رغم أن الإنقسامات كانت واضحة بين مؤيد للهيئة القديمة لجمعية السينمائيين التونسيين ومؤيد للهيئة الجديدة والوقتية للجمعية التي أعلن عنها بعد ثورة 14 جانفي وذلك بقطع النظر عن شرعية هذه أو تلك فإن السينمائي غانم غوار واصل عمله على رأس ما سمي بلجنة تقصي الفساد في قطاع السينما والفنون السمعية البصرية. والسينمائي غانم غوار من خريجي المعهد العالي للسينما منذ أواخر التسيعنات وسبق له أن تعامل مع عديد المخرجين كالنوري بوزيد وعلي منصور وله تجارب متنوعة في كتابة السيناريو والاخراج والانتاج. التقيناه فتحدثنا معه بالخصوص عن الصعوبات التي كانت واجهت عمله في إطار اللجنة وعن آفاق النتائج التي توصل إليها في نفس الإطار فكان الحوار التالي:
شارك عدد هام في لجنة تقصي الفساد في قطاع السينما والفنون السمعية البصرية في البداية لكن انسحب جلهم قبل الانتهاء من هذه المهمة فبم تفسر ذلك؟
باشرنا العمل في اللجنة منذ تكوينها وكنت أنا مقررها وضمت مجموعة شابة وأخرى يشهد لها بالكفاءة منها منير بعزيز والمنتج راضي تريمش باعتباره خبيرا محلفا لدى المحاكم ولطفي بن يحيى وغيرهم. وكان يحدو الجميع منذ البداية إصرار كبير على تفعيل الأهداف والمطالب التي قامت من أجلها الثورة وعصفت بنظام لطالما حال دون تقدم عجلة الإنتاج والإبداع خاصة في الميادين الثقافية وكرس الفساد الإداري، ونظام قانوني هش تحكمه نزعة الولاءات. هدفنا يتمثل في الكشف عن التجاوزات والفساد بشتى أنواعه خاصة منها تلك التي أضرت بالقطاع ماديا وإداريا وحضاريا باعتبار أن الأعمال السينمائية تعد من التراث السينمائي التونسي لكن ما راعني أن وجدت نفسي وحدي أواجه هياكل وأطرافا عملت طيلة سنوات على تهميش قطاع الفن السابع وغلق الأبواب أمام المحاولات والمشاريع السينمائية التي تحمل بوادر الإبداع مقابل فسح المجال للتجاوزات والانتهاكات المالية والإدارية وذلك بعد أن انسحب أغلب أفراد اللجنة دون علمي بالأسباب. وهو ما شكل حافزا لي على مواصلة التقصي والتحقيق رغم ما واجهته من ضغوطات.
إلى أين وصلت في محاولاتك المذكورة ؟
إن الحقائق التي توصلت إليها اللجنة بعد حوالي أربعة أشهر من العمل المتواصل تفيد أن التجاوزات مرتبطة تقريبا بعدد من المنتجين والمخرجين المعروفين الذين تلاعبوا بالقوانين المعتمدة في الدعم المالي للأعمال السينمائية وساهموا في تكريس الفساد الإداري والتفريط في التراث السينمائي التونسي لذلك أطالب بتعيين خبراء لمتابعة هذه التجاوزات حتى تأخذ المجرى القضائي المطلوب. وكخطوة حتمتها النتائج التي توصلت إليها اللجنة تم رفع خمس قضايا ثلاث منها ضد وزارة الثقافة وقضيتان ضد التلفزة الوطنية. وقد تسفر هذه القضايا عن قضايا أخرى.
هل تعتقد أن محاسبة الفنان أو المنتج أو المخرج على انتمائه من شأنه أن يصلح القطاع ويضع عجلة الانتاج في طريق معبدة وسهلة للإبداع؟
أنا لا أدعو لإقامة محاكمات شخصية للفنانين لأني أرى أن كل واحد له الحق في أن يعبر بحرية لكن ما أدعو إليه هو القيام بمحاسبة لكل من سولت له نفسه التلاعب بأموال المجموعة الوطنية. فعلى امتداد حوالي ثلاثة عقود احتكرت الساحة السينمائية والإبداعية الثقافية عامة شركات معينة نصبت نفسها وكأنها الوحيدة القادرة على بلورة صورة التونسي على الشاشة الكبرى أو الصغرى. وعلى هذا الأساس أدعو اليوم إلى محاسبة تلك الشركات محاسبة قضائية لأن ما قامت به من إساءة للبلاد يستوجب ذلك.
أي مشروع تقترحه في إطار مساعي التأسيس لسياسة جديدة تنهض بالقطاع؟
لا يمكن النهوض بقطاع السينما بدون تشريك خبراء في الميدان كما أعتقد أن أي مشروع للنهوض بالسينما في تونس يتطلب تكوين شركات إنتاج بمواصفات ومراجعة مقاييس الدعم السينمائي. لابد كذلك من تفعيل دور وكالة الصناعة في ما يخص شركات الإنتاج الصغرى والمتوسطة على أساس أن السينما قطاع استراتيجي يعنى بتصدير صورة التونسي التي اكتسحت أصقاع العالم بعد أحداث الثورة المجيدة. ينبغي التفكير كذلك في الترفيع في قيمة الإنتاج السنوي إلى 30 فيلما طويلا ومائة قصير مما سيمكن من تطوير قطاع الإنتاج وتطوير الكفاءات التقنية للشبان المتخرجين في اختصاصات ذات علاقة بالميدان. ينبغي أيضا مراجعة آليات التوزيع والشراء من طرف التلفزيونات التونسية خاصة أن بلادنا مقبلة على تعدد القنوات التلفزية التي ستكون في حاجة إلى إنتاج درامي وسينمائي ووثائقي ومنوعاتي بشكل متصاعد في السنوات المقبلة. ذلك هو المشروع الذي أنادي به. على مستوى شخصي هل تنوي احياء مشروع فيلم «الفتنة «الذي عجز عن الحصول من قبل على الدعم عندما تقدمت به لأجل ذلك؟ سأعيد النظر في فيلم «الفتنة» الذي أخرجه بالتوازي مع كتابة السيناريو الخاص به. وكنت قد عرضته على لجنة الدعم منذ سنة 2006 فرفضته حينذاك. استطيع القول أنني تنبأت فيه بالثورة وبما شهدته المتلوي مؤخرا من أحداث بسبب العروشية. بالتوازي مع ذلك أحاول استعادة «سيتكوم» كنت قدمته للتلفزة التونسية منذ سنوات ولم ير النور إلى جانب طبعا عديد المشاريع الأخرى لأني سينمائي وفي كفالتي عائلة تعيش من دخلي من هذا القطاع.