هناك مصطلح تردد كثيرا في الفترة الأخيرة، هو حكومة الظل. وكنت أتوقع أن تكون إثارة هذا الموضوع، ربما للمرة الأولى في تونس، فرصة للإعلاميين والباحثين لتفسير هذا المصطلح للجمهور، وتحليل الكلام الذي تردد حوله وأدى إلى ما أدى إليه من تجاذبات وأحداث أليمة. لكن لم أقرأ شيئا عن كل ذلك. وبالعودة إلى الكلام المنسوب إلى وزير الداخلية السابق (قبل أن يتراجع عنه ويعتذر في سابقة لم تحدث مع أي رجل سياسي في الماضي)، فإن هناك أيادي تتحرك من وراء الستار لتسمية الوزراء، من دون أن نراها في صور التليفزيون. وعندما نقرأ هذا الكلام نظن أن أعضاء الحكومة فُرضوا على الوزير الأول في الحكومة الإنتقالية الباجي قائد السبسي عند مجيئه إلى هذا المنصب لكن هذا الكلام يحتاج إلى تدقيق، وخاصة إلى استعراض أسماء أعضاء الحكومة للتأكد من ملابسات تعيينهم وليس سرا أن قائد السبسي حافظ على أكثر من تسعين في المئة من حكومة محمد الغنوشي بمن فيهم وزير الداخلية فرحات الراجحي، فهل كانت تلك الحكومة من إيحاء رجال الظل؟ وإذا كانت كذلك فلماذا لم يقل الراجحي هذا الكلام بصراحة؟ قام الوزير الأول الحالي بتعديل بعض الحقائب الوزارية، فعين كاتب الدولة للتعليم العالي رفعت الشعبوني في مكان الوزير المستقيل أحمد ابراهيم وسمى كاتب الدولة للتخطيط والتعاون الدولي عبد الحميد التريكي في مكان الوزير نوري الجويني، وكاتب الدولة للصناعة عبد العزيز الرصاع في مكان الوزير عفيف شلبي، أما في وزارة التنمية الجهوية التي غادرها نجيب الشابي فاختار الوزير الأول جامعيا يعرفه منذ مدة طويلة هو الخبير عبد الرزاق الزواري. أين دور «حكومة الظل» التي تخيلها الراجحي في هذه التسميات؟ وأي دور يمكن أن يكون لها في مجرد ترقية كُتاب دولة، كانوا موجودين من قبل في الحكومة، إلى مناصب وزارية؟ بعد تلك التسميات أدخل الوزير الأول تعديلا جزئيا على الحكومة فعين الحبيب الصيد وزيرا جديدا للداخلية، بعدما تعذر الإنسجام بينه وبين الوزير السابق الراجحي، فمن أين أتى الصيد وهل كان مرشح حكومة الظل؟ العارفون بالشأن السياسي، ومنهم الراجحي، يعرفون أن الصيد كان مستشارا للشؤون الداخلية لدى الوزير الأول، وأنه وجده في ذلك المنصب قبل مجيئه إلى قصر القصبة. فهل هذا دليل على وجود حكومة ظل تُسمي الوزراء وتعزلهم، علما أن رئيس الدولة المؤقت هو الذي يُسمي ويعزل بناء على اقتراحات الوزير الأول. من هنا يتضح أن الحديث عن حكومة وراء الستار أمر من قبيل الخيال، فلا وجود لأي وزير تم تعيينه بطريقة غير شفافة أو جاء من مناطق العتمة والإلتباس. وإذا كان الأمر كما صور الراجحي (قبل تراجعه) فلماذا لا تتحكم حكومة الظل في تسمية الرؤساء المديرين العامين للشركات الوطنية، وهي روح الإقتصاد، علما أن الخاص والعام يعرف أن الوزير السابق عفيف شلبي هو الذي كان وراء تعيين نصفهم تقريبا. يُحيلنا الحديث غير الدقيق عن حكومة الظل في تونس إلى قلة المعرفة بالمصطلحات، الذي يُؤدي بدوره إلى خبط في استعمال المفاهيم، نتيجة غياب حياة سياسية طبيعية في عهد الرئيس المخلوع، أو تهلهل الثقافة السياسية لمن يُلقون بأنفسهم في بحار السياسة بلا أية خبرة، فتغمرهم أمواجها العالية. فلو عدنا إلى مصطلح «حكومة الظل» كما ظهر لأول مرة في بريطانيا لوجدنا أنه يدل على عكس ما قصده الراجحي بالضبط، إذ أنها تمثل المعارضة الرسمية للحكومة القائمة، فهل يقصد الراجحي (أو من أقنعه بتلك الأفكار) أن حكومة الظل منسجمة مع «حكومة الضوء» برئاسة قائد السبسي أم ضدها؟ حكومات الظل هي جزء أساسي من النظام الديمقراطي، فلا يكتمل المشهد السياسي للبلد الديمقراطي إلا بوجود هيئة تسمي نفسها «حكومة الظل»، وتكون منافسة للحكومة القائمة ولا أعتقد أن هذا ما كان مقصودا من تلك التصريحات التي تلقفها كثيرون من دون أن يفقهوا معناها. فحكومة الظل تستعمل الألقاب الرسمية نفسها التي تستخدمها الحكومة الفعلية في وصف أعضائها، فهناك وزير أول ظل مقابل الوزير الأول الفعلي، وهناك وزير خارجية ظل في مقابل وزير الخارجية الفعلي ووزير داخلية وهلم جرا . بل ربما تخصص الدولة رواتب لأعضاء حكومة الظل أيضاً، وعادة ما يجلس أعضاء حكومة الظل، بمن فيهم رئيسها، في مواجهة الحكومة الفعلية في البرلمان البريطاني، علما أن بريطانيا هي الدولة الوحيدة التي توجد فيها مثل هذه الظاهرة. فأين تونس من كل هذا؟ ألم يكن الأجدى بمن يُطلقون التصريحات أن يقرأوا قليلا قبل أن يفتحوا أفواههم؟ *جامعي