تونس القاهرة من مبعوثنا الخاص كمال بن يونس من المقرر ان تبدأ غدا سلسة محاكمات رموز النظام السابق في مصر بزعامة الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه جمال وعلاء ووزير الداخلية منذ سنوات الحبيب العادلي.. وتعقد هذه المحاكمات بعد 100 يوم من استلام حكومة عصام شرف مهامها وبعد يوم من ادانة محكمة امن الدولة بالسجن المؤبد للجاسوس المصري رجل الاعمال طارق عبد الرازق وضابط «الموساد» وشريكهما. في الشارع المصري تسمع كلاما كثيرا عن تدخلات عربية ودولية لمنع محاكمة مبارك ووزير داخليته السابق لأسباب عديدة من بينها «عدم عرقلة مسار التغيير والإصلاح والثورات في بقية الدول العربية «.. إلى جانب «الاعتراف لمبارك بخدماته لفائدة مصر منذ أن كان في القوات المسلحة وبصفة أخص خلال حرب السادس من أكتوبر العاشر من رمضان.. في المقابل، تسمع من قبل بعض سائقي التاكسيات وعموم الشباب والكهول وفي المقاهي دعوات لإصدار أحكام بالاعدام على مبارك ونجليه ووزير داخليته بسبب الاتهامات المالية والسياسية والامنية الخطيرة الموجهة اليهم ومن بنيها التورط في إعطاء أوامر بقتل المتظاهرين المسالمين وبتنظيم سلسلة من التفجيرات من بينها تفجيرات لساحات عامة وفنادق وكنائس لاتهام جماعات سياسية معارضة بارتكابها ولصرف أنظارالشعب عن مشاغله الحقيقية وتوجيهها نحو مشاغل طائفية ونزاعات ايديولويجية ودينية مفتعلة.
قضايا رجل الأعمال صديق إسرائيل
وتواصل وسائل الاعلام المصرية الكشف عن تفاصيل الاتهامات الموجهة الى رموز النظام السابق وعلى رأسهم مبارك ونجليه والحبيب العادلي و6 من شركائه.. ومن أبرز تلك الاتهامات ملفات لها علاقة بتفجير كنيسة الاسكندرية ليلة رأس السنة الميلادية لصرف انظار الشعب الغاضب عن تزييف الانتخابات والزج به في جدل ونزاعات طائفية.. كما تشمل الاتهامات لمبارك والعادلي تفجير مؤسسة سياحية في شرم الشيخ بمصر تابعة لصديق مبارك رجل الاعمال الشهير حسين سالم بهدف « تأديبه « بعد خلافات مالية معه.. والمعروف ان حسين سالم الذي فر الى اسبانيا التي يحمل جنسيتها يعتبر ابرز شخصية مالية قريبة من مبارك مورطة في الفساد المالي والرشوة والتهريب..كما يطالب ساسة مصر بجلبه من اسبانيا ومحاكمته بقسوة في تهم خطيرة من بينها تهريبه مليارات من الدولارات لفائدة مبارك وعائلته ولحسابه الشخصي الى جانب تحمله المسؤولية المباشرة عن قطاع تصدير الغاز المصري الى اسرائيل بأسعار منخفضة جدا مقارنة بالسوق العالمية.
تعقيدات قانونية ومخاطر
لكن ملفات الفساد المالي والسياسي في مصر اكثر تعقيدا مما يتصور كثير من المراقبين.. فالمجلس العسكري سبق ان تعهد - حسب بعض المصادر - لمبارك بعدم تتبعه.. ويصعب ان يذهب بعيدا في مسايرة الرأي العام الشعبي الذي فرض قرار محاكمته.. ولا يمكن للمحاكمة ان تذهب بعيدا لأن تعميق التحقيقات القضائية سيؤدي الى الاضرار بمصالح عشرات الآلاف من رجال الاعمال وحلفائهم في الادارة والجيش وقوات الامن.. أي أن «المصلحة الوطنية قد تفرض على الجميع التعامل بعقلانية اكبر مع ملف المحاكمات وعدم المغامرة بدفع البلاد نحو مسلسل من عمليات الثار والانتقام من رجال الاعمال والمسؤولين في الدولة بما يعني مزيدا من الركود الاقتصادي واستفحال مشاكل الاستثمار والسياحة فضلا عن تفاقم عدد العاطلين عن العمل الذي فاق ال6 ملايين ويوشك ان يتضاعف».. حسب الأستاذ جمال عبد الجواد المدير العام لمركز الدراسات الاستراتيجية في مؤسسة «الأهرام».
مخاطر دولية
في نفس الوقت فان اسرائيل وحلفاءها الذين تربطهم علاقات مميزة بمصر ذات ال85 مليون مواطن لا يمكن ان يبقوا متفرجين على محاكمات ستؤدي الى الكشف عن ملفات سرية واستراتيجية في العلاقات الاوروبية المصرية والامريكية المصرية والاسرائيلية المصرية.. كما قد تؤدي إماطة اللثام عن خفايا العلاقات السرية المصرية الاسرائيلية الامريكية وتحالفات مبارك ضد «حماس» و»حزب الله»، إلى إثارة قلاقل اجتماعية وأمنية وسياسية من الحجم الكبير..
محاسبة ومصالحة
واعتبر محمد الحجازي الخبير السياسي المصري في لقاء مع «الصباح» ان «محاسبة رموز النظام السابق والمقربين منهما من رجال الاعمال مثل صديق الاسرائيليين المهرب الخطير حسين سالم ضرورية جدا لكن ينبغي ان لا تتطور الى عمليات انتقام جماعية تؤدي بالضرورة الى انهيار النظام الاقتصادي والاجتماعي في البلد والى استفحال حالة الفلتان الامني والسياسي التي تؤكدها الاخبار اليومية للاضرابات والاعتصامات وقطع الطرقات واقتلاع السكك الحديدية»؟. لهذا الغرض تقرر احداث «لجنة وطنية للتسوية والمصالحة مع رجال الاعمال الذين يقررون الاعتراف باخطائهم واعلان توبتهم ويعيدون الاموال التي حصلوا عليها بطريقة غير شرعية الى الدولة» حسب ما اكدته صحف مصرية عديدة نبه محرروها إلى مخاطر الخلط بين واجب محاسبة المتهمين بالفساد وبين «محاكم التفتيش» و»تصفية الحسابات» و»البحث عن اكباش فداء». واذ تتواصل عملية احالة ملفات عشرات السياسيين ورجال الاعمال المورطين في قضايا فساد مالي من الحجم الكبير على محكمة الجنايات التي ستنظر كذلك في ملفات مماثلة تخص مبارك وابنيه ومقربين منه (من بينهم سليمان الكومي والمدير السابق لمكتب الرئيس مبارك) يتابع محامو مبارك وافراد عائلته التاكيد على ان الرئيس السابق مصاب بالسرطان وان «الورم ينتشر بسرعة في جسمه» بما اعتبره البعض محاولة لصرف الانظار عن جدوى محاكمة «شيخ في الثمانين مصاب بالداء الخبيث»، حسب بعض نشطاء حقوق الانسان وزعامات المعارضة السابقة لمبارك مثل عبد الله السناوي القيادي في الحزب الناصري. البلد يتحرك في كل الاتجاهات من الاصلاح السياسي والاقتصادي والامني الى تتبع المرتشين والمورطين في قتل الابرياء.. لكن الاصوات تتعالى لتشكيل لجان وطنية للانصاف والمصارحة والمصالحة تعطي الاولوية للمستقبل.. مستقبل شباب الثورة وجماهير ميادين «التحرير» المتطلعين الى تعددية حقيقية والى معالجة قريبة لمعضلات البطالة والفقر وانسداد الآفاق..