لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    تونس تعمل على جمع شمل أمّ تونسية بطفلها الفلسطيني    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    الليغ 2: علي العابدي يرفع عداده .. ويساهم في إنتصار فريقه    الحماية المدنية: 21 حالة وفاة و513 إصابة خلال 24 ساعة.    جندوبة : تطور أشغال جسر التواصل بين هذه الولايات    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    يهم التونسيين : اليوم.. لحوم الأبقار الموردة موجودة في هذه الاماكن    أمطار غزيرة: 13 توصية لمستعملي الطريق    محاكمة موظفين سابقين بإدارة الملكية العقارية دلسوا رسوم عقارية تابعة للدولة وفرطوا في ملكيتها لرجال أعمال !!    مبعوث ليبي ينقل رسالة خطية إلى الملك محمد السادس    حزب الله يعلن استهداف موقع إسرائيلي بعشرات الصواريخ..#خبر_عاجل    أمام وزارة التربية: معلمون نواب يحتجون حاليا ويطالبون بالتسوية العاجلة لوضعيتهم.    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    عاجل : منع بث حلقة للحقائق الاربعة ''فيقوا يا أولياء    نموذج أوروبي: الأمطار متواصلة في تونس الى غاية الأسبوع القادم    تجاوزت قيمتها 500 ألف دينار: حجز كميات من السجائر المهربة برمادة..    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    الاقتصاد في العالم    القطاع الصناعي في تونس .. تحديات .. ورهانات    تنبيه: تسجيل اضطراب في توزيع مياه الشرب بعدد من مناطق هذه الولاية..    أريانة: إزالة 869 طنا من الفضلات وردم المستنقعات بروّاد    مشاركة تونس في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي .. تأكيد دولي على دعم تونس في عديد المجالات    بورصة تونس: بورصة تونس تبدأ الأسبوع على ارتفاع مؤشر «توننداكس»    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    رسالة من شقيقة زعيم كوريا الشمالية إلى العالم الغربي    الطقس اليوم: أمطار رعديّة اليوم الأربعاء..    عاجل/إصابة 17 شخصا بجروح في حادث انقلاب حافلة لنقل المسافرين في الجزائر..    لن تصدق.. تطبيق يحتوي غضب النساء!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    جربة: جمعية لينا بن مهني تطالب بفتح تحقيق في الحريق الذي نشب بحافلة المكتبة    رئيس مولدية بوسالم ل"وات": سندافع عن لقبنا الافريقي رغم صعوبة المهمة    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    الاتحاد الجزائري يصدر بيانا رسميا بشأن مباراة نهضة بركان    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    رمادة: حجز كميات من السجائر المهربة إثر كمين    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    التضامن.. الإحتفاظ بشخص من أجل " خيانة مؤتمن "    الليلة: أمطار متفرقة والحرارة تتراجع إلى 8 درجات    عاجل/ منها الFCR وتذاكر منخفضة السعر: قرارات تخص عودة التونسيين بالخارج    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    ردا على الاشاعات : حمدي المدب يقود رحلة الترجي إلى جنوب إفريقيا    بطولة ايطاليا : بولونيا يفوز على روما 3-1    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    مهرجان هوليوود للفيلم العربي: الفيلم التونسي 'إلى ابني' لظافر العابدين يتوج بجائزتين    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الواقع المكبّل والإمكانات الواعدة
التنمية الجهوية بولاية سيدي بوزيد:
نشر في الشعب يوم 16 - 10 - 2010

ولاية سيدي بوزيد أو قمودة أو برّ الهمامة كما كانت تعرف في السابق تقع بالوسط الغربي للبلاد التونسية ، يحدها كل من ولايتي القيروان وسليانة بالشمال وولايتا قفصة وقابس بالجنوب وولاية القصرين غربا وولاية صفاقس شرقا، فهي بهذا توجد بمنطقة محورية اذ يحدّها ستة ولايات وتمسح حولي 7400كم2 تمثل 4,6 ٪من المساحة الكلية للجمهورية التونسية وتمثل الأراضي الحضرية نسبة واحد في المائة في حين تغطي الأراضي الفلاحية نسبة 62.2 أما الغابات فهي تمثل 23.6 ٪ والمناطق المائية الأودية والسبخ 3 ٪ والمجالات الطبيعية1.2 ٪ يبلغ عدد سكانها حسب تعداد 2004 حوالي 395.506 نسمة وحسب المسح السكاني لسنة 2007 قرابة 403.500 نسمة. أما الكثافة السكانية فهي في حدود 54.2 ساكن في الكيلومتر مربع موزعون على 12 معتمدية .
تنتمي الولاية إلى منطقة السباسب العليا وتتميز تضاريسها بالسهول والهضاب معدل الارتفاع في حدود 700متر ويمثل جبل المغيلة النقطة المرتفعة لسلسلة الجبال بالمنطقة جبال السلوم والكبار وسيدي خليف وبوهدمة 1376متر. ومن أهم السبخ في المنطقة سبخة النوايل وأهمّ الأودية واد الحطب وواد الفكّة ، أما المناخ فهو يتذبذب حسب المناطق بين الجاف وشبه الجاف وتتراوح كمية الأمطار التي تسجل عادة بين 150و300مم في السنة .
بالنسبة للنسيج النباتي فهو في الغالب ضعيف الحلفاء والشيح والسدر ويشهد هذا النسيج حاليا تنوعا حيث تم زراعة بعض النباتات التي تتلاءم مع طبيعة المنطقة مثل الجوجوبا أو الفستق ودعم الأشجار المثمرة وذلك من خلال تكثيف زراعتها والعناية بها.
يتميز سكان قمودة بالطابع القبلي وتحيط بالجهة مجموعة أخرى من القبائل وهي ماجر والفراشيش في الشمال وأولاد سلامة وأولاد معمر في الجنوب وقبائل جلاص ونفات والمهاذبة بالشرق. أما القبائل التي تشكل حاليا ولاية سيدي بوزيد فهي أولاد مبارك وأولاد رضوان وأولاد عزيز وأولاد موسى وفطناسة وكانوا في الماضي يتميزون بطابعهم البدوي وبنمط حياتي يغلب عليه الترحال بحكم طبيعة نشاطهم الاقتصادي الرعوي الذي يقوم أساسا على تربية الماشية.
تحمل سيدي بوزيد اسمها من وليّ بالمنطقة مثّل نقطة التقاء للسكان بشكل خاص أيام السوق الأسبوعية نظرا للمكانة الجغرافية التي يحتلها الموقع بالنسبة للمنطقة عموما. وسريعا ما تحول المكان إلى قرية تلعب دورا تجاريا هاما تدعّم بالخصوص مع السياسة الاستعمارية التي جعلت من المكان مركزا تواصل مع بقية المناطق المجاورة. هذا وقد استحوذت السلطات الاستعمارية على أهم الأراضي الفلاحية مكتفية باستغلال الموارد الطبيعية وبالخصوص الفلاحية وفق حاجياتها فلم تعمل على تصنيع المنطقة ولم توفر إمكانات الشغل ومنعت التحركات الجماعية الموسمية للسكان بحثا عن المرعى أو من أجل العمل أوقات الحرث و الجني والحصاد .
من خلال هذا المشهد يتبين أننا أمام منطقة عبور، تفتقد لموارد طبيعية يمكن أن تمثل لبنة لنشاط صناعي، ويهيمن عليها الطابع الفلاحي في ظل مناخ شحيح وموارد مائية محدودة وغير مستقرة. كما تفتقد هذه المنطقة لنسيج عمراني، فهي حاليا الأقل تحضّرا على المستوى الوطني زد على ذلك كونها تتسم برواسب الطابع القبلي وحضور النشاط الاقتصادي ذي الطبيعة الرعوية، وبخصائص ومميزات الثقافة الريفية. لكل هذه الأسباب فان التحديات التنموية مع دولة الاستقلال ستكون كبيرة وهامة من أجل الارتقاء بها وتفعيل مشاركتها في النشاط الاقتصادي الوطني وهو ما سينعكس على استقرار السكان وتنمية مواردهم بشكل منصف ويفتح أمامهم مجالات العمل والاستثمار وفرحة الحياة.
وتبرز مختلف الأرقام والمعطيات المتوفرة حاليا وشهادات متساكني سيدي بوزيد الوضع الإشكالي للتنمية بالمنطقة، الشيء الذي يدعو لمعالجة أسباب هذه الأوضاع المتردية والتي تتداخل في بلورة مختلف معالمها عدة أسباب تاريخية وإدارية وسياسية واجتماعية وتنموية، بالإمكان اختزالها في الوضع الذي عليه هذه المنطقة في الوقت الراهن وهو وضع يثير العديد من التساؤلات، هذا علاوة على كونه مؤشر أزمة المسار التنموي عموما والتنمية الجهوية بصفة خاصة وبشكل أدق التنمية المحلية حيث لا تزال المناطق الداخلية متأخرة على المستوى التنموي مقارنة بالمناطق الساحلية هذا بالرغم من الإجراءات التنموية العديدة التي تم إقرارها، فالتباعد بين الجهات الداخلية والجهات الساحلية ينمو ويتطور بالشكل الذي ينعكس سلبا حتى على التنمية بالمناطق الساحلية، وبالنظر إلى الوسط الغربي فان ولاية سيدي بوزيد تواجه إشكالات تنموية حادة.
تنتمي المنطقة التي تعرف حاليا بولاية سيدي بوزيد، وهي التسمية الإدارية للولاية، إلى منطقة الوسط الغربي وهي من المناطق التي تعاني أكثر من غيرها من اللاتوازنات التنموية الجهوية وموقع هذه الولاية بالنسبة لبقية ولايات الوسط الغربي هو الأضعف على المستوى التنموي، وداخل الولاية هناك تفاوت كبير بين مختلف معتمديات الولاية، وخاصة بين معتمدية سيدي بوزيد الغربية ، مركز الولاية ، وبقية المعتمديات الأخرى، وداخل نفس المعتمدية هناك تفاوتات تنموية هامة بين العمادات المشكلة للمعتمدية ، فنحن أشبه ما نكون أمام دميات روسية داخل كل دمية توجد دمية أصغر .
لقد تم إنشاء الولاية سنة 1973 في إطار إعادة التقسيم الإداري الذي تمّ إقراره وذلك لعدة أسباب سياسية واقتصادية وأمنية، والإشكال هنا يتمحور في كون هذه الولاية لم تستفد من المجهود التنموي للدولة خلال العشرية الأولى للتنمية على اعتبار كونها مجموعة معتمديات تنتمي إلى ولايات أخرى، وهو ما يعني أن الولاية الفتية في بداية العشرية الثانية للتنمية تحتاج إلى دعم خاص واعتمادات كبيرة في مستوى البنية التحتية بالخصوص تمكنها من توفير خدمات تستجيب لانتظارات المستثمرين الخواص من الجهة أو من خارجها ،لهذه الأسباب يصبح دور الدولة حسب طبيعة المرحلة أساسيا في هذه الولاية.
وتتمحور الدراسة حول جزئين اثنين :
يتطرق الجزء الأول إلى قضايا اللاتوازنات بين الجهات وإلى سياسات التنمية الجهوية التي وضعت لغرض معالجتها، وذلك لكي نفهم كيف ولما آلت إليه الجهات الداخلية الغربية من تدهور وتقهقر في أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية لا سيما بإقليم الوسط الغربي.
وقد اعتمدنا في تحليلنا مقاربة اللاتوازنات الجهوية ومقابلة الخطاب الرسمي والتوجهات الرسمية المنادية بالحد من الفوارق التنموية الجهوية بمعاينة واقع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بجهة الوسط الغربي، وكان الاستناد في هذا التمشيّ على مصادر الخطاب الرسمي وعلى توجهات المخططات التنموية بخصوص التنمية الجهوية من جهة، وعلى التباعد في الفوارق القائمة بين الشريط الساحلي والجهات الداخلية والوسط الغربي بالذات من جهة أخرى، اعتمادا في ذلك على الإحصائيات والمعطيات الرسمية.
وباعتبار فرضية التحليل، اذ لم يفض تعدد السياسات المتتالية إلى معالجة جدية لتقليص الفوارق بين الجهات حيث بقيت قائمة الذات بل تعمقت الفجوة في غالب الأحيان بين عدّة مناطق بالبلاد، وأصبح السؤال الذي يطرح هو التالي :»ما هو سبب أو أسباب فشل سياسات التنمية الجهوية في الحد من الفوارق بين الجهات؟ هل يرجع ذلك إلى معوقات هيكلية ذاتية وطبيعية تحدّ حتميا من إمكانيات تطور جهات الشريط الغربي ونموها بقطع النظر عن مدى نجاعة السياسات المتبعة؟ أم يرجع ذلك بالأساس إلى طبيعة معالجة الأوضاع وإلى نوعية هذه السياسات؟
ويطرح هذا التساؤل مدى مسؤولية الدولة والقطاع الخاص وكل المتدخلين في قضايا التنمية لتوفير الحلول و السياسات الناجعة لتقليص الفجوة بين الجهات. وفي هذا الإطار يبرز التساؤل التالي :»هل يجوز تكريس منطق ومبدأ التحرر الاقتصادي وممارسته بنفس النسق ونفس الآليات على جهات متفاوتة في درجة النمو والتطور وذات خصوصيات متنوعة والتي غالبا ما تفتقد لمقومات هذا التحرر ونضجه.؟
أما الجزء الثاني فهو يتمحور حول تحليل الواقع التنموي الحالي لولاية سيدي بوزيد وتشخيص الأوضاع السوسيوديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية والنظر فيما يشكل عوائق حقيقية داخل القطاعات مثل الفلاحة وهي الركيزة الأساسية للنسيج الاقتصادي للولاية، وقطاعات الصناعة على ضعفها، والخدمات والبنى التحتية، والحرص على إبراز الفرص المتاحة أمام هاته القطاعات بعلاقة مع حسن تعبئة الموارد البشرية والمادية وسياسات التشغيل لا سيما في اتجاه الفئات التي تعاني أكثر من غيرها من البطالة وبالأخص بطالة حاملي الشهادات الجامعية وبطالة مختلف الفئات النسائية.
وينتهي هذا الجزء بفقرتين أساسيتين:
الأولى تلخص أهم خلاصات واستنتاجات الدراسة ومحاولة الإجابة على التساؤلات الأولية من حيث تقسيم الأدوار بين المتدخلين الاقتصاديين والاجتماعيين وقضايا اللامركزية واللامحورية وأهمية دور الدولة في دعم مقومات التنمية وفي جلب الاستثمار الخاص الذي لا يخضع لعملية الربح وحدها بل وأيضا إلى المتطلبات والمقتضيات الاقتصادية والاجتماعية بسيدي بوزيد. الفقرة الثانية تلخص التوصيات العامة و الفرعية والقطاعية.
القسم الأول
* سياسات معالجة اللاتوازنات التنموية الجهوية بين الخطاب والممارسة
1 رهانات التنمية: بين الشريط الساحلي وداخل البلاد:
يمكن الإشارة منذ البداية إلى أنّ الدولة الوطنية واجهت منذ السنوات الأولى للإستقلال جملة من الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية تجلت عبر اللاتوازنات الهيكلية التي تعاني منها كل القطاعات وكل الجهات تقريبا وهي إشكالات تتطلب المعالجة السريعة. وقد مثلت اللاتوازنات بين الجهات، وبشكل خاص بين جهات الشريط الساحلي وبقية الجهات الداخلية تحديا هاما وخطيرا على اعتبار أن الجهة تختزل بشكل أوضح هذه اللاتوازنات وتجعل منها فعلا قابلا لخلق أثر للأزمة على بقية الجهات ويفرز نموا متفاوت السرعة ينعكس على إنتاج الثروة والقدرة على توزيعها والاستفادة المنصفة منها .
لقد تناولت عديد الدراسات هذه الإشكالات، منها الأشغال الأكاديمية مثل التي قام بها الأستاذ الجامعي حبيب عطية وغيرها من الدراسات كالتي قامت بها الإدارة العامة للتهيئة الترابية والتي أنجزت اطلس ولاية سيدي بوزيد، ومنها ما هو ميداني تقوم به مكاتب الدراسات، وبالإمكان تلخيص أهم الأسباب التي تمت بلورتها حول التباعد الاقتصادي بالخصوص بين الجهات وحصرا بين الجهات الداخلية والشريط الساحلي في الأسباب التالية:
* أسباب تاريخية
* الدور التاريخي للشريط الساحلي في علاقاته بالمحيط الإقليمي فقد كان هذا الشريط على الدوام فضاءا مفتوحا على الاتصال والتواصل سواءا من خلال الحروب أو المبادلات التجارية وعموما حركة السكان نحو الداخل أو الخارج.
* تمركز العديد من الأنشطة التجاريّة والحرفيّة في المناطق الحضرية بهذا الشريط وقد تبلور ذلك من خلال تطور المهارات الحرفية وتطور القدرة على التبادل.
* الأهمية الإدارية للمدن الساحلية الشيء الذي جعل منها مراكز استقطاب اقتصادي وتجاري وعزز مكانتها الديمغرافية بالنسبة للمدن الداخلية.
* تمحور مجال فعل السلطة المركزيّة /المخزن/ تاريخيّا تمحور حول المناطق الساحليّة وهو نفس تمشّي الإدارة الاستعمارية لاحقا.
* الأهمية الإستراتيجية للمناطق الساحلية بالنسبة للنظام الاستعماري وبالخصوص في المجال التجاري وبشكل أدق في عمليات التصدير والتوريد لذلك تمّت العناية بمختلف مجالات البنية التحتيّة كتشييد الطرقات وبناء المواني والمرافئ إلى غير ذلك.
* أسباب سياسية
* المواجهة المستمرة للسلطة المركزية أي أن علاقة الجهات الداخلية بالدولة المركزية كان يغلب عليها التوتر والصراع.
* المقاومة النشيطة والمسلحة للاستعمار
* أسباب عمرانية:
* مساهمة مختلف المعطيات التاريخية والسياسية التي أشرنا إليها في بروز ونمو نسيج عمراني متطورفي الجهات الساحلية مقارنة مع نفس النسيج في الجهات الداخلية
* توفر تنامي العديد من المدن الهامة على امتداد الشريط الساحلي أصبحت بدورها أقطابا على المستوى الجهوي ومراكز على المستوى الوطني
وبالنسبة للمناطق الداخلية، وفي سياق مخلفات الاستعمار وبناء الدولة الجديدة فقد اتسمت الأوضاع فيها بما يلي:
* على المستوى الثقافي:
* ثقافة شفوية تختزل المخزون الحضاري المحلي وتبني الهوية الجماعية وتهيكل الانتماء الفردي
* هيمنة الطابع القبلي في شكله المحلي الشيء الذي جعل الانتماء يتمحور في دائرات متقاطعة قابلة للتطور لتشمل الجهوي والوطني وحتى الإقليمي.
* على المستوى السياسي:
*الإدارة المحلية للشأن العام وغياب الإدارة المركزية الشيء الذي ساهم في بروز زعامات محلية وصراعات كبيرة تحسم في الغالب خارج إطار فعل الإدارة المركزية.
* على المستوى الاقتصادي:
* غلبة الطابع الفلاحي والرعوي على مجمل الأنشطة الاقتصادية تقريبا وهذا طبيعي جدا نظرا للمعطيات المناخية وتضاريس المنطقة ولأنها بقيت خارج المدارات الاقتصادية والتجارية للدولة.
* على المستوى العمراني:
* ضعف النسيج الحضري وتشكل هذا النسيج غالبا وفق النمط القروي. فعلى سبيل المثال يبقى السوق الأسبوعي أهم مركز للالتقاء والتبادل.
في هذا المشهد الذي يتأسس على التمايز بين الجهات لأسباب منها ما هو تاريخي وسياسي وثقافي وعمراني يتطلب تجاوزها الجرأة والقدرة على التعبئة والتشريك والمبادرة الفعلية ومنها ما يتعلق بجملة من المعطيات أهمها المردوديّة الاقتصادية لكل جهة على المستوى الوطني.
فهل سينطلق الموقف من الطرح الثاني أي الاهتمام بالمردودية الشاملة للتنمية وبالمناطق القادرة أكثر من غيرها أن تلعب دور القاطرة بالنسبة للبقية، أم سيخترق الفعل التنموي مدارات النمو لتوفير مقومات الارتقاء بالجهات الداخلية إلى مسار أكثر شمولية وأكثر تكاملا وانسجاما مع ديناميكية وسيرورة التنمية الوطنية، بالرغم من التكلفة الباهضة لمثل هذا التمشي؟
2 التنمية الشاملة شعارمركزي لدولة الاستقلال:
* المسار المتعثر
انطلق الخطاب التنموي الرسمي في بدايات دولة الاستقلال من عدة مبادئ تمحورت بالأساس حول العمل على تدعيم الاستقلال والقطع مع كل الأسباب التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في إفراز واقع التأخر والتصدع الذي يعاني منه المجتمع التونسي. والذي كان من الأسباب الرئيسية المؤدية للاستعمار، لهذه الاعتبارات أكدت الوثائق التنموية الرسمية (الآفاق العشرية للتنمية 1960-1970 ) والخطاب السياسي عموما في تلك الفترة على ضرورة إصلاح الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عبر الانخراط في توجه تنموي يقوم على تمفصل القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع التعاضدي بما يمكّن من الارتقاء بالإنسان من خلال الخدمات التي ستتوفر له وانخراطه الفعلي قي مسارات إنتاج الثروة وتوزيعها المنصف، وبهذا يصبح بالإمكان توفير الشروط الأولى لتنمية ذاتية تقطع مع التبعية في مختلف أشكالها وتفتح المجال أمام التكامل والتناغم والعمل التشاركي.
لقد طرحت السلطة في الوثائق والخطط التنموية الأولى توجّهان للارتقاء بأداء الجهات والحد من التباعد بينها يقوم الأول على السعي إلى جعل كل جهة وحدة متكاملة تتوفر فيها كافة الخدمات الإدارية والتربوية والصحية والثقافية والترفيهية، وعليه تصبح الجهة في الآن نفسه مصدر استقرار واستقطاب، استقرار المواطنين في جهاتهم وعدم مغادرتها لتوفر مختلف الخدمات التي أشرنا إليها واستقطاب للاستثمار والمستثمرين من جهات أخرى نحو الجهات الداخلية، في حين يقوم التوجه الثاني على بناء أقطاب تنمويّة في كل جهة يكون دورها إنتاج أثر التفعيل التنموي على كامل الجهة وفي مستوى مختلف القطاعات الاقتصادية داخل الجهة وبقية الجهات الشيء الذي يمكن من إنتاج مواطن الشغل وبالتالي إنتاج الثروة على المستويين المحلي والجهوي من ناحية والتناغم والتكامل مع المثال التنموي الشامل.
فكان الاختيار على التوجه الأخير بداية بإحداث ثلاثة أقطاب تنموية، حيث تم القيام بثلاثة مصانع كبرى، معمل الفولاذ بمنزل بورقيبة، معمل السكر بباجة ومعمل تحويل الحلفاء بالقصرين وهي معامل أقيمت لإرساء نسيج صناعي في الجهات لاسيما بالشمال الغربي والوسط الغربي بغاية بعث حركية صناعية واقتصادية و تنشيط الاستثمار وخلق مواطن الشغل تمكن من تركيز قطب تنموي بالجهات الأقل حظوظا.
إن ما ميز العشرية الأولى للتنمية هو هذا الدور الكبير الذي سعت الدولة إلى القيام به باعتبارها دولة راعيةUn Etat providence. فقد اعتبر الخطاب الرسمي أن الانتقال من مرحلة تتميّز بالفقر والجهل والأمراض والبطالة والفكر الخرافي والشعوذة والمكانة الدونية للمرأة الخ ... إلى مرحلة تتميز بالسكن اللائق والصحة للجميع ورعاية الأم والطفل والشيوخ وذوي الحاجات الخصوصية وإلزامية التعليم ومجانيته وتوفر مواطن الشغل والقدرة على تطوير سوق العمل وتوفير للمرأة المكانة التي تستحقها للمشاركة في المسار التنموي... أي مرحلة تغلب عليها الرفاهة والترفيه وفرحة الحياة، لا يمكن أن يتحقق من دون الدور الكبير الذي يمكن للدولة أن تلعبه في مستوى التخطيط والبرمجة والتنفيذ والانجاز والإدارة والمراقبة، لذلك سعت الدولة إلى أن تكون قوّة اجتماعيّة بل وأهمّ قوّة اجتماعيّة على الإطلاق، فهي جهاز حسب الخطاب الرسمي يتشكّل من مختلف القوى الحيّة بالبلاد هذه القوى القادرة على الإدارة والتسيير.
ويتأسس هذا التصور على سلوك مركزي يجعل من الإدارة المركزية الإطار العام للقرار التنموي. لهذه الأسباب ستتشكّل السلطة أساسا وفق معادلة المكانة التي توفر معالم الانتماء إلى مراكز النفوذ (الإداري والحزبي في شكليهما الوطني والجهوي)، وتتبلور وظيفة السلطة في قيادة المجتمع أي العمل على دفعه بكل الوسائل ولو الإلزاميّة للانخراط في التنمية كمشروع تحديثي وتنموي للمجتمع ولقد ساعد هذا التوجّه على دعم ونمو المركزية والتي تبلورت أكثر من خلال الدور الذي سعت الدولة إلى لعبه و هو دور الدولة الراعية والذي من خلاله ستعمل على احتكار القرار.
لعلّ الإشكال الكبير الذي طرحه هذا التوجه يكمن في صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن بشكل هرمي يكون فيه القرارعموديا، فالمواطن بشكل من الإشكال لا يساهم لا من بعيد ولا من قريب في صياغة ونحت القرار، فهذه مسؤولية القوى الحية/الإدارية والحزبية/المهم أن كل ما يوجد خارج السلطة الإدارية والسياسية وبالتالي خارج دوائر القرار على المستويين القطاعي والجهوي هو بالضرورة خارج دائرات الاستفادة الفعلية من القرارات التنموية . بالإمكان الإشارة أيضا إلى إشكال آخر ستبرز آثاره في العشرية الثانية للتنمية بعد الحسم مع الاشتراكية الدستورية والانخراط في النهج التحرري وهو تنامي سلوك التواكل وهو سلوك ينتظر من مختلف هياكل الدولة التفكير عوضا عن المواطن وتقديم المقترحات والحلول له وتحديد حاجاته وصياغة انتظاراته وقد سعت الدولة إلى تنمية هذا الشعور وهذا السلوك مقابل المبايعة غير المشروطة.
لعل الإشارة إلى هذه المسألة يمكن أن توحي بكوننا أمام سلوك ظرفي أملته بعض المعطيات العرضية إلا أننا نودّ الإشارة في هذا السياق وفي علاقة بالتنمية بولاية سيدي بوزيد كون الإشكال يتجاوز السلوك الفردي بل أخذ بعدا مؤسساتيا يتجاوز الظرفية أصبح بمقتضاه السلوك الفردي أحد معالمه لاغير وهو ما سينعكس على مجالات التنمية المحلية والجهوية أي أن الجهة بدورها باتت تنتظر مبادرة الإدارة المركزية وهي غير قادرة على المبادرة ولا تتوفر على الإمكانية التي تمكّنها من ذلك.
المهم أن للتنمية عدّة أبعاد، بعد وطني وبعد جهوي وبعد قطاعي، ولم يكن داخل هذا المشهد أي حضور للبعد المحلي وستنتهج الدولة منهجا يقوم على تثمين بعض القطاعات التي تعتبر قطاعات واعدة وعلى بعض الجهات التي تعتبر جهات محفزة. وبالنظر إلى الأهمية الكبرى التي ستعطى للصناعات المعملية والقطاع الصناعي عموما واعتبارا الى أن التنمية بالنسبة لأصحاب القرار التنموي أصبحت منذ السبعينات تقتصر بالأساس على تصنيع الشريط الساحلي من حيث أنه يوفر أكثر من بقية الجهات الداخلية الشروط المطلوبة لتحقيق التنمية فقد اتجه الاهتمام خلال العشرية الأولى للتنمية بالمجالات والجهات التالية:
* القطاعات الاقتصادية ذات المردوديّة العالية
* القطاعات ذات القدرة على تطوير الاندماج الاقتصادي
*الجهات التي لها تقاليد صناعية
* الجهات التي تتوفر فيها شبكات خدمات متطورة
* الجهات التي تمتلك بنية تحتيّة أفضل من غيرها
* الجهات التي تتوفر أكثر على صناع القرار التنموي
لا يمكن الحديث كما سبقت الإشارة إلى ذلك عن ولاية سيدي بوزيد خلال العشرية الأولى للتنمية نظرا لكون الولاية لم تكن موجودة إداريا ولكن بالإمكان الإشارة إلى ذلك في إطار الجهة ككل، فالولاية تتشكل من معتمديات كانت تنتمي إلى ولايات القيروان والقصرين وقفصة وصفاقس، وهذه المعتمديات هي بالأساس فلاحية والمعتمدية الوحيدة التي تنتمي إلى ولاية ساحلية هي معتمدية المزونة وهي أقل المعتمديات تنمية في ولاية صفاقس وهي إلى الآن بالرغم من إلحاقها بالولاية الجديدة ولاية سيدي بوزيد فان كل المؤشرات التنموية تبرز المكانة المتدنية لهذه المعتمدية ضمن معتمديات الولاية المحدثة.
المهم هو أن المعتمديات التي شكلت في وقت لاحق ولاية سيدي بوزيد تنتمي الى جهة تعتبر من أكثر الجهات التي دفعت غاليا ثمن فشل سياسة الاشتراكية الدستورية وذلك للأسباب التالية:
* أولا وقبل كل شيء كان التقسيم الجديد تقسيما إداريا يخضع إلى منطق تمرير القرار السياسي المركزي عبر قنوات محلية مطيعة يتيسر التحكم فيها ولم يكن يخضع إلى منطق أولويات التنمية بالجهة حيث تكونت سيدي بوزيد على »بقايا« ما أفرزته الولايات المجاورة بالجهة من مناطق ومعتمديات متخلفة و فقيرة. لقد تشكلت الولاية من الأطراف التابعة للولايات المحيطة وهي المعتمديات التي لم تستفد من السياسة التنموية وعليه وبحكم هذا الوضع لن تكون قادرة على استيعاب المرحلة القادمة التي ستبتدأ مع العشرية الثانية للتنمية وستتأسس على توجه ليبرالي.
* ثانيا لان الأقطاب الصناعية تمركزت داخل مراكز الولايات ولم تتمكن مثل ما كان منتظرا من الاتساع والإشعاع ولم تكن لها القدرة على إفراز أثر ايجابي، على محيطها، هذا علاوة على كونها لم تتوفر على الوسائل والآليات التي تمكنها من القيام بذلك.
* ثالثا بقيت المناطق المشكلة للولاية مناطق فلاحية ولقد كان لانعكاس فشل تجربة الاشتراكية الدستورية الأثر السلبي الكبير على القطاع الفلاحي وبالتالي على الفلاحين لكون المردودية التجارية للقطاع أقل بكثير من المردودية الصناعية.
* رابعا تميزت الولاية الفتية حال بعثها في بداية السبعينات بضعف كبير في مجالات البنية التحتية ومختلف المرافق الاجتماعية والصحية والتربوية والثقافية والترفيهية والقدرة على توفير مواطن الشغل.
* خامسا لم تكن الولاية بالرغم من الإجراءات وأهمية الحوافز التي أقرتها الدولة قادرة على جلب المستثمرين والباعثين الصناعيين للافتقار إلى شروط ومقومات الاستثمار الشيء الذي زاد في حدّة اللاتوازنات التي تعاني منها الولاية مقارنة ببقية المناطق التي استفادت من هذه الحوافز.
نظرا لكل الإشكالات التي أشرنا إليها والتي مرت بها الجهة فان معالم الأزمة ستتفاقم وستحوّل بشكل سريع هذه الجهة إلى جهة غير قادرة على توفير مواطن الشغل ومقومات الحياة الكريمة كما هو الحال بالنسبة للجهات الساحلية وهي بذلك ستوفر كافة شروط الهجرة الداخلية والخارجية.
إن وضع الولاية الفتية سيكون موضوعا للتنمية مع بداية العشرية الثانية للتنمية وتحديدا انطلاقا من المخطط الرابع للتنمية وستحاول بالتالي الاستفادة من كل الآليات التي ستوفرها الدولة من أجل الارتقاء بالأداء التنموي الجهوي والمحلي وعليه سيتمحور الفعل حول:
مقاومة الإقصاء المضاعف الذي تعاني منه الولاية على اعتبار كونها تتشكل من معتمديات هي في الواقع أطراف جهات أخرى، وتصنف هذه المعتمديات ضمن المعتمديات الأكثر فقرا أي الأكثر عبئا على الولايات التي تنتمي إليها (فلقد تم إشعارنا خلال الدراسة الميدانية أن بعض الولايات استقبلت بشكل ايجابي جدا قرار حذف بعض المعتمديات منها وإلحاقها بالولاية الجديدة ولاية سيدي بوزيد) والإقصاء الثاني كون الولاية تنتمي إلى جهة الوسط الغربي وهي أقل الجهات نموا مقارنة ببقية الجهات وضمن الولايات المشكلة للوسط الغربي فان ولاية سيدي بوزيد هي أضعف الولايات تنمية.
تم تصنيف الولاية منذ تاريخ بعثها ضمن الولايات التي تحتاج إلى الدعم حتى تتمكن وبشكل تدريجي من بناء إمكاناتها الذاتية في تفعيل المسار التنموي والعمل على تجاوز التصنيف الذي تأسس عليه الفعل الاقتصادي الاستعماري الذي جعل من الجهة انطلاقا من كونها جهة داخليّة، تصنف ضمن مناطق الدرجة الثانية التي يقتصر دورها على مدّ مدن الشريط الساحلي بالخصوص بما تحتاجه لتوفير ديناميكيّتها الاقتصادية والتجارية.
* ولاية سيدي بوزيد تدفع ثمن فشل الاشتراكية الدستورية :
على اثر المراجعة الجذرية للتوجهات التنموية التي كان يقوم عليها المسار التنموي خلال مرحلة الاشتراكية ووضع حد بالخصوص لسياسة التعاضد وفتح الباب أمام الانخراط في نهج تحرري فقد تبلورت التوجّهات التنمويّة الجديدة وفق الهندسة التالية (تقييم العشرية الأولى للتنمية الصادر عن وزارة التخطيط 1971 الخطاب البرنامج للهادي نويرة الوزير الأول 1973في مجلس النواب بمناسبة مناقشة الميزانية العامة للدولة).
* وضع حدّ للاشتراكية الدستورية وإنهاء الثلاثية القطاعية.
* فتح المجال أمام المبادرات الفرديّة للمساهمة في النموّ الاقتصادي.
* إعادة تحديد دور الدولة باعتبارها طرفا فاعلا في دعم القطاع الخاص وتوفير كل الحوافز التي تساهم قي نمو هذا القطاع.
* إعادة بلورة طبيعة التخطيط من أجل الحدّ من طابعه الإلزامي.
* الانخراط في نهج يقوم على تشريك المستثمرين في مجالات القرار والليونة في التعامل معهم من خلال جملة الإعفاءات الجبائية التي سيتم تمكينهم منها وذلك لتوفير أكثر الحوافز للقطاع الخاص وخاصة للمستثمرين الأجانب.
* التشجيع على اللامركزية الصناعية وإقرار جملة من الإجراءات الإدارية من أجل إنشاء مناطق صناعية خاصة في المناطق الداخلية.
* البحث في مجالات تطوير النسيج الصناعي من خلال تنويعه وتطوير نسب اندماجه وتفعيل تمفصله مع بقيّة القطاعات الاقتصادية وبالخصوص القطاع الفلاحي وقطاعات الخدمات.
* الحدّ التدريجي من تدخّل الدولة في صندوق التعويض.
* البحث عن حلول عمليّة من أجل الارتقاء بالقطاع الفلاحي لاسيما أنّ »مطمورة روما« أضحت في حالة تبعيّة خارجيّة لتوفير حاجاتها الغذائيّة وكون تشتّت الملكيّات الفلاحيّة يُعيق تعصير القطاع وتطوير مردوديّته، لذلك فان البحث عن حلول جذريّة لإعادة هيكلة القطاع الفلاحي أصبح أمرا حتميّا.
*البحث عن حلول عمليّة للحدّ من المديونيّة وذلك بالسعي نحو تطوير الصادرات والضغط على الواردات.
*السعي نحو الاستفادة القصوى من الإمكانات الطبيعيّة المتوفّرة خاصة بالشريط الساحلي وتثمينها من أجل تطوير القطاع السياحي.
ومن خلال هذه التوجّهات التنموية الجديدة في بداية العشرية الثانية للتنمية تبلورت بالخصوص جملة من الإجراءات من أجل النهوض بالاقتصاد من بينها :
1 الاهتمام بالبعد الجهوي في تخطيط التنمية وإيلاء هذا البعد نفس الأهمية التي يحظى بها البعد القطاعي
2 تطوير قطاع الخدمات بالشكل الذي يساهم في تمفصله مع بقيّة القطاعات الاقتصادية حتى يكون هذا القطاع عاملا أساسيا من عوامل التنمية الشاملة والتنمية الجهوية بالخصوص بما يقدمه من ديناميكية قطاعية وجهوية
3 مراجعة التقسيم الإداري وبعث ولايات جديدة لمزيد الإحاطة الإداريّة بكل ولاية وتفعيل دورها الاقتصادي، وفي هذا الإطار تم بعث ولاية سيدي بوزيد.
السعي نحو تطوير الإدارة من خلال تفعيل اللامحوريّة وذلك للحدّ من مركزيّة ا لإدارة وما صاحب ذلك من بيروقراطيّة عطّلت المصالح الجهويّة عن سرعة التدخّل وتنفيذ القرارات التي تُتخذ على المستوى المركزي، وعبر اللامحوريّة تصبح كل ولاية وحدة إداريّة متجانسة قادرة على اتخاذ القرار في حدود صلاحيّتها وتتوفّر على الأجهزة الإداريّة التي تمكّنها من تنفيذ القرار.
5 العمل على تطوير آليات اتخاذ القرار الجهوي والمحلي من خلال الإقرار الفعلي باللامركزيّة في مستوى مجالس الولاية وإدارة الجماعات العموميّة المحلية حتّى تتوفر للجهة الإمكانية الفعلية لأخذ القرار وتطبيقه، لقد تبيّن بما لا يدع للشك أن الطابع المركزي المشط للسلطة مثّل أحد العوائق الهامة للتنمية الجهويّة .
6 الدفع نحو الاستثمار في المعتمديّات ذات النسيج الصناعي الضعيف وذلك بإقرار جملة من الحوافز المتدرجة، فقد تم تصنيف كل المعتمديات وفق درجة تصنيعها في جدول يتضمن ستة درجات وتتضمن الدرجة المعتمديات الأولى الأكثر تصنيعا وتكون فيها الحوافز منعدمة ثم تتدرّج إلى أن تصل إلى المعتمديّات المصنّفة في الصنف السادس وهي المعتمديّات ذات الأولويّة المطلقة.
7 بعث هياكل إدارية تتولّى السهر على تنفيذ هذه السياسة الصناعية الجديدة في مستوى كل جهة تتولى الإعلام والتحسيس والتنسيق بين مختلف الهياكل ومختلف الفاعلين مثل وكالة النهوض بالاستثمارات أو صندوق اللامركزيّة الصناعيّة... الخ
8 وتتولّي الدولة تهيئة مناطق صناعيّة بكل الجهات تتوفّر على البنية التحتيّة الضروريّة والخدمات وتوفير التسهيلات من أجل بعث مشاريع صناعية بهذه المناطق .
9 القيام بحملات تحسيسيّة على المستويين الجهوي والوطني من أجل التعريف بكل الامتيازات المتوفّرة والمساعدة على بعث مشاريع صناعيّة بالجهات الداخليّة وبعث مكاتب تأطير وتوجيه في هذا الشأن .
إذا كان المخطط الرابع والخامس1973-1981 للتنمية قد رفعا شعار نشر الصناعات الصغيرة والمتوسّطة داخل البلاد ، فان المخطط السادس للتنمية 19821986يؤكّد أن ذلك ممكن، وأنّه بإمكان كل الجهات الاستفادة من الاستثمارات ومن إمكانات خلق مواطن شغل في القطاع الصناعي شريطة توفّر السلم الاجتماعيّة ، ولعلّ الإشكال يكمن في مفهوم السلم الاجتماعيّة ذاته، فهل أن الجهات التي لم تشهد حركة استثمارات تنعدم فيها السلم الاجتماعيّة؟
لكن تقييم الواقع بقي بعيدا كل البعد عن الخطاب الرسمي والتوجهات المعلنة وعن الشعار المرفوع، فخلال الفترة1973 1981لم يتجاوز حظ كل جهة بالشمال الغربي من الاستثمارات الصناعيّة نسبة ٪5,7 من مجموع الاستثمارات الصناعيّة بكافّة البلاد في حين كان نصيب جهة الوسط الغربي أقل من ذلك. أما بالنسبة للاستثمارات المرصودة للمناطق الساحليّة فكانت خلال نفس الفترة تمثل 83,2 ٪ في حين لم تمثل بكامل الجهات الداخلية سوى8 ,16 ٪ و بالأساس في القطاع العمومي الشيء الذي يبرز مدى مساهمة هذا النهج التنموي الجديد في استفحال أزمات المناطق الداخلية بل وفي تعميق الهوة بين الجهات .
والحقيقة أن الإشكال بالنسبة للمناطق الداخلية يكمن في كونها مناطق فلاحية بالدرجة الأولى وكل توجه تنموي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى فالتصنيع مثلا إذا تمفصل بحاجات القطاع الفلاحي تكون له انعكاسات أكثر ايجابية على الجهة , ومن أجل تجاوز مختلف المعوقات التي لها علاقة بالقطاع الفلاحي عموما وبالفلاحة بالمناطق الداخلية بشكل خاص. فقد أخذت الدولة الإجراءات التالية للارتقاء بأداء القطاع :
1 العمل على مراجعة آليات تأطير القطاع الفلاحي وإعادة هيكلته والتفكير في السبل التي تمكّن من إيجاد الحلول العملية والممكنة للملكيات الفلاحية التي تتميز بتشتتها.
2 العمل على الإرتقاء بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للفلاحين الصغار وبالخصوص غير القادرين على الاستثمار وبالتالي تطوير وتعصير منتوجاتهم الفلاحية .
3 السعي إلى تثبيت الفلاحين الصغار في ضيعاتهم وفي جهاتهم من خلال توفير الخدمات الأساسية والحوافز من أجل العمل في القطاع الفلاحي.
4 بعث مؤسّسات تعتني بهذا التوجّه الجديد في المجال الفلاحي مثل الدواوين وهياكل الإرشاد والتأطير.
5 حثّ البنوك على المساهمة في الارتقاء بالقطاع الفلاحي من خلال توفير القروض الفلاحيّة بأقل ما يمكن من التعقيدات الإدارية وبأيسر السبل.
ما يمكن ملاحظته اثر هذا التقديم الموجز للفعل التنموي في بعديه الوطني والجهوي هو أن ولاية سيدي بوزيد لم تستفد كثيرا من الإجراءات التي تمّ إقرارها حيث لم يقع اتخاذ الوسائل الكفيلة لإنجازها بطريقة ناجعة و صائبة ومستجيبه لأولويات الجهات و المناطق ذات الاحتياجات الأساسية والتي من شأنها أن تحد من الفوارق الجهوية والاجتماعية بل نجد على سبيل المثال من بين هاته الإجراءات تنمية القطاع السياحي بوتيرة سريعة وبالخصوص في الجهات الساحليّة وانعكس على تطوّر البنية التحتيّة ونموّ قطاع الخدمات والذي لم تستفد منه الجهات الداخلية وما نلاحظه كذلك أن الحوافز التي تمّ إقرارها شملت بالخصوص المعتمديات التي تنتمي إلى المستويين الثاني والثالث وفي بعض الحالات المعتمديات التي تنتمي إلى المستوى الرابع في حين أن المعتمديّات الأخرى والمصنّفة ضمن المستويين الخامس والسادس لم تشهد نفس الاهتمام من طرف الباعثين الصناعيين المحلّيين والأجانب باعتبار ضعف البنى الأساسية .
وولاية سيدي بوزيد تنتمي إلى الدرجة السادسة وعموما فان الولاية لم تجلب الاستثمارات ولم تستفد من هذه الإجراءات وهو ما يعني أن الفعل التنموي للولاية بقي يتراوح في نفس المحاور في حين تمكنت العديد من الولايات الأخرى من الارتقاء بفعلها التنموي نظرا لاستفادتها من كل الآليات التي تم إقرارها والنتيجة هي أن بعث ولاية جديدة تشمل معتمديات تعاني من اللاتوازنات التنموية الجهوية لم يمكن هذه المعتمديات من الانخراط في المجال التنموي العام وأبقاها تدور في مدارات الفعل التنموي للجهات الساحلية .
ولاية سيدي بوزيد ليست وحدها في هذا الوضع بل كذلك ولايات الشمال والوسط الغربي بصفة خاصة، لم تستفد هي الأخرى كثيرا من عديد الإجراءات التي تمّ إقرارها والى جانب الأسباب المذكورة سالفا هناك سبب رئيسي إذا ما رجعنا بالنظر إلى تحليلنا يكمن بصورة واضحة في الحلقة المفقودة على مسار التنمية وسيرورتها في هاته الولايات و يتمثل في الفرصة الضائعة حيث افتقدت بل غابت فيها منذ الانطلاقة إمكانيات تركيز بنى تحتية وتحفيز وتأطير في مستوى متطلبات الاستثمار سواء كان خاصا أو عموميا وهي من الشروط اللازمة والأساسية لهذا الاستثمار، فتحولت هاته المناطق إلى جهات غير قادرة على استقطاب وجلب الاستثمارات والمستثمرين فضاعت فيها فرص الشغل والتشغيل وتدنّت فيها المداخيل ومستوى العيش مقارنة بالجهات التي كانت حظوظها أكبر في استقطاب الاستثمار الخاص والعام والتي انطلقت فيها عملية التراكم وتوسع النسيج الاقتصادي والاجتماعي. وفي المقابل كان عدم تمكين العديد من معتمديات الولايات الداخلية والغربية من الحدّ الأدنى من شروط ولوازم انتصاب مشاريع التنمية قد جعل منها مناطق استنفار للاستثمار وليس مناطق استقطاب للاستثمار وجعل منها فرصا ضائعة وحلقات مفقودة على درب مسار التنمية فتخلى عنها حتى متساكنوها فأصبحت مناطق هجرة وعبور.
والسؤال الذي يطرح نفسه »ما هي أسباب فقدان هذه الحلقة وهاته الفرص؟ وإلى أي طرف ترجع هاته المسؤولية؟ «.
أن الإجابة على هذا التساؤل ليس بالأمر الهيّن نظرا لتعقيدات هاته المسألة، إلا أن قراءة المسارات التنموية المتتالية والتوجهات التي احتوت عليها والأزمات التي واجهتها في سياقها الداخلي والخارجي تمكن من إضفاء بعض التفسيرات الأساسية للحلقات المفقودة وللفرص الضائعة في الجهات الداخلية.لقد أثرت مراجعة التوجهات السياسية وانتهاج خيار التحرر الاقتصادي وتشجيع الاستثمار الخاص منذ السبعينات بصفة متفاوتة في مسارات التنمية بمختلف جهات البلاد، حيث أن إعادة توزيع الأدوار بين الخاص والعام والتخلي التدريجي للدولة كان أثره أكثر سلبية على حظوظ تنمية الجهات المتخلفة التي لم تستكمل بعد تركيز آليات و شروط الفعل التنموي، ثم تأكد هذا التفاوت خلال أزمة المديونية وسياسات الإصلاح الهيكلي مع تقلص دور الدولة في الثمانينات ثم في سياسات الانفتاح منذ التسعينات فكان الشريط الساحلي كما رأينا وبحكم مخلفات الاستعمار في مرحلة أولى مؤهلا أكثر من الجهات الغربية لاستقطاب الاستثمارات فدفعت السهولة للتركيز على هذا الشريط بترشيح وتوجيه الاستثمارات لا سيما الخاصة مما أدىّ إلى تطوير بناها التحتية ونسيجها الاقتصادي والصناعي والدخول في حركية وسيرورة تنموية جعلت منها جهات استقطاب للاستثمار وللسكان. وقد شكلت هاته الحركية ضغطا مستمرّا على الدولة وطلبا لتطوير البنى التحتية ولتطويع سياسة تحفيز الاستثمارات الخاصة، وكان مصدر هذا الضغط وهذا الطلب في نفس الوقت، متأتيا من طرف القوى الاقتصادية ومن طرف القوى السياسية التي تمركزت بالجهات الساحلية.
وفي المقابل لم يؤدّ منطق المبادرة الخاصة في الجهات الغربية ومن خلال السياسات المتتالية في تحرير الاقتصاد إلى نفس الحركية وهنا تكمن الحلقة المفقودة حيث وقع تخليّ الدولة عن أدوارها التقليدية قبل الأوان، قبل أن توضع مقومات التنمية التي تستجيب لمتطلبات المستثمر وقبل أن تكون الجهة و متساكنوها مؤهلين و في مستوى تأهيل الجهات الساحلية لتتمكن من الالتحاق بالركب. وهذا التأهيل من الأدوار الأساسية للدولة تأخذ فيه بيد المستثمر وبيد المنتج الذي بقي يفتقد في تلك الربوع إلى سند يستند إليه في خطواته الأولى و يرافقه إلى أن يتمكن من الوقوف و من السير بالاعتماد على نفسه وعلى إمكاناته وإمكانات الجهة مثل الصبي الذي نرافقه في خطواته الأولى حتى تكتمل مقومات توازنه. وهذا لا يعني أن مواطني سيدي بوزيد وولايات الشريط الغربي أقل طموحا أو هم أضعف قدرة من بقية المواطنين فيحتاجون اليوم إلى تأهيل و مرافقة، بل هو يعني أن الشريط الغربي لم يأخذ حظه وحصته في تركيز مقومات التنمية بنفس الحظوظ التي تمتعت بها الجهات الأخرى ويتجلى ذلك من خلال ضعف حجم الاستثمارات المرصودة والمبرمجة وتدني التجهيزات الاجتماعية والبنية التحتية علاوة على تغييب أو ضعف عدة آليات أخرى من شروط الاستثمار والتنمية.
إن تخلي الدولة قبل الأوان عن أدوارها التقليدية في المناطق الغربية أحدث فراغا تمثل في الحلقة المفقودة في مقومات التنمية بسيدي بوزيد وغيرها من الولايات الغربية. وتحت شعار تشجيع الاستثمار الخاص حلّ الفراغ وأصبحت هناك حلقات مفقودة متتالية ومتكررة استدعت أكثر فأكثر التخلي عن دور الدولة عبر السياسات والمخططات حتى أصبح مدار التنمية يدور في حلقة مفرغة لإعادة إنتاج الفوارق بل لتعميقها.
4 اللامركزية واللامحورية لمعالجة اللاتوازنات التنموية الجهوي:
4/1خطاب إصلاح التوازن التنموي ضمن الإصلاحات الهيكلية:
بالعودة إلى المخطط السابع للتنميّة-1987-1991-الذي يوافق بداية الإصلاح الهيكلي والذي أشار بشكل مقتضب للتنمية الجهوية فقد أثيرت هذه المسألة في التصدير الموقع باسم الرئيس السابق للجمهوريّة السيد الحبيب بورقيبة والمقتبس من الكلمة التي ألقاها في اختتام الاستشارة الوطنيّة حول المخطط السابع حيث يؤكد على »ضرورة العناية بإصلاح التوازن التنموي بين الجهات وإنقاذ بعض المناطق من الفقر والتخلّف، وعليه يجب التفكير في تطوير تخطيط التنمية الجهويّة وتدعيم آليات التضامن الوطني تجاه الجهات المحرومة حتّى يتسنّى القضاء على أسباب النزوح وتوفير أسباب الحياة الكريمة لمتساكني الجنوب والمناطق الغربيّة للبلاد وبهذا يمكن وضع حدّ للنعرات الجهويّة التي تتنافى مع مفهوم الوحدة الوطنيّة«.
ووفق المخطط السابع فإن المواصلة في نفس النسق التنموي سيفرز شريطا ساحليا يشمل حوالي ٪15 من المساحة الجمليّة للبلاد يقطنه حوالي ٪ 55من السكان في حين أن ٪85 من هذه المساحة يقطنها حوالي٪ 45 من المجموع العام للسكان، لهذا فان التنمية الجهويّة أصبحت من الشروط الأساسيّة للتنمية في بعديها الشامل والقطاعي. غير أن التقسيم الجهوي الجديد حافظ على نفس سمات التقسيم القديم تقريبا أي أن المخطط على المستوى الجهوي ينطلق من ستّة جهات تنمويّة هي الشمال الغربي والوسط الغربي الذي يشمل ولايات القيروان وسيدي بوزيد والقصرين، والجنوب الغربي والجنوب الشرقي والوسط الشرقي والشمال الشرقي ، ويقوم على بعث أقطاب تنمويّة جديدة بالشمال الغربي والوسط الغربي والجنوب ودعم الأقطاب الموجودة و تعزيز محاور الاتصال والتنمية من أجل تسهيل عمليّة التبادل بين الجهات غير المحظوظة وتفعيل المدن المتوسّطة والمندمجة مع التنمية من أجل توفير شروط تنمية متوازنة بين الجهات .
ما يمكن ملاحظته في هذا الإطار هو هذه العودة من جديد إلى الأقطاب التنموية بالجهات الداخلية والتأكيد على مسألة البنية التحتية والإقرار بفشل كل الإجراءات التي تم إقرارها من أجل الحد من التفاوت بين الجهات، فاختيارات الدولة لم تمكن من توفير الحلول العملية والناجعة، والأخطر من ذلك ما يمكن ملاحظته حول خروج التنمية عن مداراتها الأساسية الشيء الذي أفرز نموا عشوائيا يغلب عليه التوتر والانفعال والإضطراب وكذلك الغياب الكبير والخطير للقطاع الخاص للقيام بالأدوار التي تم الإعتقاد بكونه سيقوم بها وخاصة في المناطق الداخلية، فالتنمية بأي شكل من أشكالها لم تمثل أي هاجس للمستثمرين والقطاع الخاص عموما، المهم الإستفادة من الخصخصة ومن كل الإجراءات الحمائية والإعفاءات الضريبية والإستجابة للمصالح الآنية .
4/2 اللامركزية و اللامحورية بين النظريات والواقع:
تعرف اللامركزية بتفويض أو بنقل جزء من نفوذ الدولة إلى ذات معنوية تخضع للقانون العام تكون مغايرة للدولة ومنتخبة ( 2007،Vito MARINESE) حسب تجارب ديمقراطيات أوروبا. وتتمتع هاته الذات أو الشخصية باستقلالية تتراوح أهميتها بأهمية اللامركزية كما تتمتع بميزانية خاصة وتبقى تحت رقابة الدولة، سلطة الإشراف اللامركزية هي مسار تنقل فيه الدولة من صلاحياتها ومن مهامها و مما تتطلبه من موارد لصالح مجموعات ترابية مغايرة لها ويتعلق مفهوم اللامركزية في تونس بسلك الولاة والمجالس الجهوية وما تبعها.
أما مفهوم اللامحورية فهو يعني تفويض من الإدارة المركزية بشيء من نفوذها لدى منشئات محلية ولدى أعوان محليين ينتمون إلى إدارة الدولة ويخضعون إلى سلطتها ولا يتمتعون بأي استقلالية.
ويعني ذلك في تونس بعث منشئات ادارية محلية تقرب خدمات الإدارة من المواطن.
إن التوجّهات الجديدة التي طرحها هذا المخطط السابع في المجال الجهوي تتضمّن الحسم مع كل توجّه مركزى والعمل على تدعيم اللامركزية واللامحورية فالمخطط يُعطي الأولويّة إلى جهات الوسط والجنوب من أجل دعم البنية الأساسيّة والتجهيزات العامّة وتطوير مختلف الخدمات في جميع المجالات وكذلك توفير الدعم الضروري والكافي للقطاع الفلاحي حتى يتمكن هذا القطاع في هذه الجهات التي تتميز بالخصوص بطابعها الفلاحي من المساهمة في تحقيق الاكتفاء الغذائي على المستوى الوطني .
كما تكمن ضرورة العناية بالقطاع الفلاحي نظرا للدور الذي يمكن أن يقوم به للارتقاء بالأوضاع الإقتصادية والإجتماعية للفلاحين وخاصة الإرتقاء بالظروف المعيشية للفلاحين الصغار وتطوير علاقاتهم بالقطاع وبأراضيهم وكذلك الإرتقاء بالجهات الأقل نمّوا نظرا لكون اقتصاد هذه الجهات يتمحور أساسا حول القطاع الفلاحي .
لقد دعا المخطط إلى أهمية المواصلة في تقديم التشجيعات والحوافز للمستثمرين من أجل بعث مشاريع صناعيّة في الجهات الداخلية ، الشيء الذي لم يحدث عمليا بالنسبة لهذه الجهات، ذلك أن كل الحوافز المتوفّرة قد استفادت منها ولايات أخرى وبالدرجة الأولى الجهات الساحلية ولو أن العديد من البرامج لم تكن بالمرة موجهة إلى هذه الجهات .
ومن الأشياء الهامة التي أشار إليها المخطط السابع للتنمية وسعى إلى إصلاحها إقراره بمحدوديّة أداء الإدارة الجهويّة ذلك أن:
* الاعتمادات المتوفّرة للمجالس الجهويّة لا توفّر إمكانات تطوّر فعلها
* ضعف الإمكانات البشريّة والماليّة للبلديّات يُعيق إمكانات التنمية المحليّة
* تقسيم مختلف القطاعات الوزاريّة وكذلك دواوين التنمية غير متناغم مع الولايات.
غير أن الإجراءات المتخذة في هذا الجانب كانت محدودة للغاية في مستوايي اللامحوريّة واللامركزيّة الشيء الذي أعاق الهياكل المحليّة بالولاية كالمجالس الجهويّة أو البلديّات عن المساهمة في التنمية وبلورة توجهات تنمويّة تتماشى مع الإطار التنموي العام انطلاقا من الخصوصي والمحلّي وقد تغيبت تماما مسألة الديمقراطية المحلية الشيء الذي جعل من مفهوم اللامركزية مفهوما مفرغا من مضامينه الأساسية المبنية على الاستقلالية، مفهوما عاما وفضفاضا ويحسب في أفضل الحالات على اللامحورية .
يكمن الإشكال في نوعية وطبيعة آليات معالجة الوضع التنموي في كل جهة، وهي مسألة تتجاوزالبعد الاقتصادي وحده في إصلاح اللاتوازنات التنموية بين الجهات فالإشكال الحقيقي له علاقة بالقرارالسياسي، وبكيفية تمريره على المستوى الجهوي، لقد تم تجاهل هذه المسألة وبقي القرار مركزيا ويختزل دور الجهة في تقديم بعض الاقتراحات والاجتهاد في البحث عن أفضل الوسائل لتطبيق القرارات المركزية التي لها علاقة بالطبع بالجهة.
ويكمن الإشكال الآخر في هذه التقلبات المتعددة التي أصبحت من العلامات المتميزة للمسار التنموي في تونس، فكل عشرية تنموية تختلف نوعيا عن العشرية السابقة بل إن الاختلافات أصبحت تسجل بين مخطط وآخر، وفي كل مرة يتم تبرير الاختلاف للرأي العام وبكون التوجهات الجديدة هي الأفضل على الإطلاق وكون المسار التنموي أخيرا فوق السكة الصحيحة، ويتكرر لاحقا نفس الخطاب مع المخطط الجديد، بالطبع من الممكن جدا أن يتغير المسؤول عن قطاع ما ولكن الإطار الإداري والفني في المستوايين المركزي والجهوي يحافظ على نفس مواقعه لينخرط هو الآخر في توجه جديد يتطلب ثقافة جديدة ومعرفة وتقنيات جديدتين وأسلوب عمل مغاير هذا علاوة على الاقتناع والاستعداد التلقائي لإنجاح المسار الجديد ، فهذا ، يمكن أن يحصل بالنسبة لموظف أو إطار فني مرة أو مرتين كامل حياته المهنية ولا يمكن أن يتكرر بين الحين والآخر، لهذه الأسباب كان أداء الإدارة محدودا ولم يرتق إلى مستوى الإنتظارات التنموية، فإعادة تأهيل الإدارة من المسائل الأساسية في مثل هذه الحالات حتى تتوفر لها القدرة على مسايرة التحولات الجديدة التي يشهدها المثال التنموي.
4/3ضرورة النهوض بالجهات الداخليّة:
لقد حظي البعد الجهوي بمكانة متميزة في خطاب ووثائق المخطط الثامن للتنمية 1992-1996، إذ لم يعد بالإمكان المواصلة في نفس التوجهات التنموية لأن الانعكاسات ستكون وخيمة على المسار التنموي ككل، فالإشكال يتجاوز مختلف الخلفيات والمرجعيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، انه إشكال بالدرجة الأولى سياسي، ويجب أن تكون المعالجة سياسية أي خارج مجال الضوابط الاقتصادية مثلا والتي تهتم بالجدوى والمردودية كما أن الحلول السابقة التي لها علاقة بالبرامج الظرفية المحدودة لم تعد ممكنة، فالجواب إذا يتطلب رؤى مغايرة للتنمية الجهوية تتأسس على ما يمكن اعتباره بالديمقراطية المحلية.
لقد تناول هذا المخطط بالبحث في آليات تناول التنمية الجهويّة ، فللمرّة الأولى تحظى التنمية الجهويّة بمكانة تضاهي التنمية القطاعيّة ، إذ تمّ إفراد مجلّد خاص يهتم بهذا المجال ولعلّ السبب في ذلك يعود:
/1 لكون الدولة استثمرت بالفعل في الجهات الداخليّة ولو لم يكن الدور الذي قامت به الدولة في المجال التنموي بالنسبة للجهات الداخلية لكانت الوضعية كارثية وفق كل المؤشرات والضوابط غير أن الحلول المقترحة كانت محدودة،وربما يعود ذلك للاهتمام بالجوانب التقنية وإهمال العديد من الجوانب الأخرى كالسياسية أو السوسيولوجية فقد بقيت العلاقة بين المركز والجهة علاقة عمودية في حين أنه من المفروض أن تكون أفقية.
/2 لتعدّد وتنوع البرامج التنموية التي تهدف إلى الحدّ من اللاتوازنات التنمويّة الجهويّة، ويعكس التعدد والتنوع محدودية هذه البرامج وعدم قدرتها على توفير الحلول العملية القادرة على الارتقاء بالأداء التنموي للجهات الداخلية لارتفاع نسق النموّ اللامتوازن بين الجهات، فبحساب نسب التباعد فان نمو الشريط الساحلي يتجاوز في بعض الحالات الخمسة أضعاف وذلك بالنسبة لنمو الجهات الداخلية، التي تنمو بوتيرة محدودة.
/3 تبين مختلف المعطيات أن النمو اللامتوازن أصبح يهدّد أكثر فأكثر التمشّى التنموي العام نظرا للسرعة غير المتوازنة التي تميزه وهو ما يعكس مواقع التعطل أحيانا والانقطاع الذي يعاني منه نسق النمو في الجهات الأقل حظوظ والتي بفعل التراكمات ستصبح أكثر تكاليف.
/4 أصبح الشريط الساحلي يعاني هو الآخر من انعكاس اللاتوازنات فقد برزت الانعكاسات السلبية للنمو العمراني العشوائي وارتفاع نسب التلوث والهدر البيئي الخطير نتيجة النموّ غير الطبيعي للشريط الساحلي هذا علاوة على الإشكالات الاجتماعية الكبيرة التي يطرحها هذا الوضع وكذلك الإشكالات الأمنية والسياسية بشكل عام.
/5 لم يتمكن القطاع الخاص من القيام بالدور الذي كان من المنتظر القيام به وذلك لعدة أسباب سنعود إليها لاحقا المهم أن هذا القطاع لم يقم بالدور المنتظر منه ولم يصل حتى إلى مستوى تحقيق بعض النتائج ولو الهامشية بالمناطق الداخلية، لقد بقي القطاع طفيليا وولايتي الكاف وسيدي بوزيد أفضل دليل على ذلك فهذا القطاع مغيب تماما في الكثير من الولايات الداخلية لذلك يجب البحث عن آليات جديدة للتنمية الجهويّة تدعّم وتصحّح المسارات القديمة وفق منهجية تشاركية.
/6 لكون الجهات الساحليّة حافظت ولو بنسب متفاوتة على استقطاب الهجرة الداخليّة ولم يتسنّ للجهات الغربيّة توفير الحوافز الضروريّة لاستبقاء السكّان بها بتوفير مواطن الشغل وبعث مشاريع اقتصاديّة في مختلف الاختصاصات وهو ما يفسّر ارتفاع البطالة في هذه الجهات مقارنة بالمعدّل العام للبطالة ولقد شملت هذه الهجرة على حدّ السواء الرجال والنساء وتكفي الإشارة إلى الكمّ الهائل من النساء اللاتي تعملن بعديد المدن الساحلية وبالخصوص في قطاع النسيج.
/7 لعدم تطابق النموّ العمراني مع أمثلة التهيئة العمرانية التي تمّ إعدادها للغرض الشيء الذي جعل بعض المناطق تنمو بشكل عشوائي ومضطرب ومشوّه وأفرز مختلف أشكال التلوّث ومناطق أخرى تشكو من الركود والجمود والتصدّع وضعف النموّ العمراني والصناعي والخدمات.
/8 لكون النواقص التي تمّ تسجيلها في المخطط السابق والتي دعا إلى تجاوزها ومنها تفعيل المجالس الجهويّة وتدعيم البلديّات وتمكين الولاية من إمكانات أكبر في مستوى القرار التنموي المحلّى لم تتحقق ميدانيّا، فالمجالس الجهويّة تطوّرت في مستوى النصوص ولكنّها لم ترتق إلى مستوى ممارسة الديمقراطيّة المحليّة نظرا لصفتها الاستشاريّة ولمحدوديّة مواردها ولكون القرار يبقى وفي كل الحالات من صلاحيّات الإدارة المركزيّة في حين تمثل دور هذه المجالس في البحث عن آليات تطبيق هذه القرارات.
وبالنسبة للعمل البلدي الذي ينصهر في إطار اللامركزيّة، فقد كان محكوما بضعف الإمكانات الماديّة والبشريّة وبقانون البلديّات الذي يمكّن سلطة الإشراف من حلّ المجلس البلدي وتعويضه بمعتمد الجهة اذا تبيّن لها أن الأشياء لا تسير وفق ما هو مطلوب وعليه فان المجالس البلديّة لا تتوفّر على حريّة القرار، هذا علاوة على كونها لا تُغطّي العديد من المناطق بالجهات الداخليّة وتكفي هنا الإشارة إلى كون معتمديات سيدي بوزيد لا تتوفر جميعا على بلديات.
إن الإجراءات التي تمّ إقرارها تتلخص إجمالا في دعم اللامركزيّة واللامحوريّة الإداريّة وتأطير التنمية الجهويّة وتشجيع الاستثمار الخاص بالجهات الداخلية بالخصوص والبحث في آليات جديدة لتمويل التنمية الجهويّة وتحديد الخيارات القطاعيّة والتهيئة الترابيّة وبعث برامج التدخّل الخصوصيّة لفائدة المناطق ذات الأولويّة وولاية سيدي بوزيد مصنفة ضمن الولايات ذات الأولوية.
غير أن ما يدعو على الدوام للتساؤل هو أنه و بالعودة إلى المخطّطات التنمويّة السابقة نقف تقريبا على نفس التشخيص للتنمية الجهوية ونفس الإشكالات المطروحة والتي تعيق بالفعل إمكانات الإصلاح وأمام بلورة للحلول التي تفتح مجالات التجاوز، فلماذا إذن تتواصل نفس الرغبة في ضرورة إصلاح اللاتوازنات التنمويّة الجهويّة وتطوير الآليات التي تمكّن من ذلك والعكس هو الذي يحصل.
*4/4 مفهوم الإقليم وتجاهل إشكالات التنمية الجهوية:
وعلى عكس المخططات السابقة،لقد تميّز المخطط التاسع للتنمية 1997- 2001 بغياب البعد النقدي في تعامله مع نتائج المخطّط الثامن وتجنّب إثارة الإشكالات التي لها علاقة بالتنمية الجهويّة والعوائق التي حدّت من انجاز بعض البرامج في هذا المجال، فقد عدّد الإنجازات وانعكاساتها على مستوى عيش المواطنين مثل التنوير والربط بشبكة الماء الصالح للشراب... وبلور نفس الإجراءات السابقة والتي لها علاقة باللامركزيّة واللامحوريّة الإداريّة وهياكل وآليات التنمية الجهويّة والتهيئة الترابيّة والتنمية الحضريّة وإحكام البرامج الجهويّة، والعنصر الجديد يتمثل بالخصوص في إدراج مفهوم الإقليم الذي يمثل حسب المخطط »إطارا عامّا للتخطيط يسمح بطرح قضايا التنمية في نطاق نظرة موسّعة للتنمية الجهويّة ترتكز على إذكاء روح التكامل والتضامن بين الولايات بما يضمن المردوديّة القصوى للبرامج والمشاريع على أن تبقى الولاية الإطار الملائم لإنجاز مختلف البرامج والمشاريع ولمتابعة تنفيذها« إلا أنّنا لا نقف على إضافة جديدة تمكّن بالفعل الولاية من الإنجاز والمتابعة، ذلك أن مفهوم اللاتوازنات بين الجهات وكل المفاهيم المرادفة قد تغيّبت.
لقد قدم هذا المخطط قراءة ذات بعد سياسي للفعل التنموي تقوم على صور جديدة للمجتمع المتضامن الذي يجعل من هذا المفهوم آلية من آليات فعله، فالدولة غير قادرة لوحدها على معالجة اللاتوازنات التنموية بين الجهات كما أن القطاع الخاص لم يساهم في ذلك بالقدر المطلوب، المطروح إذن هو فعل مجتمعي متكامل يتأسس على التضامن تتولى الدولة فيه وظيفة التأطير والهيكلة وبرمجة التدخلات .
نلاحظ من خلال ما تمّ إقراره في المخطط العاشر بالنسبة للتنمية الجهوية :
/1 اعتماد المعتمديّة كوحدة أساسيّة للتنمية
/2 التأكيد على دور القطاع الخاص باعتباره المحرّك لعمليّة التنمية
/3 دعوة الجهات إلى الانخراط في برامج شراكة مع جهات أجنبيّة في إطار العولمة
/4 مزيد تأهيل الولايات الساحليّة لتدعيم مكانتها في الأسواق العالميّة
وما يمكن استنتاجه من خلال هذا الجرد:
/1 كون ولاية سيدي بوزيد لم تستفد من كل الإجراءات التي تمّ اتخاذها من أجل تفعيل مسارها التنموي وبالخصوص الإجراءات التي تم إقرارها في المخطط العاشر.
/2 كون التوجّهات الإصلاحية لم تمكّن من بلورة آليات فعالة تفتح المجال أمام هيكلة ولاية سيدي بوزيد في ديناميكيّة نموّ الجهات الداخليّة والجهات الساحليّة على حدّ السواء.
/3 أنّه بالرغم من الإنجازات الكبيرة التي تمّ تحقيقها على المستوى الجهوي بقي التباعد كبيرا بين هذه الجهات من حيث الإمكانيات الاقتصادية والتجاريّة، الشيء الذي انعكس على مستوى الحياة والرفاهة والترفيه ومجالات الاستثمار والحراك الاجتماعي بين الجهات الغربيّة والجهات الشرقيّة ونسب البطالة المرتفعة في ولاية سيدي بوزيد وارتفاع عدد الناّزحين وبالخصوص المهاجرين إلى الخارج ففي معتمدية سبالة أولاد عسكر على سبيل الذكر لا الحصر في كل الأسر تقريبا هناك فرد أو أكثر يعمل خارج الوطن سواء بالجماهيرية الليبية أو بأوروبا.
/4 لم توفّر الإجراءات المتّخذة للجهة وللجهات الغربيّة عموما إمكانات النموّ الذاتي بل وعلى العكس فقد ساعدت هذه الإجراءات على مزيد نموّ الجهات الساحليّة، فالجهة كوحدة اقتصاديّة تخفي اللاتوازنات بين الولايات المشكّلة لكل جهة، والنتيجة وجود منطقة محوريّة داخل كل جهة من المفروض أن تلعب دور القاطرة بالنسبة لبقيّة المناطق المحيطة إلا أن العكس هو الذي حصل فهذه المنطقة تلعب دور القطب المستوعب لفعل بقيّة المناطق وتنمو على حسابها وبقيت ولاية سيدي بوزيد خارج مدارات الفعل التنموي الجهوي.
/5 تملّص الدولة من أدوارها الاقتصادية التي أوكلتها للقطاع الخاص وهذا القطاع ينطلق بالأساس من مفهوم الجدوى والربح الآني في حين تتميّز تدخّلات الدولة بالطابع الشمولي وبعيد المدى لأن الدولة تلعب دور الفاعل الاقتصادي في المناطق الأقل نمّوا وهو ما يحصل في الاقتصاديّات الغربيّة ذات الاقتصاد الحرّ، فعلى سبيل الذكر لا الحصر الدور الذي لعبته إدارة الولايات المتحدة الأمريكيّة في تنمية منطقة »التنّسي« والمناطق المتاخمة لها والتي تعرف ببطء نموّها الاقتصادي حيث أحدثت صندوقا خاصا هي الممولة الأساسيّة له من أجل دفع الحركيّة الاقتصادية بهذه الجهة والنتيجة النموّ السريع الذي عرفته في السنوات اللاحقة، ومثل هذه الأمثلة عديدة.
/6 لم يرتق دور الدولة إلى مستوى سياستها في هذه الولاية ولا إلى الأسباب التي تم إنشاؤها من أجلها إذ يكفي النظر إلى واقع البنية التحتية في هذه الولاية وقطاع الخدمات والمشاريع الاقتصادية ومقارنتها ببقيّة الولايات ويرجع ذلك إلى غياب الاستثمارات التي توفّر مجالات تنويع المنتوج والاستفادة القصوى من الإمكانات الطبيعيّة المتوفّرة والنتيجة أن ضعف القطاع انعكس على وضع المستفيدين المباشرين منه وهم بالخصوص الفلاحين الصغار.
/7 ضعف قطاع الصناعات التقليديّة، ذلك أن هذا القطاع لم يتطوّر بسبب غياب الاستثمارات والآليات التي تدفعه نحو التجدّد الذاتي لذلك بقي يدور في نفس المدارات التي يدور فيها ولم يخترق حاجز الحلقة المغلقة والنتيجة عدم قدرة القطاع تقديم القيمة المضافة للجهة والارتقاء بأدائها التجاري والاقتصادي عموما فبعض المنتوجات التقليدية التي تحسب على الجهة أصبحت من التحصيل الحاصل تنتج في ولايات مجاورة كمرقوم سيدي بوزيد الذي أصبح ينتج بقفصة وهكذا لم يتمكن هذا القطاع من الصمود أمام منافسة منتوجات بعض الجهات الأخرى التي تتوفر على تقاليد هامة في هذا المجال ولم تكن له القدرة على إيجاد الحلول لمشاكل التسويق وتوفير المواد الأولية الجيدة وزهيدة الثمن وتكوين وتأهيل اليد العاملة وتطوير المنتوج وتجديده وتنويعه حتى يتلاءم مع مقتضيات الحياة العصرية وحاجيات السوق وذلك في جهة تفتقد للمقوّمات الصناعيّة التي تكون في العادة رافدا هاما لنمو الصناعات التقليدية والنتيجة عدم قدرة قطاع الصناعات التقليدية على توفير مجالات فعل إضافيّة لخلق مواطن شغل تحدّ من أزمة البطالة المستفحلة بكل معتمديات ولاية سيدي بوزيد.
/8 ضعف النسيج الصناعي حتى لا نقول غيابه الكلي في هذه الولاية وذلك للأسباب التي تمّ ذكرها وحتى المشاريع القليلة فقد تلاشى الكثير منها.
/9 المردوديّة المحدودة للاستثمارات العموميّة، وتعود هذه المحدودية بالخصوص للوضع الاقتصادي العام بالجهة فنفس الاستثمارات بالجهات الساحليّة تكون لها مردوديّة أكبر بسبب حركيّة الاستثمارات الخاصّة وبالتالي فان الاستثمار الخاص يلعب دورا مكمّلا إلى الآن ببعض الجهات ولم يرتق بعد إلى دور المحرّك الأساسية للجهة، وبالنسبة لولاية سيدي بوزيد كما هو الحال لعديد الولايات الشبيهة بها، فان دور الاستثمارات العموميّة أساسيّ لإفراز ديناميكيّة في الجهة وبقي هذا الدور محدودا لأنّه لم يتدعّم بل ولم يحقّق حتّى الحدّ الأدنى المطلوب.
/10 ونتيجة لكل ذلك تضخّم قطاع الخدمات باعتباره أكثر القطاعات استفادة من الاستثمارات العموميّة من المشاريع والبرامج الصغرى ولأن هذا القطاع غير مهيكل مع بقيّة القطاعات الأخرى ولكون حركيّته ونموّه لا يعكسان الوضع الاقتصادي بالجهة فقد أصبح هو الآخر يلعب دورا معيقا لتنمية الولاية وذلك للأسباب التالية:
* لأن الولاية ستسعى للعب دور يتجاوز إمكاناتها الاقتصادية نظرا لكونها بقيت تدور في مدارات الفعل الفلاحي التقليدي لا غير.
* كون الفعل الإداري لمختلف الأجهزة والهياكل الإدارية داخل الولاية تمحور في الغالب حول الإيحاء بتوفير خدمات هي بالفعل غير قادرة على تلبيتها ففي مجال التشغيل مثلا أو بعث المشاريع الصناعية يتم إقرار برامج ومشاريع هامة تكون عادة مصحوبة بتوزيع مطويّات تتحدث عن إجراءات ليست لها أيّ علاقة بواقع الجهة والسبب في ذلك يعود إلى كون هذه المطويات تمتّ صياغتها وتم إعدادها من طرف الهياكل الإدارية المركزية وتشمل إجراءات ذات بعد شمولي ليست له أي علاقة بالبعد الخصوصي للجهة.
* لكون هذه الخدمات توفّر سيولة ماليّة هامّة لا تتماشى مع الوضع المعيشي للسكّان لذلك تكون سببا في ارتفاع الأسعار وتدنّي المقدرة الشرائيّة لعديد المشتغلين في القطاعات الأخرى.
* تعتبر العديد من الخدمات المتوفرة في الولاية محدودة مقارنة مع نفس الخدمات المتوفرة في بعض الولايات الساحليّة وذلك لضعف البنية الأساسية فعلى سبيل الذكر لا الحصر في مجال الخدمات الطبيّة هناك العديد من الإصابات التي تتوجب الانتقال إلى ولاية صفاقس لمعالجتها ونفس الشيء بالنسبة للخدمات القضائية فبعض القضايا تتطلب أيضا التنقل إلى ولاية قفصة.
* أمام تضخّم البطالة تمّ إقرار العديد من المشاريع المتشابهة والتي تهدف إلى بعث مشاريع صغيرة للخدمات مثل برنامج تشغيل الشباب وبرنامج الفتاة الريفيّة وبرنامج العائلة المنتجة وبرنامج التنمية الجهويّة المندمجة ... الخ، حيث تتولّى الدولة تقديم قروض صغيرة من أجل بعث مشاريع صغرى، وقد فشلت كل هذه المشاريع لنفس الأسباب التي تم ذكرها ولأنها أيضا لم تكن تمكن بالفعل من تقديم حلول عملية لإشكالات هيكلية فلقد كانت الغاية منها تأكيد حضور الدولة وإبراز قدرتها على إدارة مختلف الملفات وخاصة الاجتماعية منها ولا يهم في هذه الحالة إن كانت الحلول المقترحة واقعية وقابلة للانجاز.
/5 آثار توجهات التنمية الجهوية على إقليم الوسط الغربي وتعميق الفوارق:
المدخل للتعرف على سيدي بوزيد هو محيطها أي جهة الوسط الغربي التي تمسح قرابة14٪ من مساحة البلاد وتعد قرابة13,7٪ من سكان الجمهورية التونسية. أما عن الخصائص الكبرى للجهة فيعرف الوسط الغربي بطابعه الفلاحي الطاغي على نشاطه الاقتصادي والمشغل ل32 في المائة من السكان، أما عن الجانب الديمغرافي فان الإقليم يشكو من التصحّر المستمر في عدد سكانه، حيث انحدرت نسبة النمو السكاني من 2,5٪ فيما بين (84-1994) إلى حدود0,43 ٪ في العشرية الموالية(1995-2005). في حين يشهد نسق نمو سكان تونس الكبرى تطورا ملحوظا من 1,5٪ إلى 2٪ في نفس الفترة، وتصل هذه النسبة إلى حدّ 3٪ في جهات الوسط الشرقي . ويدل ذلك على حركة النزوح و تحول السكان وجاذبيتهم من المناطق الداخلية للبلاد إلى المناطق الساحلية وهجرتهم إلى الخارج إذا توفرت الإمكانية لذلك.
5/1 نسب التحضر:
من أهم الخصائص التي تميّز الإقليم الغربي هو الضعف الكبير في نسب التحضر داخل الولايات المكونة له وهي من أضعف النسب في البلاد في حدود 32 ٪ في حين أن نسبة التحضر على المستوى الوطني تفوق ال 65٪. وتتميز سيدي بوزيد بأضعف نسبة تحضر بالبلاد التونسية أي في حدود 24٪، في حين تصل نسبة التحضر100٪ بكل من ولايات تونس وسوسة والمنستير، بالشمال والوسط الشرقيين .
إذا ما تمعّنا في بعض المؤشرات الدالة على مستوى العيش ومستوى التنمية، سنجد أن الوسط الغربي يكمن في آخر مرتبة بالنسبة لباقي جهات البلاد سواء كان ذلك على مستوى التجهيزات والمعدات أو في مستوى الاستثمار في الموارد البشرية وغيرها.
5/2 البنى الأساسية الأضعف بالبلاد:
كل مؤشرات البنية الأساسية هي ألأضعف في الوسط الغربي هذا مع الإقرار بالمجهودات التي ركزت على بعض التجهيزات من تنوير وتزود بالماء الصالح للشراب وغيرها إلا أن نسق مؤشرات البنية الأساسية للجهة بقى هو الأضعف وفي أخر مرتبة بالنسبة لمؤشرات الجهات الأخرى، فإن الانجازات في المقومات الأساسية الأخرى بقيت دون متطلبات التنمية ودون الحاجيات الاجتماعية والاقتصادية كما وكيفا و تنظيما و تاطيرا، كما يتبين ذلك من خلال مؤشرات الجداول التالية بما فيها المؤشرات الأكثر شمولية والأكثر دلالة على مستوى العيش كالمستوى السنوي للإنفاق للفرد
حسب ما ورد في أخر مسح وطني للإنفاق والاستهلاك قام به المعهد الوطني للإحصاء سنة 2005.
5/3 ارتفاع نسب الفقر:
وحسب ما ورد في المسح الوطني حول الإنفاق والاستهلاك ومستوى عيش الأسر سنة 2005 فان نسبة الفقر مرتفعة جدا بمنطقة الوسط الغربي 12,8 ٪ وهو ما يقارب ثلاثة مرات ونصف النسبة الوطنية 3,8 ٪ كما يبيّن ذلك الجدول التالي:
لقد زاد في تأزّم الأوضاع التنموية بإقليم الوسط الغربي ضعف القطاع الفلاحي نتيجة تشتّت الملكيّات وعدم قدرة الفلاحين الصغار على مجابهة الحاجات المتزايدة للفلاحة من أجل الارتقاء بالمحصول الزراعي وعدم توفّر البدائل التي تمكّن من مجابهة مثل هذا الإشكال، لهذه الأسباب فان نسبة الفقر تهم العاطلين والعملة الفلاحيين والفلاحين وهذه الأصناف الثلاثة لها حضور مميز بالولاية، يبيّن الجدول التالي نسبة الفقر حسب الصنف المهني والاجتماعي لرئيس الأسرة وذلك وفق المسح الوطني حول الإنفاق ومستوى عيش الأسر لسنة 2005.
5/4 الوسط الغربي: مستوى العيش الأدنى في البلاد:
إن البيانات المذكورة بالجداول التالية بخصوص تطور مستوى الإنفاق السنوي للفرد تعتمد مؤشرا ذا دلالة كبرى لمستوى عيش الأسر ولمدى تطورها وتطور الجهة. فكثيرا ما يعتمد في تقدير وتقييم الفوارق الجهوية.
إذا نظرنا إلى تطور نسق الإنفاق السنوي للفرد الواحد في إقليم الوسط الغربي نلاحظ:
أ) انه يمثل أضعف مستوى للإنفاق الفردي منذ أواخر التسعينات.
ب) وانه يمثل كذلك أضعف نسبة تطور، 4,6 بالمائة بين سنتي2000و 2005 وأصبح في أخر مرتبة في تدني مستوى الإنفاق بعد أن كان الشمال الغربي هو الذي يتميز بأدنى مرتبة في فترة ما قبل 1990. ولما كان التركيز في التسعينات على الجهات الغربية وعلى الشمال الغربي بصفة خاصة، بإقرار عدة برامج منها برنامج التنمية الريفية المندمجة والتنمية الحضرية المندمجة ارتفع مستوى الإنفاق الفردي والدخل الأسري في الشمال الغربي وتجاوز مستوى الإنفاق في الوسط الغربي. وبمجرد انتهاء تدخل هاته البرامج رجعت دار لقمان إلى حالها وانخفضت نسبيا نسب تطور الاستهلاك. ولئن كان لهاته البرامج أثرها الملحوظ بجهتي الشمال الغربي والوسط الغربي على مستوى الاستهلاك والمداخيل بصفة مباشرة، إلا أنها لم تركز شروط الاستدامة للتنمية وللاستثمار.
ج) ولئن ارتفع مستوى الإنفاق الفردي السنوي في الوسط الغربي من 502د إلى 1138 د بين سنتي1990 و 2005فاللاتوازنات بقيت قائمة بل اتسعت الفوارق بين الجهات. ففي عام 1990 كان مستوى الإنفاق في الوسط الغربي يضاهي مستوى الإنفاق في الشمال الغربي وفي الجنوب الغربي كما كان يمثل نصف مستوى الإنفاق داخل إقليم تونس وثلثي مستوى الإنفاق بالنسبة للوسط الشرفي. ثم جاءت برامج التنمية الجهوية المندمجة الجيل الثاني في فترة ما بين 1995-2000، والتي ركزت بالأساس على الجهات الغربية المتخلفة، فتطور نسق الاستهلاك بالشمال الغربي ب:10,3٪ وفي الوسط الغربي ب (٪9,2).
وبانتهاء هاته البرامج عاد نسق تطور الإنفاق في الوسط الغربي إلى الانحدار في العشرية الموالية 2000-2005 حيث سجل انخفاضا كبيرا إلى حدّ 4,6٪ وهي أضف نسبة تطور للإنفاق جهويا ووطنيا بما أن نسبة التطور الوطني لمستوى الإنفاق السنوي تمثل 6,5٪
بعد عقد ونصف أي في عام 2005 تطور مستوى الإنفاق في كل الجهات، وكان نصيب الوسط الغربي أضعف نسبة في التطور ولم تتقلص الفوارق بين الإقليم الغربي والجهات الأخرى، بل من المؤسف أن نشهد تعميق الفجوة لا سيما مع بعض الجهات الداخلية.
5/5 محاولة محدودة وغير كافية لتعديل اللاتوازن في التسعينات:
* مشاريع التنمية الجهوية الريفية والحضرية المندمجة ( PDRI 2, PDUI):
إن محاولة شرح أسباب تخلّف جهة الوسط الغربي عن الجهات الأخرى تستوجب الرجوع شيئا ما إلى الوراء لمعرفة طبيعة السياسات التنموية المتتالية التي تكرست داخل البلاد وبالوسط الغربي بالذات ومقابلة هذه السياسات بالخطاب الرسمي الذي ذكرنا به من خلال مخططات التنمية حتى يتسنى التحليل والنظر في مدى تواجد أم انعدام مقومات وإمكانيات التنمية الفعلية بالجهة وبولاياتها وحتى يكون التفكير في الآليات التي تتخطي العقبات وتتجاوزها وبالتالي تمكن من الالتحاق بنسق النمو الوطني.
فإذا ما راجعنا خطاب المخططين السابع والثامن وهي مرحلة الإصلاحات الهيكلية نجد كما ذكرنا سابقا تركيزا على ضرورة النهوض بالجهات الداخلية تحسبا لما لا يحمد عقباة. وكان بالفعل لسياسات التنمية الجهوية آنذاك في التسعينات أثر واضح في الجهات الداخلية بالبلاد لاسيما عبر تدخلات برنامج التنمية الريفية المندمجة (2 PDRI) وبرنامج التنمية الحضرية(PDUI) رغم كل النواقص التي تشكو منها هاته البرامج.
وسنعتمد في منهج تحليلنا الدراسة التي أنجزت تحت إشراف المندوبية العامة للتنمية الجهوية، بهدف تقييم هاته البرامج وبهدف وضع التصورات الأوليّة للبرنامج الجديد للتنمية الجهوية المندمجة، وهي أعلى مصلحة منسقة للبرنامج.
لقد تضمن برنامج التنمية الريفية المندمجة الجيل الثاني عدة برامج تصل إلى 109 برنامج موزعة على 22 ولاية، انطلقت في بداية التسعينات وقد استفاد منها 14000 فلاح وصائد سمك وحرفي بالمناطق الريفية، كما تضمن برنامج التنمية الحضرية المندمجة 32 مشروعا وقعت انطلاقتها في 1993-1995-1997، تم توزيعها على 17 ولاية و 31 عمادة استفاد منها 8400 مواطن من المهن الصغيرة والحرفيين في المناطق الحضرية.
وتشمل هذه المشاريع البنية الأساسية، التنوير،التشجير، الماء الصالح للشراب، التجهيزات العمومية، كما تشمل دعم الإنتاج الفلاحي بالبلاد وتعمل على تطوير دخل الفلاحين، وخلق مواطن شغل في مناطق المشروع، كما تهدف تحسين ظروف العيش والحدّ من وطأة الفقر في المناطق الريفية النائية.
لقد خضع التوزيع الجغرافي للاستثمارات بالنسبة لهذه المشاريع، إلى أولويات البرنامج والمؤشرات المعتمدة لانتقاء مناطق المشاريع، حسب الأولويات العامة لخطط التنمية بأبعادها الجهوية أي الجهات الجبلية والجهات الغابية والجهات الحدودية.
وقد تحققت انجازات هذه البرامج في فترة ما بين 1993-1999 بفضل حجم من الاستثمارات يساوي 351,84 مليون دينار منها 266,50 م د مخصصة لبرنامج التنمية الريفيّة المندمجة و85,34 م د . لبرنامج التنمية الحضرية المندمجة. وتهدف هذه البرامج إلى دعم التشغيل ونمو الدخل وتحسين ظروف العيش وتطوير البنية الأساسية، وتستهدف في ذلك المناطق المتخلفة سعيا إلى إعادة توزيع الاستثمار لصالح المناطق ذات الموارد الطبيعية المحدودة.
في هذا السياق وطبقا لأولويات الخطة، تمتعت جهات الشمال والوسط الغربي بأغلبية استثمارات مشاريع التنمية الريفية المندمجة وذلك بنسبة 54 بالمائة ( 30 بالمائة في الشمال الغربي و24 بالمائة في الوسط الغربي) وتمتعت جهات الشمال الشرقي والوسط الشرقي والجنوب الشرقي والجنوب الغربي بأقساط أقل بكثير من هذا الحجم ، ووفق النسب التالية لكل جهة، 15٪ في الشمال الشرقي، 11٪ في الوسط الشرقي، 11٪ في الجنوب الشرقي وأخيرا 9٪ في الجنوب الغربي.
رغم الصعوبات التي أحاطت بهذه البرامج والنقائص التي وقع ذكرها في الدراسة التقييمية، فإنه يبقى واضحا وجليا أن الشمال الغربي والوسط الغربي قد استفادا مليا من هذه المشاريع في النصف الأول من التسعينات كما يتجلى ذلك في آثار الاستثمارات وفعاليتها التي تركزت في هذه الجهات الداخلية بصورة خاصة والتي انعكست في ارتفاع مستوى العيش حيث تطور الاستهلاك بين 1995 و 2000 في الشمال الغربي بنسق 10٪ وفي الوسط الغربي بنسق 9٪، وهي أرفع نسب في هذه الفترة وذلك بالمقارنة مع الجهات الأخرى حيث بقيت نسب نمو استهلاك الفرد تتراوح بين 4,4٪ و 8٪ .
إلا أن هذا التقدم النسبي الذي شهدته الجهة في مستوى عيشها خلال هذه الفترة المحدودة تراجع نسبيا بنهاية هذه المشاريع وذلك في الفترة التالية 2000-2005 و تراجع الوسط الغربي تبعا لذلك إلى آخر مرتبة في تطور نسق الاستهلاك الذي انخفض إلى 4,6٪، في حين أصبح نسق نموّ الاستهلاك في الجنوب الشرقي 10,7٪ مع العلم أن نسق نمو الاستهلاك الفردي على المستوى الوطني يمثل في نفس الفترة 6,5٪.
وبقي الوسط الغربي يتميز بأضعف مستوى في الإنفاق السنوي للفرد وذلك ب 1138 د أي أنه لا يتجاوز 60 بالمائة من المستوى الوطني.
ومن الخاصيات الأخرى للجهة، الطابع الريفي السائد داخل ولاياتها، لا سيما في سيدي بوزيد، حيث يشير المسح الوطني للإنفاق والاستهلاك أن مستوى الإنفاق السنوي للفرد في الريف يقدر ب 890 د مقابل 1161 على المستوى الوطني.
أما عن عملية التمويل والتصرف لهذا المشروع، فكان مصدرها التمويل الأجنبي بنسبة 57٪ (الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، البنك الإفريقي للتنمية، والبنك الإسلامي للتنمية) والتمويل الوطني من الميزانية العامة 38٪ و 5٪ من التمويل الذاتي.
أما عن تسيير المشروع فقد تم عبر اتفاقيات الإطار- التي أبرمت بين وزارتي التنمية والتعاون الدولي من جهة والمجالس الجهوية، وزارة الفلاحة ووزارة التجهيز، الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل والبنك الوطني الفلاحي من جهة أخرى.
/6 الخطة الحالية: برمجة الاستثمارات تعمق الفجوة بين الجهات:
لقد اتجهت سياسات التنمية الجهوية للدولة في المخطط العاشر والحادي عشر إلى إعادة النظر في سياسات التنمية الجهوية السابقة، فجاءت عدة تدابير حسب ما تشير له الوثيقة التوجيهية للمخطط الحادي عشر منها ما يشمل:»الإطار المؤسساتي للتنمية الجهوية ... والمتمثلة بالخصوص في تدعيم التعددية داخل المجالس الجهوية وذلك بضمان تمثيل أحزاب المعارضة فيها بنسبة 20٪ من مجموع أعضائها، وكذلك تدعيم تمثيلية الجهات في إطار مجلس المستشارين... وإعطاء الجهات مسؤوليات اكبر في مجال النهوض بالاستثمار الخاص من خلال إحداث الهيئات الجهوية لبعث المؤسسات... ومضاعفة رأس المال للشركات الجهوية للاستثمار وإحداث مراكز أعمال بكل ولاية في أفق 2009...«..
هذه التدابير التي أقرتها الدولة على أهميتها تبقى مدى فعاليتها ومدى نجاعتها رهينة عدة شروط.
أولا، لا بد من وضع خطة لضمان ترجمة هذه التدابير داخل كل الأطر المؤسساتية لكل الجهات والولايات، وفي هذا المجال يتعين وضع آليات لتقييم ذلك بطريقة تشاركية مع المواطنين، حتى يتسنى إدراك الاستفادة الحاصلة لكل جهة و لكل ولاية من ناحية الموارد سواء كانت مادية أو بشرية. ولا بد من نشر هذه التقييمات وإضفاء الشفافية عليها.
أما على صعيد الاستثمارات فقد تم خلال المخطط العاشر تحقيق حجم جملي من الاستثمارات بقيمة 27406 م د تتوزع بين الجهات الشرقية بنسبة 77,6٪ والجهات الغربية بنسبة 22,4٪ ، وتعتبر هاته النسبة الأخيرة ضعيفة جدا إذا ما قارنناها بنسبة السكان بالمناطق الغربية .
وقد تم انجاز 17769 م د من جملة هذه الاستثمارات من قبل القطاع الخاص أي بنسبة 65٪.
ولما كان الاستثمار الخاص يمثل 70,3٪ من جملة الاستثمارات بالجهات الشرقية فهو لن يتجاوز 45,9٪ بالجهات الغربية. مما يدل على أن الجهات الغربية لم تتمكن بعد، بما هو مطلوب، من استقطاب الاستثمار الخاص. وفي نفس الوقت لم تستفد الجهات الداخلية سوى 34٪ من الاستثمار العمومي.
وبهذا التوجه قطعت خماسية المخطط العاشر مع بداية التمشي في معالجة اللاتوازنات الجهوية لمطلع التسعينات بالتركيز الخاص على الجهات الداخلية.
واستمرت توجهات المخطط الحادي عشر لفترة ما بين 2007-2011 في نفس المنهج، حيث كان نصيب الوسط الغربي من حجم الاستثمارات المبرمجة يمثل 1948 م د (من ضمنها43,5 ٪ استثمارات القطاع العام )، في حين يقدر حجم الاستثمارات بالشمال الشرقي ب 16583 م د (من ضمنها 35 ٪ قطاع عام )، وهو ما يمثل 8.5 مرات حجم الاستثمارات بالوسط الغربي. ويمثل حجم الاستثمارات بالوسط الشرقي 6108 م د، أي أكثر من ثلاث مرات حجم الاستثمارات بالوسط الغربي (من ضمنها19 ٪ قطاع عام ) أما حجم الاستثمارات بالشمال الغربي فهو يمثل 2654 م د (من ضمنها 53 ٪ قطاع عام ) ولم يختلف كثيرا عن حجم الاستثمارات بالوسط الغربي.
وإذا احتسبنا نصيب كل مواطن من الاستثمار الجهوي في كل جهة (باعتبار حجم الاستثمارات بالجهة على عدد سكانها) ، فسنجد أن الاستثمارات المقدرة في المخطط قد خصصت أضعف نسب الاستثمارات للفرد الواحد لأفقر جهة بالبلاد، الوسط الغربي.
فبالنسبة لخماسية المخطط 11 سيكون نصيب الفرد من الاستثمارات 1,4 ألف د ينار في الوسط الغربي و 4,4 أ د في الشمال الشرقي أي بأكثر من ثلاثة مرات حجم الاستثمارات بالوسط الغربي، و 3,8 أ د بالجنوب كما سيكون نصيب الفرد من الاستثمارات 2,68 أ د بالوسط الشرقي و 2,18 أ د بالشمال الغربي، وكلها تتجاوز بكثير حجم الاستثمار للفرد الواحد في الوسط الغربي وكأنه من أقل الجهات احتياجا وكأنه في غنى عن تعزيز البنى التحتية ودعم القطاعات المتدنية، والحال كما تبين كل الدلائل والمؤشرات أن الاحتياجات إلى مقومات الاستثمار والتنمية تكمن في هاته الجهة أكثر من أي جهة أخرى.
ولا يكمن الإشكال بالوسط الغربي في مسالة ضعف حجم الاستثمار فحسب بل وأيضا يتمثل في ضعف نسبة الاستثمار العمومي الذي يضاهي 43٪ من حجم الاستثمار بالجهة، فنكون في وضع أضعف الأضعف، في حين تشكو الجهة من نقص كبير في البنية الأساسية وفي التجهيزات وهي في أمسّ الحاجة إلى الدعم العمومي والى النهوض بالفلاحة والى تشجيع الصناعات التحويلية، وباعتبار تدني مستوى دخل الأسر فهو لا يسمح بتجميع إمكانيات كبيرة من الادخار العائلي أو المؤسساتي تؤهله بان يقوم وبان يلعب دورا محوريا وأساسيا في تنمية الجهة بدون تدخل الدولة بشكل أو بأخر. هذا وقد بينت انجازات المخطط العاشر أن نسبة انجاز الاستثمارات الخاصة تكون 75 في المائة مما يدل على ضعف هياكل استقبالها واحتضانها وهي دون نسبة انجاز القطاع العمومي بكثير والتي تتجاوز 90٪.
وبخصوص الجانب المؤسساتي للتوجهات الحالية فالتدابير التي أقرتها الدولة بالرغم من أهميتها فإن فعاليتها ونجاعتها تبقى رهينة توفير عدة شروط أساسها دمقرطة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
أما في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للتنمية الجهوية فان توجهات سياسات التنمية الجهوية الريفية والحضرية المندمجة (PDRI 2-PDUI) في التسعينات كانت لها آثار ايجابية على مستوى عيش الأسر في الجهات الداخلية بالبلاد وبدأ التمشيّ نحو تقليص الفجوة بين الجهات الغربية والجهات الشرقية وبصورة خاصة بالنسبة للشمال الغربي. لكن هذا التركيز على الجهات الأقل حظوظا سرعان ما انقطع قبل أن تعدل الكفة وقبل أن يقضى على اللاتوازنات العميقة.
إن برنامج الاستثمار الجهوي الحالي وكيفية توزيعه على الجهات يدعو إلى إثارة عدة تساؤلات حول طبيعة هذا التوزيع، حيث نجد الجهة الأكثر تخلفا والأقل حظوظا ،أي الوسط الغربي هي آخر مستفيد من هذه الاستثمارات، فتكون بذلك عملية التنمية ليست معالجة لانعدام التوازنات ولامتصاص الفجوة بين ولايات الوسط الغربي والجهات الأخرى بل عبارة على إعادة إنتاج للتفاوت بين الجهات ولإعادة صياغة اللاتوازنات القائمة بينها وبين الولايات الأخرى وتعميقا للفوارق بينها.
لقد واصل المخطط الحادي عشر للتنمية نفس التمشي الذي سلكه المخطط العاشر، فتغيب البعد النقدي وتم التأكيد بالخصوص على ما تم انجازه وما سيتم انجازه في السنوات اللاحقة ، فلم يتم البحث مثلا في العوائق التنموية في الجهة ولم يتم تقديم تقييم فني دقيق عن كل ولاية وبقي البعد الجهوي والمحلي عموما في أجوبة عامة ورؤى شمولية وتصورات مركزية .
* اعتبر المخطط الحادي عشر أن ما تم انجازه خلال المخطط العاشر له علاقة ب:
* تطوير الإطار المؤسساتي للعمل الجهوي والمحلي وذلك من خلال دعم تركيبة المجالس الجهوية وضمان تمثيلية أحزاب المعارضة في حدود ال20 ٪ ، إلا أنه تمت المحافظة على الصبغة الاستشارية لهذه المجالس والحال أنه كان من المفروض دعمها في إطار اللامركزية.
* تطوير وتأهيل البنية الأساسية والعناية بمحيط الإنتاج والأمر يتصل هنا بتطوير شبكة الطرقات ووسائل وآليات المواصلات وتهيئة وتأهيل المناطق الصناعية ودعم شبكات التطهير والعمل على الحد من التلوث وفي هذا الإطار فان الشريط الساحلي كان المستفيد الأول من جملة هذه الإجراءات، فالبعد الجهوي يبقى بعدا شموليا ويشمل كل المناطق دون أي استثناء والمناطق المؤهلة أكثر من غيرها للاستفادة من مختلف البرامج التنموية الجهوية هي المناطق الساحلية وما يلاحظ هنا هو إعادة إنتاج الأبعاد التنموية المركزية في أشكال جهوية لا غير.
* النهوض بالموارد البشرية، في هذا الإطار نقف على نفس الملاحظة السابقة حول آليات التعامل مع المناطق الداخلية فالإشكال هنا يبقى مطروحا والأهم من ذلك هو أن البرامج الجهوية خضعت إلى مسألة الجدوى والمردودية وبقي الشريط الساحلي وتحديدا بعض الولايات في هذا الشريط هي الأكثر استفادة من هذه المشاريع.
* تطوير الدخل وتحسين ظروف العمل وهو إجراء لا يهم ولاية دون أخرى بل ينصهر في التوجهات التنموية العامة التي تهدف إلى الحدّ من البطالة وتحسين الأجور والارتقاء بظروف العيش والرفع من أداء مختلف المؤسسات الصحية والاستشفائية.
* النهوض بالمبادرة ودفع الاستثمار الخاص بالجهات، لقد تم إحداث الهيئات الجهوية لبعث المؤسسات، وإنشاء 12مركزا للأعمال وإحداث شبابيك موحدة للاستثمار ومراكز جهوية للعمل عن بعد ومحاضن للمؤسسات بالمعاهد العليا للدراسات التكنولوجية وبالمعاهد العليا للفلاحة كما تم انجاز أقطاب تكنولوجية قصرا بالشريط الساحلي والعمل على بعث ثلاثة أقطاب بكل من قفصة وجندوبة ومدنين، علما وأن أقل الجهات التي استفادت من هذه الإجراءات هي جهة الوسط الغربي ومن بين ولايات هذه الجهة لم تستفد تقريبا ولاية سيدي بوزيد من أي إجراء، فكيف يمكن في ظلّ هذا الوضع مطالبة المستثمرين والباعثين الصناعيين بالاستثمار والعمل في هذه الجهة وفي هذه الولاية تحديدا؟.
* مواصلة العناية بالمناطق ذات الإشكاليات الخصوصية: وتعتبر هذه البرامج موجهة للولايات الأقل نموا على اعتبار كونها تشمل الجيلين الأول والثاني من برامج التنمية الريفية المندمجة إلا أن حجم الاستثمارات لم يرتق إلى مستوى الحاجات والإنتظارات ولم تمكن بالفعل من توفير شروط فعل تنموي متكامل يدور في مدارات محلية وجهوية وإقليمية.
* المشاريع الرئاسية التي تم إقرارها خلال إشراف رئيس الدولة على الجلسات الممتازة للمجالس الجهوية وتشمل 15ولاية وهي مشاريع محددة تم توفير اعتماداتها وآجال انجازها والولايات المعنية لا تخضع لأي تصنيف.
* دفع التعاون الدولي اللامركزي ويشمل الأمر مختلف برامج الشراكة مع عديد الأطراف الأجنبية في عديد المجالات كتدعيم هياكل التنمية الجهوية وبعث برامج ذات أبعاد تنموية محلية والإشكال هنا له علاقة بقدرة كل ولاية على الاستفادة من مثل هذه البرامج ذلك أن إقليم الوسط الغربي هو أقل الأقاليم استفادة من برامج التعاون هذه في حين لاتزال ولاية سيدي بوزيد ومختلف معتمدياتها في حاجة إلى الدعم وتوفير الهياكل القادرة على بلورة حاجيات متناغمة مع هذه البرامج كما هو الحال بالنسبة لعديد الولايات .
ومن أهم الاستنتاجات التي وصل إليها تقييم المخطط العاشر والتي لها علاقة حسب رأينا بالواقع التنموي بسيدي بوزيد :
* محدودية مساهمة الاستثمار الخاص بالجهات الغربية -17في المائة من مجموع الاستثمارات في القطاع الخاص وبالنظر إلى ولاية سيدي بوزيد فان حجم هذه الاستثمارات يكاد يكون منعدما وذلك لعدة أسباب تناولنا البعض منها وسنعود إليها لاحقا لأنها في اعتقادنا من أهم الإشكالات التنموية التي تواجهها هذه الولاية وهي عزوف القطاع الخاص عن الاستثمار من ناحية ورهان الدولة على الدور الذي يمكن أن يقوم به هذا القطاع في المسار التنموي عموما والتنمية الجهوية بشكل أدق .
* تواصل ظاهرة الهجرة الداخلية نحو المناطق الساحلية فالعديد من معتمديات سيدي بوزيد مثلا تعرف نموا ديمغرافيا سلبيا والإشكال له علاقة بكل الجهات الداخلية تقريبا وهو انعكاس للوضع التنموي بهذه الجهات.
* عدم مسايرة بعض المؤشرات التنموية للمعدل الوطني ممّا يعكس إلى حدّ كبير تدني الخدمات التي تقدمها هذه الجهات الشيء الذي يفسر محدودية مساهمة الاستثمار الخاص بالجهة ونموّ ظاهرة الهجرة الداخلية.
* قلّة وجود دراسات تنموية وقطاعية شاملة لإبراز خصوصيات وإمكانيات الجهات وفي هذا الإطار تتزل هذه الدراسة التي يشرف عليها قسم الدراسات بالاتحاد العام التونسي للشغل وهي دراسة سبقتها دراسات أخرى تخص ولايتي قفصة والكاف .
* تعدد مساندة الاستثمار الخاص وضعف التنسيق بينها وهنا يرتبط الإشكال بالإطار الإداري والإدارة التنموية عموما.
* ضعف انخراط المجتمع المدني في العمل التنموي الجهوي والمحلي، وهذه من المعضلات الأساسية التي تعيق الأسلوب التنموي التشاركي ونعتقد أن السبب يعود إلى مركزة القرار واحتكاره داخل الهياكل المركزية والإكتفاء على المستوى الجهوي بتطبيق ما تم إقراره على اعتبار أن المجالس الجهوية هي هياكل استشارية لا غير، زد على ذلك انعدام آليات الممارسة الديمقراطية على المستوايين المحلي والجهوي الشيء الذي ينعكس بالضرورة على أداء المجتمع المدني.
* ضعف إقبال الكفاءات للعمل في المناطق الداخلية، فبالرغم من صحة هذه الملاحظة يبقى السؤال الأهم هو لماذا تهجر كفاءات هذه الجهة إلى الجهات الأخرى؟ ونتساؤل أيضا في نفس الإطار عن آفاق العمل والحوافز التي يمكن توفيرها للكفاءات من جهات أخرى لتقبل على العمل في هذه الجهة؟ وتبقى في هذا السياق قضية تحفيز الاستثمار في الولاية من المسائل المحورية التي تشغل بال المتساكنين لاسيما وقد وقعت في المرحلة الأخيرة مراجعة خريطة الحوافز بالمناطق ذات الأولوية حيث تقلصت النسبة في الولاية إلى 15 ٪ بعد إن كانت 25 ٪ فيصبح المستثمر يخير الادخار. ويتساءل المهتمون بالشأن العام في سيدي بوزيد على أي أساس اتخذ هذا الإجراء في التخفيض في خريطة الحوافز بالمناطق التي لا زالت محرومة، مثل المزونة وبوزيد الغربية وبوزيد الشرقية وأولاد حفوز والرقاب.
ومن ناحية أخرى يمكن اعتبار ذلك من بين أسباب محدودية استغلال آليات التعاون الدولي اللامركزي.
7/7 برنامج التنمية الجهوية المندمجة ومسألة اللامركزية :
إن التصوّر والمفهوم الجديد للتنمية المندمجة ( PDI) في خطواته الأولى وهو في طور الدراسة ويهدف مبدئيا إلى ترتيب المعتمديات ذات الأولوية ومناطق التدخل وانطلاقا من تجارب البرامج التنموية المندمجة التي تجسمت من خلال تدخلات برنامجي التنمية الريفية والحضرية المندمجة، وتبعا لمقتضيات المرحلة المقبلة التي تتطلب مساهمة مختلف الجهات لتحقيق النموّ المستديم والشامل وذلك بالعمل على كسب رهان التشغيل ودعم مقومات التنمية بالمناطق ذات الأولوية تم إقرار إنجاز برنامج التنمية المندمجة من قبل رئيس الدولة بتاريخ 10 سبتمبر 2002 ، وإعتمادا على ما أفرزته الدراسة التقيمية في مرحلة ما بعد الإنجاز للجيل الثاني من برنامج التنمية الريفية المندمجة من أهمية مواصلة إنجاز برامج تنمية خصوصية تعتمد المعتمدية كوحدة تدخل وتهدف إلى وضع تدخلات تهم الوسطين البلدي وغير البلدي في ذات الوقت، وقد أذن رئيس الجمهورية بتاريخ 20 مارس 2006 بتخصيص 500 م د لتنفيذ البرنامج الجديد للتنمية المندمجة خلال العشرية المقبلة (2007 / 2016).
وعلى الرغم من الصعوبات والنقائص التي لاقتها تجارب البرامج التنموية المندمجة السابقة فقد سجلت حسب ما ورد في الدراسة التقييمة نجاحات هامة في مستوى محاور الأهداف التي رسمتها، وذلك بخصوص بعث حركية التنمية، وخلق مواطن الشغل، والترفيع في مستوى المداخيل، وتحسن الإنتاج وتحسين ظروف العيش.
ومن أهم المآخذ التي سجلتها الدارسة في مستوى التصور والتصرف »نجد مسألة اختيار المنتفعين والتي يحددها ضعف هذه المداخيل بهدف الترفيع فيها طبقا لخيارات ذات طابع اجتماعي أكثر منه اقتصادي لكونه لا يمكن من التنمية الجماعية والجمعاوية، ومن ناحية أخرى يشكل تشتت موارد التمويل الخارجي عوائق أمام قبول المشاريع، كما أن نسبة تغطية القروض كانت في أغلب الأحيان ضعيفة«...
وتهيئ نتائج هذه الدراسة إلى تصور جديد للتنمية الجهوية، وهو تصور يقوم على -التنمية الجهوية المندمجة- والذي اعتمدته التوجهات الجديدة التي توخّتها الدولة في بداية المخطط الحادي عشر.
* التنمية الجهوية المندمجة:
أ) الأهداف التي يرمي لها البرنامج:
تتمحور الأهداف المنصوص عليها حول العناصر التالية:
* دعم التشغيل بالجهات عبر النهوض »بالتشغيل المحلي« باستحثاث نسق إحداث المشاريع والتشجيع على العمل المستقل انطلاقا من الخصوصيات المحلية والجهوية.
* تعزيز مؤشرات التنمية البشرية لتحسين نوعية حياة الفرد بإنجاز التجهيزات الجماعية ودعم البنية الأساسية حسب الحاجيات المحلية.
* كما يرمي البرنامج إلى إعادة النظر في الأولويات القديمة بين ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي لدفع الجانب الاقتصادي عبر مشاريع التشغيل.
وترتكز استراتيجية التدخل حسب ما رسم مبدئيا بالبرنامج على:
* اعتماد المعتمدية كوحدة تدخل
* اعتماد الصيغة الاندماجية على مستوى منطقة التدخل والعناصر، والتنسيق بين مختلف هياكل الإنجاز واستغلال مختلف آليات التمويل
* تكريس مبدأ المقاربة التشاركية وذلك بتشريك الفئات المستهدفة ومكونات المجتمع المدني خلال كامل مراحل تشخيص المشاريع وإنجازها ومتابعتها بما يضمن تبنيها للإنجازات وحرصها على ديمومتها
* بعث أنشطة اقتصادية بمناطق التدخل تستجيب لخصوصيات و طموحات طالبي الشغل ودعم المقومات التنموية الخصوصية للمعتمدية المستهدفة
* دعم اللامركزية بإعطاء صلوحيات الجهات في مجال تصور وإنجاز البرامج التنموية الجهوية.
ب) مقاييس اختيار المشاريع:
أما عن مقاييس اختيار المشاريع طبق ما نص عليه البرنامج فستكون حسب الأولويات التنموية للمعتمدية والإمكانات المتاحة بها وخصوصياتها المحلية والمتمثلة في الخصائص الطبيعية، الخصائص البشرية، الخصائص الثقافية، التجهيزات الخصوصية التي أنجزتها الدولة على مستوى الجهات للنهوض بالتشغيل كالمعاهد العليا للدراسات التكنولوجية ومحاضن المؤسسات والأقطاب التكنولوجية و المناطق الصناعية و مراكز التكوين المهني. وبناء على ذلك يمكن تصنيف المعتمديات المستهدفة بالبرنامج على النحو التالي :
* المعتمديات ذات الأولوية التي تم تحديدها حسب نسب البطالة بها
* المعتمديات المتواجدة على الشريط الحدودي
* المعتمديات ذات الإشكاليات الخصوصية (المناطق الصحراوية ، الجبلية ، المنجمية ...)
* المعتمديات ذات الأنشطة الاقتصادية المتوسطة و الضعيفة المتوفر بها إمكانات طبيعية خصوصية غير مستغلة على الوجه المطلوب.
طبقا لهذا التصنيف، يمكن اعتبار عدة معتمديات في ولاية سيدي بوزيد من الصنف الرابع وذات الأولوية باعتبار إمكانياتها الفلاحية واقتصادها الأحادي المرتبط بها. وتفيد الدراسة المذكورة أعلاه و طبقا لهذه المعايير توجد بسيدي بوزيد 7 معتمديات ذات أولوية.
ج) هل تضمن مراحل إعداد البرنامج اللامركزية و اللامحورية المطلوبة
سيتم إعداد البرنامج على ثلاثة مستويات :
* المستوى المحلي: حيث يتم في إطار المجلس المحلي للتنمية تحديد حاجيات وأولويات المعتمدية وذلك ضمن لجان خصوصية تتولى تشخيص الإمكانات المتاحة والأولويات المحلية وعناصر المشاريع.
* المستوى الجهوي: تتولى المجالس الجهوية النظر في المقترحات المحلية والعمل على انصهارها في الأولويات الجهوية وإحالتها إلى مصالح وزارة التنمية والتعاون الدولي.
* المستوى المركزي: يتم في إطار وزارة التنمية والتعاون الدولي النظر في المقترحات الجهوية والمصادقة على المشاريع وتعبئة التمويل.
إن المرحلة الأساسية في أخذ القرار المتعلق بانجاز المشاريع هي مرحلة المصادقة عليها وتعبئة التمويل، ومادامت هذه الإجراءات تتم على مستوى مركزي في إطار وزارة التنمية والتعاون الدولي، يصعب الانجاز الفعلي والحقيقي للامركزية واللامحورية المنشودة.
د) تنفيذ البرنامج :
يتم تنفيذ البرنامج حسب الطرق و الآليات المنصوص عليها كالآتي :
تنفيذ مشاريع البرنامج في إطار عقود برامج تبرم بين وزارة التنمية والتعاون الدولي والمجالس الجهوية.
إحداث لجنة متابعة لمشاريع التنمية المندمجة صلب المجلس الجهوي تتكون من ممثلين عن المجلس الجهوي وعن كل الإدارات الجهوية المعنية تعمل تحت إشراف السيد الوالي ويكون المنسق الجهوي مقررها وتتولى :
* النظر في المقترحات المحلية
* إعداد وثائق المشاريع و إحالتها إلى لجنة القيادة بوزارة التنمية والتعاون الدولي
* المصادقة النهائية على المنتفعين ، بناءا على الملفات المتضمنة للدراسة الفنية والمالية ، وتوجيههم إلى مختلف مصادر التمويل حسب الخاصيات والمقاييس المعتمدة من قبل كل مصدر تمويل
* متابعة سير تنفيذ المشاريع.
تكليف المنسق الجهوي لمشاريع التنمية المندمجة ، الموضوع على ذمة السيد الوالي بالسهر على:
* متابعة وتنفيذ محتوى عقود البرامج المبرمة بين وزارة التنمية والتعاون الدولي والمجلس الجهوي.
* التنسيق بين رؤساء المشاريع على مستوى الولاية
* التنسيق بين كافة المتدخلين في دراسة وإنجاز مختلف عناصر المشاريع
* إعداد التقارير الدورية لمتابعة تقدم الإنجاز المادي والمالي للمشاريع
* تجميع وثائق الصرف والتثبت فيها ثم إحالتها للمندوبية العامة للتنمية الجهوية.
تعيين رئيس مشروع لكل مشروع تنمية مندمجة يرجع بالنظر وظيفيا إلى المندوبية العامة للتنمية الجهوية، يتولى بالتنسيق مع المجلس المحلي للتنمية القيام بالمهام التالية :
* المساهمة في إعداد المسح الاقتصادي و الاجتماعي لمنطقة التدخل بالتعاون مع المصالح الفنية المعنية
* متابعة إنجاز كل مكونات المشروع الفردية منها والجماعية
* الإحاطة بالمنتفعين بالتنسيق مع كل المصالح الفنية المحلية
* إعداد تقرير شهري لمتابعة تقدم الإنجاز المادي والمالي للمشروع.
إحداث لجنة قيادة على المستوى الوطني بمقتضى قرار من السيد وزير التنمية والتعاون الدولي والتي تنظر في وثائق مشاريع البرنامج المحالة من قبل المجالس الجهوية، كما تتولى متابعة تقدم إنجاز البرنامج والنظر في الإشكاليات التي قد تعترض تنفيذه وتقديم مقترحات لتجاوزها.
تكليف المندوبية العامة للتنمية الجهوية، بوصفها صاحب المشروع المفوض والمخاطب الوحيد للصناديق المساهمة في تمويل البرنامج ب:
* المصادقة على مختلف مراحل دراسة وإنجاز المشاريع وعلى كل تعديل للبرمجة خلال مرحلة التنفيذ.
* متابعة الإنجاز وتقديم النتائج بصفة دورية واقتراح التدابير اللازمة لبلوغ الأهداف المرسومة
* القيام بإجراءات السحب من الصناديق الممولة.
* وضع الاعتمادات اللازمة على ذمة المجالس الجهوية بالنسبة للعناصر الممولة عن طريق ميزانية برنامج التنمية المندمجة حسب المؤشرات المنصوص عليها بعقود البرامج.
* إعداد تقارير دورية حول تقدم الإنجاز المادي والمالي للبرنامج إعتمادا على التقارير الدورية التي تحال إليها من قبل المجالس الجهوية.
* الإشراف على دراسات تقييم البرنامج في نصف مرحلة الإنجاز وفي مرحلة ما بعد الإنجاز.
* تشريك الجمعيات التنموية المحلية في تصور وتنفيذ جانب من البرنامج.
إن التنسيق بين آليات تنفيذ البرنامج يبدو غير واضح بخصوص التنسيق الجهوي والمركزي سيما فيما يخص التنسيق بين منسق التنمية الجهوية لدى الوالي والمسؤول على المشروع محليا لدى المندوبية العامة، ومن خلال المهام الموكولة لهما يتراءى الأمر أن القول والفصل في انجاز المشاريع ومتابعتها سيكون لدى المسؤول على المشروع والمندوبية العامة بمعنى المستوى المركزي.
* استعمال مختلف آليات التمويل المتاحة لتمويل المشاريع الفردية كبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة والبنك التونسي للتضامن والصندوق الخاص بالتنمية الفلاحية والصيد البحري وصندوق النهوض بالصناعات التقليدية والمهن الصغرى وصندوق تطوير اللامركزية الصناعية...
استغلال التعاون الدولي اللامركزي لتمويل المشاريع التي تساهم في إنجازها الجمعيات التنموية.
ه) مكونات البرنامج :
يحتوي برنامج التنمية المندمجة على تدخلات تتعلق بالوسطين البلدي وغير البلدي. وستكون التدخلات في صيغة اندماجية ومتنوعة تهدف إلى تحسين نوعية الحياة والمحافظة على المحيط والتمكّن من بعث حركية اقتصادية محلية بتشخيص وتثمين أنشطة تعتمد على الخصوصيات المحلية (فلاحية وغير فلاحية) بما يساهم في تثبيت المتساكنين بمناطقهم وإحداث مواطن الشغل وتحقيق تنمية مستديمة.
ويمكن استنباط مشاريع حسب الأصناف التالية :
* مشاريع ترتكز على عناصر فلاحية فردية وجماعية تندمج مع عناصر البنية الأساسية وتحسين ظروف العيش (مشاريع إحياء فلاحي، مشاريع المحافظة على المياه والتربة...).
* مشاريع ترتكز في ذات الوقت على عناصر فلاحية وأخرى غير فلاحية تندمج مع عناصر البنية الأساسية وتحسين ظروف العيش (مشاريع فلاحية، مشاريع تحويل أولي للمنتوجات الفلاحية، مشاريع خدمات متصلة بالقطاع الفلاحي والتحويل الأولي...).
* مشاريع ترتكز على عناصر غير فلاحية تندمج مع عناصر البنية الأساسية وتحسين ظروف العيش، تثمن الموارد البشرية والمخزون الثقافي والطبيعي على مستوى منطقة المشروع (الإقتصاد اللامادي، الصناعات التقليدية، السياحة الثقافية والبيئية والإستشفائية ...) مشاريع للنهوض بمنطقة ذات إشكالية موحدة (منطقة منجمية، منطقة غابية، منطقة ذات معالم أثريّة ...).
مشاريع النهوض بمراكز ريفية ترتكز على عناصر البنية الأساسية والتجهيزات الجماعية وتوفير فرص الشغل والنهوض بالمرأة الريفية.
مشاريع مندمجة بالمناطق الضاحوية والمتاخمة للمراكز الحضرية المتوسطة والكبرى لإدماج هذه الأحياء في الدورة الإقتصادية والإجتماعية (تحسين البنية الأساسية وتسهيل الإنتصاب والتكوين المهني وخدمات الجوار...).
مشاريع مندمجة تستهدف بالأساس الشبان طالبي الشغل لأول مرة من أصحاب الشهادات العليا وخريجي مراكز التكوين المهني والباعثين للمشاريع في القطاعات الواعدة والمهن الجديدة وذلك بتوفير فضاءات الانتصاب.
مشاريع مساندة يقع تشخيصها في إطار مراقبة تشاركية تمول في إطار التعاون الدولي اللامركزي، من ذلك :
* المشاريع الجماعية التي تستهدف بالخصوص الفئات الهشّة في المناطق الريفية من خلال تحسين البنية الأساسية والتجهيزات الجماعية وتطوير طاقة الإنتاج وإحداث موارد الرزق
* مشاريع »قرية ومنتوج« التي تمكن من تثمين المنتوجات والمهارات المحلية.
تخصّص 70 ٪ من مشاريع البرنامج لدعم التشغيل بتمويل أنشطة متنوعة ذات قدرة تشغيلية عالية عبر استغلال مختلف آليات التمويل و 30 % لتحسين ظروف العيش وإنجاز التجهيزات الجماعية والبنية الأساسية المساندة للاستثمار الخاص.
وسيشهد المخطط الحادي عشر للتنمية (2007/2011) انطلاق إنجاز القسط الأول من البرنامج بكلفة جملية قدرها 200 م.د وسيشمل هذا القسط دفعة أولى من المشاريع (17 مشروعا) تهم معتمديات ذات أولوية، شرع في إنجازها خلال سنتي 2007 و 2008 وذلك بتكلفة أوليّة تقدر ب 85 م.د .
* إقرار المشاريع: مركزي:
يتم إقرار المشاريع بإشراف وزارة التنمية والتعاون الدولي وبالتنسيق بين المندوبية العامة للتنمية الجهوية والدواوين الجهوية للتنمية والمجالس الجهوية والمحلية للتنمية وذلك بالإعتماد على دراسة أولية تتولى القيام بها مكاتب دراسات مختصة.
ما يمكن استنتاجه اثر هذه القراءة هو التالي :
يبدو واضحا أن التوجهات الجديدة ستكون لها انعكاسات وتاثيرات على مسار التنمية الجهوية وعلى التوازنات الجهوية بالبلاد، ومن ثم يستوجب تقييمها ونحن في منتصف المخطط الحادي عشر، سيما، وعلى عكس ما جاء به الخطاب الرسمي، يبدو الطابع المركزي محددا ومهيمنا في تنفيذ البرنامج، حيث لم يبرز الدور الرئيسي للمجالس المحلية مثل ما نص عليها قانون 94-87 المؤرخ في 26 جويلية سنة 1994 حول بعث المجالس المحلية للتنمية، وقد أكدت الدراسة التقييمية أنه طبقا لهذا القانون يبقى المجلس المحلي، قانونيا و تقنيا، هو مصدر تحديد وبرمجة مشاريع البرنامج، لكن آليات تنفيذ البرنامج المرسومة أعلاه لم تبرز هذا الدور الرئيسي للمجلس المحلي.
ويبقى الرهان الأساسي في ترجمة هذا البرنامج على ارض الواقع طبقا للأهداف التي رسمت من أجله وبالحكم الرشيد.
------------------------------------------------------------------------
في عدد لاحق ننشر القسم الثاني من هذه الدراسة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.