في نطاق جولة التحقيقات الميدانية التي تقوم بها"الصباح"حول تقصي حقيقة الأوضاع السائدة داخل المناطق الريفية المنسية والمضطهدة وما تحمله في أحضانها من مآس عديدة كانت طيّ الكتمان والمجهول إبان الحقبة الحالكة زرنا منطقة العوافي بمعتمدية سيدي بوزيدالشرقية فكانت صدمتنا عظيمة لما يعانيه أهاليها من حرمان مدقع وتهميش واضح على جميع الأصعدة وكأنّنا في إحدى مناطق الشتات غير التابعة للخارطة الوطنية. الفقر يطلّ برأسه في الأكواخ المشهد خراب يلوح منذ وصولك منطقة العوافي....لوحة مأساوية قاتمة الألوان رسمتها ريشة الحرمان موضوعها ضحايا الانتظار والوعود الزائفة.. حتما هذا المشهد لا يحتمل التفكير للتعمق في تفاصيله والدخول في كشف الستار عن الحياة ومعانيها بالنسبة لسكان هذه المنطقة وفي هذا السياق عبّر أحد الشبان عن استيائه الشديد لما يعيشه أهله قائلا:" نحن نرى الجنة الموعودة إلا على شاشة القناة الوطنية برغم ما قدّمناه لهذا الوطن" علما و أنّ لمنطقة العوافي تاريخها النضالي في الحركة التحريرية وقد مثلت الجبال المحيطة مسرحا لعديد المعارك زمن المقاومة المسلحة أثناء الإستعمار الفرنسي على غرار جبل لكبار وواقعة دار الدريدي الشهيرة سنة 1953 . وبدخولنا في جولة بين المنازل أو بالأحرى الأكواخ نجد 1500 نسمة لا يتعدى عدد المساكن التي تأويهم 54 مسكنا آيلة للسقوط والبقية لا ملجأ لهم غير سقف القصب وجدار الخشب ولعّل الصور المرفقة خير شاهد على الحالة المذكورة. في مقابلة أولى مع ضحايا التهميش والإقصاء وحقبة زمنية أعدمت معاني الفرح والعيش الكريم، الكلّ في حالة سكون...شحوب دمّرهم الإنتظار خاصة بعد مرحلة الإنفراج وانجلاء الظلم بلا رجعة ....لكل فرد من هؤلاء حكاية تدمي القلوب، تدمع وجعا لا يحتمل البكاء و هذا ليس بالغريب عن منطقة تضمّ 1500 ساكن منهم ثلاثة أفراد فقط يتمتعون بالشغل في نطاق الحضائر الظرفية و الإستثنائية. ما يعانيه أهالي منطقة العوافي وضع مزريجدا حيث نجد أناسا في القرن الواحد والعشرين بلا ماء صالح للشراب وأعمدة الكهرباء لا تربط إلا فئة محدودة هذا إلى جانب انعدام الطريق المعبدة التي تقي عناء التنقل في مواسم الأمطار و في المقابل تجد حناجر المواطنين مسكنات الصبر أي الصمت والتجاهل التام من قبل الجهات المعنية لمطالبهم، و تجدر الإشارة إلا أنّ الميسور من هؤلاء المواطنين له غرفة متعددة الوظائف تقيم بها كافة العائلة لا تفصل بين أفرادها سوى قطعة قماش. تسوية الملف العقاري يمكن القول أنّ الحديث عن قطاع الفلاحة بمنطقة العوافي غير مشروع في ظلّ افتقادها للماء وعلى هذا الأساس نادى الأهالي بضرورة تشجيع الخواص على إحداث آبار عميقة وذلك بالتمويل اللازم والدعم بالمنح والعمل بتجربة العيون الجارية وتجهيزها مؤكدين تقديم تنازلات في الأراضي التي يمكن تخصيصها لهذا الغرض فضلا عن مراجعة قرار غلق البئر العميقة منذ سنة 1983 لأسباب مجهولة. و بما أنّ الوضعية العقارية للأراضي الفلاحية معلقة منذ عقود فقد تمّ حرمان الفلاحين الصغار من التمتع بالقروض وهذه النقطة المثيرة للجدل جعلتنا نتصل بالمحامي والقاضي المستشار السابق بوزارة أملاك الدولة " محمد لعماري الجلالي" الذي أكدّ أنّ الوطن هوية وانتماء والأرض من مقتضيات الوطن ومستلزماته مقدما لنا بعض الإحصائيات حول معتمدية سيدي بوزيدالشرقية التي تمسح 78 ألف هكتار منها 40 ألف هكتار أراضي كراء مع الوعد بالبيع تمثل 51% كما ركز محدثنا على ضرورة إيجاد حلول استعجالية لهذا الملف الذي لا يمكن معالجته بمعزل عن قضايا القطاع الفلاحي كإحداث لجان بمرسوم أو قانون تتولى تصفية هذه المشاكل وإصدار قرار تمليك ثمّ تقوم بعده حسب آجال وصيغ معينة إبرام عقد بيع وهذه اللجان تتشكل من قاض عقاري و ممثل عن أملاك الدولة ومهندس من ديوان قيس الأراضي و كاتب محكمة و يمكن إيجاد الموارد المالية كأن يباع الهكتار ب50 دينارا عوضا عن 300 دينار التي راجت في بداية التسعينات وبذلك يتمّ توفير 10 مليارات من المليمات ينفق منها على اللجان كمنح تشجيعية ومصاريف تنقل وتدخل النسبة الغالبة إلى صندوق الدولة و تستثمر في سيدي بوزيد. أضرار و مشاكل نفسية و بحكم تواجدها في مواقع إستراتيجية محصنة لا تطالها الأنظار أثناء النهار فإن الخنازير الوحشية تخرج متسللة في الليل إلى الأراضي الفلاحية فتباغت الأهالي بشنّ هجماتها المعاكسة وبتكثيف غازاتها متسببة في إتلاف المحاصيل الزراعية وهاتكة للأشجار المثمرة حيث أفادنا الأستاذ صالح عافي أنه إضافة إلى الأضرار الفلاحية المسجلة فقد ساهم تواجد الخنزير الوحشي على ساحة الأحداث اليومية بالمنطقة في خلق حالة من الهلع والخوف في صفوف الأطفال جعلتهم متحصنين بمنازلهم تفاديا لكل الأخطار المرتقبة وتبعا لذلك طالب الفرقة الجهوية للصيد البري بسيدي بوزيد بالقيام بحملات مكثفة ومستمرة لمطاردة واصماء الخنزير الوحشي بهذه المنطقة ومنح الفلاحين الذين تضررت أملاكهم رخصا في مقاومته طبقا للفصل 186 من مجلة الغابات . التثقيف الصحي في دائرة الاتهام رغم أنّه من أوثق الحقوق صلة بالذات الإنسانية فإن قطاع الصحة مثّل هو الآخر جزءا من اللوحة التراجيدية حيث سجلنا انعدام وجود مرفق صحي و لو على سبيل نواة استشفائية تكون ملاذ بعض الحالات الإستعجالية فقد شهدت المنطقة خلال الصائفة الماضية حالة وفاة راح ضحيتها أب لثلاثة أطفال جرّاء إصابته بلدغة عقرب ينضاف إلى كلّ هذا تحجير دفاتر العلاج المجاني وغياب البرامج التوعوية مثل الصحة الإنجابية والتلقيح التي ألقت بتداعياتها الخطيرة على سكان المنطقة المذكورة إذ بلغ عدد الحاملين لإعاقات متعددة من مختلف الفئات العمرية حوالي 60 شخصا وهي نسبة مزعجة جدا تستدعي تدخلا عاجلا ووقفة حازمة من وزارة الصحة التي أضحت مشاريعها المبرمجة بالجهة مجرّد حبر على ورق. ختاما أمر هؤلاء المقهورين في الأرض لا يحتمل التأخير ولعلّ ما قدمناه في هذه الورقة يكون خير نداء إلى المسؤولين للإلتفات إلى مثل هذه المناطق التي لا يطالب أهلها أكثر من حقهم في العيش البسيط وظروف الحياة الكريمة التي جاءت من أجلها ثورتنا المباركة.