بعد سنوات من الإقصاء والقمع تجد اليوم الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات في مواجهة حقيقية مع تحديات وقيود يفرضها المجتمع وأحيانا القوانين للدفاع. مبادىء وحقوق نسوية اعتقد الكثيرون أن المجتمع التونسي تخلّص من «ذكوريته» وكفلها بقوانين لا يمكن المساس بها ..غيرأن مناضلات الجمعية يرون أن للنساء حقوق مازالت مهضومة وأنهن يجب أن يستمتن في الدفاع عنهاوتحصيلها..» الأسبوعي» التقت برئيسة الجمعية المنتخبة حديثا وحاورتها حول العديد من المسائل.. *بعد الثورة هل غيرت الجمعية مسارها النضالي الى أشياء متماشية مع الظرف الراهن ؟ -جمعية النساء الديمقراطيات صمدت وقاومت في زمن كان النضال فيه صعبا ..نحن صمدنا وتمسّكنا دائما بأن ما كان يتشدّق به بن علي وزبانيته بأن تونس بلد الحريات وحقوق الإنسان هو محض افتراء وتسويف..باعتبارأن حقوق الإنسان كان معطى افتراضيا اعتمده النظام لتلميع صورته خاصّة في الخارج..ونحن كجمعية تمسّكنا باستقلالية عملنا واستقلالية قراراتنا بحيث لم نتنازل أبدا عمّا ناضلنا من أجله وصمدنا أمام كل المضايقات التي مستنا حتّى في حياتنا الشخصية والعائلية . وكنّا دائما في وضع تصادم مع السلطة تعرّضنا للقمع طوال مسيرتنا النضالية ..وأريد أن أذكّر أن النضال النسوي متجذّر في المجتمع التونسي و هناك نساء استشهدن في الثورة. *بعد الثورة تكثّف نشاط الجمعية ودافعت على مبادىء معينة كعلمانية الدولة والمناصفة والمساواة في الإرث ..وهو ما جعل البعض يرى أن مبادىء الجمعية مبادىء نخبوية لا تمتّ لواقع عامة الناس بصلة؟ -نحن لسنا بجمعية نخبوية ولم نكن يوما كذلك لكن اذا كنّا وصفنا بالنخبوية فإنه طوال سنوات القمع التي تعرّضنا لها كان نشاطنا مقتصرا على العاصمة وذلك بفعل ما كنّا نتعرّض له من قمع وتضييّق على مستوى نشاطاتنا وأؤكّد أن نضالنا كان نضالا ميدانيا ولم يكن نضالا نخبويا ..أمّا مطالبنا فإن من أبرزها هي المساواة الكاملة بين الرجال والنساء ورفع كامل أشكال التمييز التي وقعت ممارساتها على المرأة في تونس باسم أنه مخالف للتشريع وبالتالي لا بدّ لهذا القانون الوضعي أن ينصف المرأة ونتناقش حوله دون أن يتخذ النقاش طابعا قدسيا لا يمكن المساس به . نحن نطالب بمدنية الدولة وبفصل الدين على الدولة والدين على السياسة كما نتمسّك بضمان الحريات الشخصية التي لا بدّ من الالتزام بها دون إملاءات من الغير حتى ولو كانت السلطة . وبالنسبة لمطلب المناصفة فهو مسألة تاريخية ومصيرية فهي من مكاسب الثورة التي نسعى لتحقيقها. ولا بدّ للمرأة من هنا فصاعدا أن يكون لها دور في موقع صنع القرار والسياسي منه خاصّة . وفيما يتعلّق بمسألة الإرث فإن أحكامه في تونس تنظّمها قوانين وضعية قابلة للتحيين بما يستجيب الى متطلبات الراهن فالمرأة شريك فاعل في البناء المجتمعي وهي تقاسم الرجل أعباء الإنفاق الأسري وغيره وهي تشتغل لتغطية حاجيات نفقات الأسرة وحاجيات الأبناء مثلها مثل الرجل؛ فكيف لمن تتساوى في الواجبات لا تتساوى في الحقوق؟ فنحن وللأسف نعيش في تونس ظاهرة متفردّة وهي ظاهرة تأنيث الفقر. فالمرأة تحصل على الأجر الأدنى رغم مردوديتها المهنية في العديد من القطاعات وهي كذلك لا تتمتّع بسهولة الترقيات مثل الرجل. فقد أثبتت مثلا دراسة ميدانية صادرة أخيرا أن بنسبة عمل خريجي الجامعات الجدد تكون متفاوته بين الرجال والنساء بحيث تكون النسبة لدى الرجال 47 بالمائة في حين لا تتجاوز النسبة 34 بالمائة لدى النساء.. *ما انفكت الإشاعات المغرضة تروّج ضدكن كتبنيكن لللائكية وعدم رؤية أي حرج في المثلية الجنسية ما تعليقك على الأمر؟ -»كجمعية نحن نتمسّك بالحريات العامة والفردية ونتمسّك بالديمقراطية ونحن وإن كان البادي للعيان فإنّنا ندافع على حقوق النساء ونحن في الحقيقة ندافع على النسيج المجتمعي في مطلقه و نتمسّك بالمساواة كحق انساني منبثق عن منظومة حقوق الإنسان التي هي منظومة كونية لا تتجزّأ..ونحن نطالب بقانون وضعي يعدل بين الناس بقطع النظرعن جنسهم، ولذلك نحن نصرّ على المطالبة بفصل الدين عن الدولة ولكن في المقابل نطالب بحرية المعتقد ولكن ليس بفرض القناعات العقائدية على الآخر. فإذا كان الاسلام هو هوية المجتمع فنحن نطالب بضرورة أن لا تفرض المعتقدات الشخصية على الآخر بقوة لأن الدين اختيار وليس إكراها!! وبالنسبة للمثلية الجنسية فالكثير بات يستغلها ضدّنا لكن أؤكّد أن ذلك يدخل في خانة تمييع الواقع وتحييد النقاش عن المسائل الأساسية. فنحن مع الحرية الشخصية والعلاقات الجنسية تتنزّل في خانة الحرية الشخصية وبالتالي لا مجال لقمعها أو لتدخّل الدولة فيها واستعمالها كسوط لمعاقبة الخصوم. فكل ذلك كان من ممارسات العهد البائد وبالتالي لا يجب أن نثيره اليوم كقضية أساسية ومركزية فلدينا أشياء أكثرأهمية ومصيرية تهمّ البلاد ومستقبلها وبالتالي من يحاول إثارة هذه المسألة فغرضه هو إبعاد الناس عن جوهرالأموروالهائهم بأشياء جانبية نحن نترفّع على الخوض فيها أومناقشتها كأمرحتمي ومصيري . *هل يمكن لمن ترتدي الحجاب أن تنشط في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات؟ -نحن لدينا مواقف ثابتة ومشروع مجتمعي متكامل والمهم هنا هوالى أي درجة يمكن أن نتوافق على المبادىء والقيم الأساسية التي تؤمن بها الجمعية..واذا كان الحجاب يدخل في خانة الحرية الشخصية فأنا أحترم ذلك لكن أنا ك»نسوية» لدي موقف من الحجاب الذي يدلّ على أن جسد المرأة عورة يجب ستره وبالتالي نتساءل: لماذا يعتبر جسد المرأة عورة؟ وهنا لا بدّ أن يحدث نقاش مجتمعي واسع حول هذه المسألة بالذات...ويبقى الحجاب بالنسبة إلي تجسيدا لذكورية المجتمع وهو نوعا من التمييزالسلبي للمرأة التي يجب أن تكون مواطنة كاملة الحقوق والواجبات. * يبدو هناك دائما صراع خفي بين الجمعية والإسلاميين في تونس. لماذا ذالك في اعتقادك ؟ -نحن نرفض بداية أن نكون في قطب صراع مع الإسلاميين. فالأمر هنا لا يستقيم. فأنت عندما تتصارع في مجتمع متحضّر ّأنت تتصارع فكريا عبر جدال ونقاش مدني لكن هنا يصعب النقاش والجدال مع من يقارعك بالمقدّس ..نحن لدينا نموذج مجتمعي بديل قد لا يستقيم وهو يقوم على ضرورة فصل الدين عن السياسة. كما أننّا لسنا بحزب سياسي لنخوض صراعا سياسيا. نحن جمعية نقوم بدورقوة مضادة لكل طرح سياسي لا يتماشى مع مستجدّات الواقع ومتطلباته وبالتالي فإنه لا قاسم مشتركا يربطنا بغيرنا. وكذلك نحن مستقلات في قراراتنا ولن نسمح لأي قوة بتوجيهنا..ونحن وإن كنّا مع حرية التنظّم فإن الترخيص لحزب ديني بالعمل يتنافى وقناعاتنا بضرورة فصل الدين عن الدولة. ونحن نرحّب بكل من يؤمن ببديلنا المجتمعي ورغم أن طلبات كثيرة تتوافد علينا للالتحاق بالجمعية والانخراط فيها .وهنا أن أشير أن من بين اللواتي يردن الانخراط في الجمعية نساء محجبات لا يجدن ضررا أو تنافيا بين مبادئ الجمعية وقناعاتهن الشخصية...ويبقى الباب مفتوحا على مصراعيه لكل الراغبات بالالتحاق بالجمعية خاصّة أنّنا ننوي التوسّع على مستوى كامل تراب الجمهورية. حوار منية العرفاوي