انطلقت أول أمس محاكمة المخلوع وزوجته كأول رمز من رموز الفساد في تونس وقضت المحكمة في شأنهما غيابيا بالسجن 35 عاما وبخطية مالية قدرها 91 مليارا في قضية الاستيلاء على أموال عمومية، وستلي هذه المحاكمة محاكمات عديدة لمجموعة من الوزراء والمسؤولين الذين عملوا في حقبته وتورطوا بدورهم في قضايا الفساد ووجهت اليهم العديد من التهم المتعلقة بالاختلاس والاستيلاء على المال العام والذين يواجهون عقوبات بالسجن في حال ثبوت ادانتهم. الحكم الغيابي الصادر عن محكمة تونس ضد المخلوع وزوجته مثل أول خطوة في عملية المحاسبة وأول جزاء لرموز الفساد في تونس الذي تغلغل- أي الفساد- في المؤسسات والادارات التونسية في عهد المخلوع ولكن هل سيستخلص الوزراء والموظفون العبرة بعد سقوط مؤسسة الفساد التي رسخها المخلوع وبعد بداية محاسبته جزائيا؟وهل تكفي السلطة القضائية وحدها لوضع حد للفساد المالي والاداري في تونس؟ لمعرفة رأي القانون في هذه المسألة اتصلت "الصباح" بالأستاذ صابر القاسمي فذكر أن المجلة الجزائية تحتوي عقوبات صارمة ضد كل المورطين في قضايا الفساد وبالتالي فان دور السلطة القضائية يعتبر رادعا ضروريا ولكنه غير كاف لأن الاشكال يبقى في مستوى التطبيق في العمل الاداري مما يستوجب قضاء نزيها ليقوم بدوره على أفضل وجه، وحتى وان توفر الردع التشريعي والقضاء النزيه فهناك فساد اداري لا يمكن مقاومته.
اجتثاث الفساد
وفي هذا السياق قال الأستاذ القاسمي "هناك فساد "ميكرو فيزيائي" يصعب اثباته أو اكتشافه لأنه يتستر بغطاء الشرعية فهناك بعض الوزراء والمسؤولين يستعملون السلطة المعنوية للحصول على مكاسب وأرباح دون وجه حق ولكن بصفة شرعية وذلك أخطر فساد". فهو يبدو ظاهريا شرعيا ومطابقا للقانون لكنه في الحقيقة كان نتاج تلاعب بالقانون. ولاحظ الأستاذ القاسمي أنه يجب توفير أرضية لاجتثاث الفساد ويكون ذلك عن طريق تطبيق القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب للوزراء والمسؤولين اضافة الى اعتماد الشفافية الادارية في عمليات منح الصفقات والرخص والعمليات الادارية عموما.
دور الصحافة
وركز الأستاذ القاسمي على ضرورة تجنب التعتيم وفسح المجال لمختلف وسائل الاعلام لكشف الحقائق على غرار المجتمعات الغربية التي تساهم فيها الصحافة بشكل كبير في كشف وتقصي الحقائق بالاضافة الى أهمية مراجعة طرق الانتدابات عبر المناظرات العمومية واعتماد الكفاءة كمعيار أساسي فيها والردع والمحاسبة الادارية وأكد على أهمية الرقابة الادارية لتجنب انخراط المسؤولين في عملية الاستيلاء على المال العام وركز على ضرورة التداول على المراكز داخل الادارات والمؤسسات استراتيجية لمحاربة الفساد وذكر المحامي أن عملية اجتثاث الفساد من المؤسسات والادارات التونسية تطلب استراتيجية يتم تطبيقها على المدى الطويل وتستوجب تظافر جهود خبراء ودعم من مختلف الأطراف، والمواطن بدوره معني بهذه المسألة ويمكنه المساهمة باعتباره يتعامل مباشرة مع الادارة وأضاف أن صندوق المقترحات الذي تعتمده الادارات لا يمثل حلا بل وجب أن تفتح الادارة الباب لتشكيات المواطن لاصلاح ما يمكن اصلاحه. وأكد الأستاذ القاسمي على ضرورة تكوين لجنة مستقلة لمحاربة الفساد بالإعتماد على خبراء وممولين من الدولة لضمان الشفافية. واضاف أن الفساد الفردي لن ينتهي ولكن وجب اقتلاع الفساد كظاهرة في المجتمع التونسي.
منظومة اصلاح
وركز الأستاذ القاسمي على ضرورة ارساء منظومة سياسية كاملة لانقاذ البلاد من الفساد الذي اجتاح مؤسساتها فارساء منظومة ديمقراطية كفيل بتفعيل المنظومة التشريعية والوعي السياسي ضروري لتغيير العقليات وزرع الاحساس بالمسؤولية والمواطنة الذي يمكن أن يمنع أي مسؤول من الاضرار بالمؤسسة التي يديرها والحد من الفساد المالي والاداري.