لا يزال ملف السينما التونسية بعد الثورة لم يفتح بعد بالشكل الكامل, خاصة أن هذا القطاع الذي لا يرى منه المواطن التونسي إلا صورة لأفلام باهتة لا ترتقي بعد إلى المنزلة الحقيقية التي يعيشها التونسي في واقعه المتغير بسرعة مذهلة , كما لا تعكس همومه الحقيقية وأحلامه وموقعه في الخريطة السينمائية للمنطقة. ولأن ملف السينما ملف ضخم ومركب في نفس الوقت بدءا من تمثل المشروع الثقافي الذي يعكسه الشريط السينمائي التونسي ووصولا إلى صناعة الشريط وموقعه الاقتصادي والثقافي في تطور البلد , فإن ما أثير مؤخرا من صراعات بين السينمائيين والمنتجين والتقنيين لا يعكس في الحقيقة إلا الشطر الضئيل من جبل الجليد الذي تمثله أزمة السينما التونسية. ويبدو أن موضوع فتح ملف السينما لا يمرّ الآن إلا من خلال مسألة الإنتاج لأن حياة ومستقبل الشريط السينمائي التونسي رهينة طريقة الإنتاج وسياستها, فالإنتاج السينمائي هو الذي يحدد ملامح السينما الوطنية. ولأننا في تونس لا نملك صناعة سينمائية حقيقية وذات أسس واضحة, حيث أن الدولة هي التي تحملت وتتحمل أعباء التمويل السينمائي, وهوما يعني بالضرورة في ظل الاختيارات السياسية التي يحدد النظام السياسي منذ أكثر من أربعين عاما, فإن آلية التمويل لهذه الأفلام التونسية كانت المربط الرئيسي للنهوض بالشريط التونسي وأزمته. ولأن السياسة الثقافية في مجال السينما تعبر عن نفشها من خلال تمويل الأفلام التونسية على مبدإ «الإعتماد المالي الضائع» (Fond perdu), فإن هذا التمويل الذي تقدمه الدولة خلق مجموعة من البارونات التي ازدوجت فيهم صفتا المنتج والمخرج, وهؤلاء البارونات شكلوا تلك المجموعة الضيقة التي استفادت من هذا التمويل العمومي منذ سنوات طويلة وتحكمت بشكل لا مجال فيه للإختراق في رسم ملامح السينما التونسية وما يقف من ورائها من أطراف مستفيدة من التمويل العمومي والتمويل الأجنبي, وهي الحالة التي همشت بحكم تلك الدائرة الضيقة والزبونية الثقافية العديد من المشاريع السينمائية الشابة ذات الأطروحات الجديدة والبديلة لما هومألوف في السينما التونسية. ويبدو أن مسألة الإنتاج تستدعي النظر في الدور السلبي الذي قامت به إدارة السينما بوزارة الثقافة وغرفة المنتجين السينمائيين المنضوية ضمن الإتحاد للصناعة والتجارة, ومحاولة البعض من أفرادها القيام بتضليل الرأي العام على حجم تبديد الأموال العمومية باسم الوصاية على الإنتاج السينمائي, وتفويت الفرص على التقدم بصياغة قوانين اتفاقية بين الأعراف وبين النقابة الأساسية لتقنيي السينما والسمعي البصري وهذه الاتفاقيات تضمن للعاملين التونسيين في قطاع السينما خاصة من التقنيين حقوقهم في الأجور والضمان الإجتماعي والتأمين على المرض وغيرها من الاستحقاقات. ولأن الصراع الآن تدور رحاه حول مسألة الإنتاج فإن الساحة السينمائية شهدت ميلاد هيكل جديد يدافع عن المنتجين السينمائيين خارج غرفة المنتجين السينمائيين المذكورة وقد تم الإعلان عن ميلاد هذه النقابة الجديدة أي النقابة المهنية لمنتجي الأفلام والتي يترأسها المنتج الشاب نبيل كيلة في الندوة الصحفية يوم غرة أفريل 2011 . وقد كان هذا الإعلان عن ميلاد هذا الهيكل الجديد بمثابة الفاتحة لمراجعة ملف السينما التونسية وخاصة على مستوى التمويل السينمائي. وقد أشار نبيل كيلة في الندوة الصحفية التي حضرها السيد المنصف الفهري بوصفه كاتب عام النقابة الأساسية لتقنيي السينما والسمعي البصري إلى أن ميلاد هذا الهيكل أملته الظروف الجديدة التي تعيشها تونس الثورة والتي تملي على الجيهات والهياكل السينمائية التعاون من أجل هدف واحد وهوالنهوض بالشريط التونسي وتأمين موقعه في الساحة السينمائية الدولية. ومن جانب آخر أكد المنتج نبيل كيلة أنه حان الوقت الآن إلى التسريع في إمضاء الاتفاقيات المشتركة بين الأعراف من جهة وبين نقابة التقنيين السينمائيين, كما أشار إلى أن هذا الهيكل الجديد سيقوم كمبادرة أولى لفتح الطريق لإنتاج أفلام المخرجين الشباب وهوما تم الاتفاق عليه مع هؤلاء الشبان كإنتاج شريط طويل للمخرج نصر الدين السهيلي وثلاثة أفلام قصيرة لكل من المخرجة كوثر حمري والمخرج غانم غوار والمخرجة كريمة بسيسة وذلك ضمن إستراتيجية ستتولاها سياسة النقابة المهنية الجديدة لمنتجي الأفلام. كما أشار السيد نبيل كيلة إلى اهتمام هذا الهيكل بمسألة القاعات السينمائية المهددة بالانقراض حيث أعلن عن سعي الهيكل إلى بعث عشر قاعات سينمائية من بينها قاعات في الجيهات المحرومة (من بينها قاعة في سيدي بوزيد ) مع ضمان توزيع الأفلام بشكل عادل وشفاف خارج المضاربات التوزيعية ذات الصبغة التجارية البحتة دون مراعاة الحاجة إلى الثقافة السينمائية عند الجمهور التونسي وإعطاء الأولوية لتوزيع الأفلام التونسية وضمان الحفاظ على الذاكرة السينمائية الوطنية. المنتج التونسي طارق بن عمار لم يكن غائبا ذكره في فتح ملفات السينما خاصة وأنه من المساهمين في الدعوة لإنشاء هذا الهيكل الجديد من أجل النهوض بالسينما التونسية, وقد أشار نبيل كيلة بوصفه المدير العام لمجمع طارق بن عمار للإنتاج السينمائي إلى ضرورة السعي من خلال هذا الهيكل وبالتعاون مع جميع الأطراف إلى تأسيس صناعة سينمائية متينة وهو ما يمكن تحقيقه حسب رأيه بعد إنجاز الثورة التونسية والدور الجديد الذي يقوم به القضاء التونسي في التحقيق في الفساد المالي في قطاع السينما والعمل على استرداد حقوق العاملين فيه بدءا بالتقنيين والممثلين ومرورا بالمخرجين ووصولا إلى المنتجين, وقد أشار السيد نبيل كلية إلى المظلمة التي تعرض لها المنتج طارق بن عمار عام 1986 حين غادر البلاد مضطرا بعد أن تم تجريده من جنسيته التونسية على إثر الانقلاب على بورقيبة من طرف الجنرال بن علي, وكيف أن السيد رضا التركي الذي كان في السبعينات يعمل محاسبا في شركة كارتاغو فيلم Cartago Film التابعة لطارق بن عمار قد استولى على ممتلكات هذه الشركة وعلى المعدات السينمائية الأجنبية التي تم جلبها لتصوير شريط «القرصان» (Le Pirate) لرومان بولنسكي Roman Polanski, كما استحوذ على استوديوهات المنستير والقنطاوي التابعة لكارتاغو فيلم وأسس من خلالها شركة «العالمية منستير فيلم للخدمات» MSF للإنتاج السينمائي, مستعينا بشقيق الرئيس المخلوع صلاح بن علي للتمكن من مقر لهذه الشركة في منطقة مارينا منستير بدون وجه حق, كما عمد إلى تشغيل قيس بن علي ضمن هذه الشركة, ويدعو نبيل كيلة في هذا الإطار إلى فتح هذه الملفات خدمة للسينما الوطنية التونسية التي من الواجب أن تقام على أسس سليمة ونزيهة أخلاقيا وعمليا.