من حيث المبدأ ، لا يمكن لأيّ انسان عاقل الاّ أن يكون في صفّ الدّاعين الى اعلاء شأن الحريّات الأساسيّة - العامّة منها والفرديّة - في المجتمع وبخاصّة حريّتي الرّأي والتّعبير ... فالانسان الّذي يولد حرّا لا بدّ أن يعيش حرّا كذلك ... حرّا فيما يعتقد وحرّا فيما يقول ويعبّر وليس لأيّ سلطة كانت - سياسيّة أو دينيّة - أن تحدّ من حريّته تلك أو أن تنتقص من مقدارها و»حجمها» و»مداها» تحت أيّة ذريعة أو مسمّى ... وما من شكّ أنّه اذا كان هذا هو «حظّ» الانسان - عامّة - من الحريّة وحقّه الطّبيعي منها الّذي تقرّه - لا فقط - القوانين والأعراف بل وأيضا الأديان ذاتها وفي طليعتها الدّين الاسلامي الحنيف «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» فانّ «حظّ» النّخب الفكريّة والثّقافيّة والابداعيّة - خاصّة - يجب أن يكون أوفر وأبين وأثبت وألزم ... اعتبارا - على الأقلّ - الى أنّ الابداع والنّبوغ الانساني في أيّ مجال من المجالات الفنيّة أو الفكريّة أو حتّى العلميّة انّما يحدّده - بالضّرورة - ويضبط حجمه وقيمته «كم» الحريّة المتوفّر لهذه النّخب والرّموز ... نقول هذا الكلام لا من باب الردّ على الهجمة الغوغائيّة والظّالمة الّتي يتعرّض لها هذه الأيّام المفكّر والباحث الأستاذ محمّد الطّالبي ... فالرّجل ليس في حاجة - اطلاقا - لمن يدافع عنه أو ينتصر له لأنّه يمثّل - في ذاته - «جبلا» من المعرفة والصّبر والحكمة والايمان سيتلاشى ويضمحلّ على صخوره - وبمرور الزّمن - زبد العصبيّات الفكريّة والايديولوجيّة والأكاديميّة بمختلف أصنافها وأطيافها ... وانّما نقوله ردّا على أولئك الّذين «ركبوا» الحدث هذه الأيّام وراحوا يلبسون الحقّ بالباطل للافتراء سياسيّا وبانتهازيّة مقيتة على خصومهم الايديولوجيّين من الاسلاميّين خاصّة ... بعض هؤلاء - مثلا - ولتمرير «حملة» الافتراء والتّشويه الايديولوجي هذه راح يسوّي - عن قصد - وبغباء وبؤس فكري مفضوح بين الأستاذ محمّد الطّالبي والمخرجة السّينمائيّة نادية الفاني واضعا «بيض» الأولى ( نادية الفاني ) و»بيض» الأستاذ محمّد الطّالبي في نفس «السّلّة» في محاولة للايحاء بأنّ «محنتهما» واحدة وأنّهما في نفس «الخندق» في حين أنّه لا علاقة - اطلاقا - لفكر الأستاذ محمّد الطّالبي ورسالته المعرفيّة والحضاريّة ومنهجه وأسلوبه بما تبشّر به نادية الفاني في أفلامها ... فهنا ( عند محمّد الطّالبي ) فكر ومعرفة وحكمة وأدب وتنوير... وهناك ( عند نادية الفاني ) رداءة فنيّة واسفاف وايديولوجيا و»عهر ثقافي» - والعبارة لتوفيق بن بريك - طبعا ، هذا لا يعني أنّه يجوز المساس بالمخرجة نادية الفاني أو التّضييق على حريّتها - بأيّ شكل من الأشكال - فهي بصفتها مبدعة تبقى بدورها حرّة تماما - مثلها مثل الأستاذ محمّد الطّالبي - في أن تقارب بأسلوبها الفنّي وعلى طريقتها كلّ «المسائل» والظّواهر والاشكاليّات ... ولكنّنا نريد - فقط وبالمناسبة - أن ننبّه الى خطورة «لعبة» تضخيم «الظّواهر» والخلط بين «الأشياء» و «الأسماء» الّتي تمارسها هذه الأيّام بعض الأطراف السّياسيّة بدوافع ايديولوجيّة ضيّقة غير عابئة بما يمكن أن ينجرّ عن ذلك - ربّما - من نتائج قد تكون عكسيّة بالكامل ... رجاء، «احسبوها» جيّدا على الأقلّ ... فالتّطرّف يغذّيه التّطرّف