أمام ما شهدته البلاد مؤخرا من انفلات أمني وتصعيد من الشارع التونسي وعنف من سلك الأمن الوطني وحظر تجول.. ذهب البعض إلى أنه وضع من شأنه أن يؤدي إلى تأجيل موعد انتخابات المجلس التأسيسي.. في المقابل اعتبر آخرون أن تأزم الوضع يؤدي ضرورة إلى مزيد التشبث بتاريخ 24 جويلية القادم، من أجل التقليص في الفترة الانتقالية وتحقيق سيادة الشعب والوصول الى الشرعية المرتقبة. وتجدر الإشارة أن القرار السياسي القاضي بالتأجيل أو عدمه قابله تأزم اقتصادي اتسم بارتفاع أسعار المواد الغذائية وتراجع نمو الاقتصاد الوطني حتى أن الوزير الأول في آخر ظهور له حذر من الوضع الاقتصادي الذي يقف على مشارف الانهيار... ويبدو أن التمازج السياسي الاقتصادي قد يفرض مسارا محددا لا يمكن الحياد عيله... الشرعية والمشروعية بين أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد أن المرحلة الحالية لا تطرح إشكالا قانونيا بقدر ما يتعلق الأمر بالقرار السياسي، فمن واجب الحكومة اليوم إصدار أمر يحدد بصفة رسمية موعد الانتخابات ويشير أنه طبقا للفصل 30 من القانون الانتخابي للمجلس التأسيسي يجب أن يكون ذلك شهرين على الأقل قبل يوم الاقتراع..اذا فقانونيا ان كان من المبرمج إجراء الانتخابات في موعدها، فالحكومة مطالبة بتقديم الأمر الانتخابي قبل يوم الثلاثاء القادم الموافق ل 24 ماي الجاري. ويلاحظ سعيد أن المرحلة تطرح مفهومين مختلفين، الشرعية والذي يحيل الى القانون بمفهوم عام والحكومة في الأصل تعمل في اطار قانوني الى حد الآن. ومفهوم المشروعية الذي يتطلب الاستجابة لمشروعية الشعب وسيادته، هذا النوع من المشروعية الشعبية مفقود اليوم في تونس وأمام تقدم الأحداث يصبح توفر المشروعية أمرا ضروريا، يتطلب لزوما الوصول الى موعد قريب للانتخابات وعدم البقاء في هذا الوضع الانتقالي. ويضيف في نفس السياق أن هذا الموعد يجب أن يتوفر فيه جميع الشروط الكفيلة بتمكين الشعب من ممارسة سيادته، والتي تتمثل وفقا لقيس سعيد في تمكين المترشحين من الترسيم في القائمات وتقديم ترشحاتهم في آجال معقولة وظروف جيدة وتمكينهم من حملاتهم الانتخابية بطريقة عادلة مع الأخذ بعين الاعتبار لعنصر التمويل. اقتصاد في حالة انتظار.. اعتبر الخبير الاقتصادي محمود بن رمضان أن الظرف الاقتصادي الحالي صعب يتطلب قرارات ذات طابع سياسي يمكن لأن لا تقبل من قبل الرأي العام، ويبدو أن الحكومة لم تأخذ مثل هذه القرارات لتخوفها من ردود فعل الشارع التونسي نظرا لأنها تعمل في إطار اللاشرعية. ويوضح أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمواد النفطية سيؤدي الى ارتفاع تكاليف الحكومة المؤقتة فمن المنتظر أن تصل قيمة التعويض هذه السنة الى 3 مليون دينار وهو ما يمثل 70 بالمائة من ميزانية الدولة المخصصة للتنمية. ويقول أن تفادي التأزم كان من المفروض أن يكون بمراجعة الأسعار والترفيع في بعضها، هذا الأمر يتطلب ثقة في الحكومة وقدرة على إقناع الشارع. ويضيف أن الإشكال الاقتصادي يكمن أساسا في تراجع كبير للنشاط السياحي وفي حالة الانتظار الذي يمر به الاستثمار الخاص الداخلي والأجنبي، فهو يبتعد على المغامرة أو المبادرة في انتظار تجاوز الوضع الاستثنائي وهذا الأمر لا شك في أنه سيؤثر على معدل نمو الاقتصاد الوطني الى حدود سنة 2012. ويري عالم الاقتصاد أن الوضع يحتم التسريع في إجراء الانتخابات وإضفاء الشرعية على مركز القرار، والانتقال بالاقتصاد من الوضع الاستثنائي والقطع مع حالة الانتظار التي يمر بها الاستثمار الداخلي والأجنبي. وحول مسؤوليات المجلس التأسيسي في المرحلة القادمة فيشير محمود بن رمضان أن على الأحزاب التي ستكون ممثلة في "التأسيسي" أن تكون في مستوى المسؤوليات الموكولة لها وبالتالي فعليها أن تقدم برامج اقتصادية قادرة على التقدم بالمجتمع التونسي. وتأكيدا لتحليل بن رمضان يقول مصدر من وكالة الاستثمار الخارجي أن عددا هاما من الزيارات الاستطلاعية من قبل عديد الدول الأجنبية شهدتها الأشهر الثلاثة التي تلت ثورة 14 جانفي، ويقول أنه من المرجح أن يرتفع مستوى الاستثمار الأجنبي بعد الانتخابات فالصورة الاقتصادية المسوقة على تونس ايجابية جدا، فالى جانب الموارد البشرية ذات التكوين والمهارات المحترمة والبنية التحتية الجيدة وطبيعة الاقتصاد التنافسي سينضاف عنصر الشفافية ومناخ الحرية والحوكمة الرشيدة.