاق المصالحة بين حركتي «فتح» و»حماس» بعد أربع سنوات من الانقسام، فما الذي يمكن للمنظمة تقديمه لضمان نجاح هذا الاتفاق، وهل ستدعمون قيام الدولة الفلسطينية في مجلس الامن؟
ما حدث خطوة مهمة كان يتعين أن تحدث منذ سنوات سندعم كل الجهود من أجل قيام الدولة الفلسطينية وقد التقيت خلال توقيع اتفاق المصالحة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، والمنظمة تعتزم تقديم دعم مزدوج للفلسطينيين، الاول على مستوى المحافل الدولية، والثاني على مستوى العمل الانساني والتنمية في قطاع غزة . منظمة المؤتمر الاسلامي كانت من الاوائل في ديسمبر 2006 التي تحركت لتقليص الاختلافات وقد زرت غزة منذ بداية الازمة ثم قمت بزيارات مكوكية بين غزة ومصر وأجريت لقاءات مع عباس وهنية، وبعد عمل دؤوب ليس بالهين جاء الاتفاق الذي توصلنا اليه في 17 ديسمبر، وكان يمكن أن يكون لهذه الاتفاقية تأثيرها. اليوم هناك وضع جديد بفضل الرعاية المصرية بعد الثورة وما أنتجته من تصحيح في كثير من المفاهيم والرؤى السياسية أعادت لمصر مكانتها واعتبارها في الدفاع عن القضية الفلسطينية.. ما نأمله من الاطراف المعنية أن تتمسك بالمصالحة والوصول الى صندوق الانتخابات، ومن جانبنا سنحرص على دعم الاتفاق من خلال هذا الجو الايجابي في مختلف المحافل الدولية. نقطة أخرى، المنظمة لاحظت باهتمام تصريحات الرئيس الامريكي أوباما في اجتماع الجمعية العامة والذي أبدى فيه رغبته في رؤية دولة فلسطينية عضو في الاممالمتحدة بحلول سبتمبر المقبل، وفي صورة الاعتراف الجماعي لدول لاتينية عديدة الى جانب الوعود التي أطلقتها دول أوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فإن كل ذلك قد يكون مؤشرات بوادر ايجابية كثيرة من خلال المجموعة الاسلامية في الجمعية العامة لدعم اقامة الدولة الفلسطينية متى أراد الفلسطينيون ذلك.
ماذا يقول الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي لكل أولئك الشباب الذين يخاطرون بأنفسهم في البحر من أجل الوصول الى أوروبا بحثا عن فرصة أفضل للحياة دون تقدير للمهالك التي قد تحدث؟
كلمتي للشباب لابنائنا في تونس أوخارجها أتفهم كأب وكأستاذ جامعي تعاملت مع الشباب طوال حياتي وأتفهم مشاعر الشباب في الوقت الراهن ويجب قبل كل شيء أن يكون للشباب ايمان بالله وبالقيم وبالوطن. هذا الايمان سيعطي الشباب قوة في مقاومة الاوضاع القاتمة التي يعانون منها. ان التحول الديمقراطي ليست أمرا يتم بين عشية وضحاها، فإسقاط النظام الفاسد تم في أيام ولكن بناء نظام جديد ديمقراطي بكل ما يتطلع الشعب الى تحقيقه لا يتم بين عشية وضحاها ويجب أن يكون هناك ثقة متبادلة بين مختلف الفئات الشعبية وبين حكومة يترأسها رجل مشهود له بالنزاهة والحس الوطني العالي.