كمال بن يونس تمر تونس هذه الأيام بمرحلة تاريخية وحاسمة بالنسبة لمسار الإصلاح السياسي الشامل الذي وعدت به الطبقة السياسية ملايين الشباب والناخبين التونسيين منذ ثورة 14 جانفي والإعلان عن بدء جهود بناء الجمهورية الثانية. وقد جاء الإعلان عن احتمال تاجيل موعد الانتخابات مجددا ليثير نقاط استفهام عميقة داخل الرأي العام الوطني الذي تساءل كثير من رموزه- في شهر فيفري الماضي- عن "الأسباب الحقيقية" التي دفعت ببعض "خبراء القانون" و"المختصين الجامعيين في الدستور" الى دفع البلاد نحو سيناريو الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية العامة في الآجال التي نص عليها الدستور بصيغته القديمة اي قبل 60 يوما من شغور منصب الرئيس يوم 14 جانفي. ورغم اقتناع غالبية الساسة بحاجة تونس إلى تعديل كثير من فصول الدستور القديم فلم يكن تأجيل الانتخابات من مارس الى 24 جويلية محل اجماع وطني لأن الثمن كان تمديد مرحلة غياب" سلطة شرعية منتخبة" مع ما كلفه ذلك للبلاد من اضطرابات أمنية واجتماعية وسياسية ازدادت تعقيدا مع مرور الأيام. وفي الوقت الذي يتطلع فيه ملايين الشباب وعموم المواطنات والمواطنين اليوم إلى مرحلة عودة الشرعية عبر تنظيم الانتخابات المؤجلة فاجأت "الهيئة العليا للانتخابات " الشعب باعلان اقتراح "التأجيل" إلى أواسط اكتوبر (هكذا ؟).. مثل هذه "المبادرات " المرتجلة تؤكد مرة أخرى أن الملفات السياسية الحساسة لا ينبغي أن يحسمها خبراء القانون والجامعيون الذين ليس لهم تجربة سياسية وحزبية وخبرة ميدانية مهما كان رصيدهم النضالي ومهما كانت مصداقيتهم الشخصية. إن مصداقية كل السياسيين في الميزان ومستقبل الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي ومن ثم السياسي بات مهددا أكثر من أي وقت مضى بسبب الدعوة إلى تاجيل الانتخابات وتمديد مرحلة "اللاشرعية " التي يحرص بعض " الثوريين " الى توظيفها لضرب مشاريع الإصلاح من الداخل مثلما فعلوا مع التجارب التعددية والديمقراطية السابقة في 19561959و19801981و19881989..حيث دفعت البلاد تدريجيا نحو " المنعرج الأمني ".. فهل ينجح السياسيون في الدولة وفي الحكومة برئاسة الوزير الأول الباجي قائد السبسي في إيقاف النزيف ومهزلة إضاعة الوقت في " النقاشات البيزينطية "؟ الجواب يبدأ باصدار مرسوم الدعوة للانتخابات العامة في 24 جويلية فورا من قبل السياسيين..والكف عن إضاعة الوقت في الجدل العقيم مع خبراء القانون..