إذا كان لامجال للحديث عن تنمية حقيقيّة بمختلف جهات البلاد دون استحضارمرافق العيش الضروريّة و البنية التحتية والطرقات فإنّ حظّ معتمدية منزل شاكر التابعة لولاية صفاقس من هذه المرافق العموميّة دون حظّ بقيّة المناطق على الأقلّ في مستوى ولاية صفاقس نظرا لسياسة التهميش التي عانت من ويلاتها هذه الربوع المسمّاة قديما «ترياقة» طيلة سنوات عديدة فكانت النتيجة نقائص بالجملة في مختلف القطاعات ومنها نقائص قطاع النقل التي أثّرت أيّما تأثيرعلى نوعية الحياة بأرياف منزل شاكر فزادتها بؤسا على بؤس . نقطة استفهام الطريق الجهويّة 119التي تمتدّ بين عقارب والحنشة على طول 79كم مرورا بمنزل شاكر تمثّل كارثة حقيقيّة بالنسبة لمستعملي الطريق وهومايفسّر كثرة الحوادث المروريّة القاتلة في بعض النقاط السوداء مثل نقطة المفترق مع طريق قرمدة الذي يربط بين صفاقس والقيروان أوبالقرب من ضيعة» بزويتة» نظرا لضيق هذه الطريق ووقوعها تحت التأثير الحادّ لإنجراف التربة وكثرة المنعرجات والمنحدرات في أماكن أخرى. ولئن تمّ الشروع في تهذيب هذه الطريق من جهة منزل شاكر وعقارب فإنّ المسافة بين منزل شاكروالحنشة لم تنجزبعد وتعطّل هذا المشروع الهام الذي انتظره المواطنون طويلا إلى أجل غيرمسمّى ليظلّ هذا الطريق الرابط بين منزل شاكروالحنشة بمثابة طريق للموت. أمّا الطريق الذي يربط منزل شاكر ب»الشعّال» مرورا ب»الحاج قاسم» فقد شملته أشغال التعبيد في السنوات الأخيرة وها إنّ صاحب مقاولات الأشغال ينهي عمله منذ أشهروالطريق لم يكتمل انجازه بعد لوجود فلاح متمسّك بملكيته للأرض ومعترض على أن يعبرالمعبّد أرضه وفي انتظارفضّ هذا النزاع الذي طالت مدّته على المواطنين يظلّ هذا الطريق محجّراعلى السيارات والعربات في انتظار أن يكتمل المشروع ذات يوم . فلاحة مهمّشة رغم حداثة بعض المسالك الفلاحية بمعتمدية منزل شاكر فإنّ حالتها في الوقت الراهن تدعو إلى التفكير العاجل في صيانتها صيانة جذرية أوإعادة تعبيدها من جديد طالما أنّها مسالك حيويّة والسير فيها اليوم أشبه بالسيرفي طرقات جبليّة وعرة فهذا المسلك الفلاحي المؤدّي إلى منطقة «العشاش» يمثّل مصدر معاناة يوميّة للأهالي وهذا المسلك المؤدّي إلى منطقتي «البورة « و»القوادريّة» من عمادة ماجل الدرج يسبب الإنزعاج لمستعمليه وهم يتندّرون غالبا بأنّ المسالك التي أنشأها المعمّرالفرنسي لايزال بعضها قائم الذات رغم مرورأكثرمن قرن من الزمان والمسالك التي أنشأتها بلادنا حديثا لا تدوم إلاّ بضع سنوات بل قد تظهر عيوبها في بضعة أشهر. ونفس الوضع الكارثي لحالة الطريق نجده في مدخل منطقة «العوادنة «وكذلك في مدخل منطقة» الزوايد» في انتظار تدخّل السلط المحلّية والجهويّة لإعادة الحياة لهذه المسالك الفلاحيّة التي أصبحت معظلة حقيقيّة على صعيد حركة النقل البرّي بين أرياف هذه المعتمديّة التي عانت طويلا من التهميش وذاقت الأمرّين بعد الإستقلال وفي عهد المخلوع . مسالك غير مهيّأة رغم التطوّر العمراني والنمو الديمغرافي الذي شهدته معتمديّة منزل شاكر فإنّ بعض مسالكها الترابية لم تهيّأ ولم يتمّ تعبيدها رغم تواتر مطالب الأهالي. فسكّان «بشكة» يطالبون بتعبيد الطريق بين «دارالهناء «والمدرسة ويعتبرون هذا الأمر ضرورة ملحّة خاصّة أنّه لايتطلّب تكاليف كبيرة. أمّا الطريق بين» المراعية» و»الأعشاش» فيظلّ على حالته مسلكا ترابيا غير مهيئّ رغم أهمّيته الإستراتيجية إذ يربط بين مناطق عديدة . ونفس الأمر ينسحب على الطريق المؤدّية إلى السوق الأسبوعية ب»بوجربوع» من جهة «ماجل الدرج». وإذا توقفنا عند حالة أغلب المسالك الترابية بمنزل شاكر طوال السنة فإنّنا نجدها غير صالحة للإستعمال العادي بسبب الرياح والتساقطات خاصّة وهوما نلمسه من تذمّرات الأهالي ومطالبهم المتكرّرة لتوفيرالعناية اللاّزمة لهذه المسالك الترابية من قبل مصالح الطرقات والتجهيز بمنزل شاكر التي يتركّزأغلب نشاطها بمركزالمعتمديّة والمناطق القريبة منها بينما تظلّ أغلب المناطق الريفيّة الأخرى بمسالكها الفلاحية والترابية محفوفة بالمخاطرمن كلّ جانب . عزالدين الزايدي
منطقة «تلالت» بتطاوين عزوف عن صناعة الحصير و«هروب» جماعي بحثا عن العيش الكريم «تلالت « قرية نائية ومحرومة في ولاية تطاوين اعتمد متساكنوها على الفلاحة بحكم وجودهم حول مجرى ينابيع مياه، خلق منها أجدادهم واحة وزرعوا على طول المجرى نبتة السمارة التي نسجوا منها الحصيرة التقليدية واشتهروا بخذقهم لها في الجهة وفي جزيرة الأحلام جربة واصبحت من المصنوعات التقليدية المطلوبة؛ الا ان الأجيال الجديدة لم تواصل الاهتمام بها بالقدرالكافي مثلما كان على ذلك أسلافهم. وضعيات مزرية ولم يتحقق خلال العقود الماضية في هذه القرية مشاريع تمتص البطالة وتشجع الشباب على الاستقرار بالمنطقة فكانت الهجرة الداخلية والخارجية شأنهم شأن بقية شباب الجهة. كما لم تحظ العائلات الفقيرة والمعوزة هي الأخرى بالرعاية الاجتماعية والصحية اللازمة ؛ ومازال العديد منها يفتقد الى السند والعون للعلاج وتحقيق الشروط الدنيا لحياة كريمة وعادية. وفي هذا الإطارزرنا بيتا متواضعا وسط القرية تسكنه السيدة شاذلية عامرالتي تتسم ملامحها بالصبروروح التحدي وعزة النفس رغم ما تعيشه من فقرواحتياج؛ ذلك انها ام لثلاثة ابناء أحدهم معاق ذهنيا يبلغ من العمر 18 سنة عجزت عن نقله الى مستشفى الرازي او أي طبيب مختص ابعد من ولاية مدنين واكرهت على تحمل ماتسلطه عليها إعاقته من متاعب بدنية وخاصة نفسانية. السيدة شاذلية عامر وضعت في صدارة امنياتها التي تود تحقيقها قبل موتها امتلاك بيت متواضع تطمئن فيه على ابنائها بعد رحيلها وتقول:» طوال هذا العمر انا وزوجي العامل اليومي في حضائر البناء لم نتوصل الى تحقيق هذه الأمنية المتمثلة في بناء بيت ولو صغير؛ وبقينا ننتقل بل نلتجئ من بيت الى بيت على وجه الكراء . وهذا البيت الذي اقطنه به غرفة وحيدة لا باب لها ولا حنفية وإني أجلب مياه الشرب على ظهري من حنفيات الأجوار والأبار القريبة .»ودعتنا الى التحقق من خراب المكان وصعوبة العيش فيه. وعن مساهمتها في توفير حاجيات الأسرة قالت الام: « لقد حاولت اكثر من مرة ان اعتمد على ذاتي واحدث موردا لأسرتي الا ان تشعب الإجراءات الإدارية ومماطلة بعض المصالح حرمني من مورد رزق كنت انتظره بفارغ الصبر بعد الموافقة عليه وهو الحصول على عشرة رؤوس من الماشية اقوم على تربيتها وتنميتها الا اني مللت ارتياد نفس المكاتب ويئست من طلبها وتهت بين الإدارات دون جدوى، وافادت بانها تحذق ايضا نسج» البرنوس والوزرة» الا انها تفتقد الى نول او منسج وهذا الأخير لا مكان يسعه في بيتها وبالتالي حرمت أيضا من هذه الإمكانية على صعوبتها. اما ابنتها دنيا فقد نجحت وانتقلت الى السنة السابعة اساسي واضطرت الى مواصلة دراستها بإعدادية احد أحياء مدينة تطاوين على بعد حوالي 15 كلم وهي سعيدة بهذا النجاح الذي رأت فيه ارتقاء ولعلها تقول في نفسها سأغير ما اناعليه من حياة صعبة واعوض لوالدي ضنك العيش رغدا. وغير بعيد عن هذه الأسرة التقينا شيخا اسمه سالم بن ساسي ؛ تجاوز عمره 77 سنة وقد تسبب له «فتق» في عجز تام عن العمل وحتى عن الحركة الا بصعوبة كبيرة. لم يخلف ابناء وهو يعيش مع زوجته التي أصابها المرض فأصبحا يتقاسمان الفقر والحاجة ويتداولان على المستشفيات لعلاج ما امكن من الآلام والأمراض , قال :»هي الآن في تونس العاصمة للتداوي بفضل الله واهل البروالاحسان وهو في» تلالت» يرعاه ويساعده الأجوار واهل القرية في المأكل والملبس وحاجاته الانسانية.» وقال :»لولا هؤلاء ويعني بذلك أجواره لمت في مكاني دون ان يعلم بي أحد». العم سالم متحصل على منحة العوز يقسطها على متطلبات الحياة رغم انها لا تفي بالحاجة الا انها تحفظ له الحد الأدنى من الحياء والاعتماد على الذات التي لم تعد تقوى على شيء. ويقول: «هل من امكانية الترفيع في هذه المنحة» ، مثمنا عاليا ما لقيه ولا يزال من اهله في قرية» تلالت» من عطف ورعاية واحتضان تصرف عنه التفكير في اللجوء الى المراكز الاجتماعية للمسنين غير الموجودة اصلا في ولاية تطاوين. هذه جولة قصيرة في قرية» تلالت» تكشفت لنا فيها العديد من الحالات الاجتماعية القاسية والتي منها ايضا امرأة معاقة ذهنيا تجاوزعمرها الخمسين تقريبا لا تعي من الدنيا شيئا تعيلها اسرة اختها دون ان تتمتع من الدولة بشيء يساعدها على مواصلة احتضانها لأن العائلة تجهل تقريبا كل شيء عن حقوق المعوقين ولم تتقدم حتى لطلب بطاقة إعاقة تكفل لها حق العلاج والرعاية من المجموعة الوطنية .