لا شك ان نساء تونس المنتشرات في كل مكان من أرض عليسة والكاهنة وأروى القيروانية وعزيزة عثمانة قد كسرن بمساهمتهن الفعالة في ثورة الحرية والكرامة كسرن كل القيود التي كانت مفروضة على النخب وقدمن دفعا مهما لمن كان منها يعاني سجن الافكار والمواقف... وما حدث في بلادنا خلال يوم 14 جانفي 2011 والايام التي سبقته هو بداية الفعل في كل الاتجاهات من اجل تحصين العقول ضد الجهل والأمية والرجعية والأحادية وضد الصمت وضد عدم قبول الاختلاف... انها بداية استعادة الفضاء العام بشكله المنوّع و»المجندر« من اجل طرح الاسئلة الحقيقية وتبادل الافكار الخلاقة وركوب الخيال المبدع من أجل غد ينسينا ما عاشته النخب خلال سنوات الجمر الماضية، وينسينا ما عاشته النساء خلال سنوات التغيير غير المباركة التي استغلت خلالها حقوقهن واجهة لتسويق صورة النظام المتخلف الذي حكم أرض الأمجاد والذكاء بالحديد والنار. لنسأل اليوم في هذه المساحة بعض نساء تونس عن رؤيتهن لكيفية حماية المكاسب وكيفية دعمها في اتجاه المساواة الحقيقية والمواطنة الكاملة، فكان لنا هذا الصيد: نجوى مخلوف: منسقة اللجنة الوطنية للمرأة العاملة لسنا في أحسن حال واقع المرأة التونسية اليوم لا يشير انه في أحسن أحواله فمن خلال تركيبة الحكومة الانتقالية نلاحظ غيابا حقيقيا للكفاءات النسائية وهذا اذا استثنينا وزارتي المرأة والصحة التي هي وزارات تقليدية تمنح للمرأة، كذلك تغيب المرأة عن معظم اللجان الوطنية الكبرى التي تشكلت، لذلك علينا ان نتنظم كنساء للتواجد في هذه اللجان لتبليغ رؤيتنا ولضمان حقوق ومكاسب المرأة وتدعيمها. فالنساء اليوم سينتضمن للدفاع بكل قوة من أجل مبدأ فصل الدين عن الدولة دعما لللائكية اذ ان بعض المكاسب تلوح مهددة اليوم من خلال تلميحات بعض التيارات الجاذبة للماضي ومن خلال هياكل اخرى لا ترى في قضية المواطنة الكاملة للنساء أولوية، واذا تأملنا مثلا في حصص النقاش التلفزي للواقع التونسي الجديد نلاحظ غياب النساء غالبا وغياب من يتطرق من الضيوف بجدية لواقع المرأة اليوم وبعد الثورة الشعبية، فالمرأة تحتاج دعمها في بلوغ العمل اللائق وتحتاج دعمها من خلال المصادقة على الاتفاقية 183 لحماية الأمومة (رخصة ما قبل الولادة...). علينا ان نكون منتبهات كنساء وكقوى ديمقراطية من اجل بلوغ طموحات المجتمع الى مساواة حقيقية وفاعلة بين النساء والرجال العاملات والعمال بعيدا عن المزايدات الفضفاضة التي سادت طويلا. خديجة الشريف: المناضلة النسوية وعضوة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان: لا ديمقراطية دون مساهمة النساء لا ديمقراطية ولا مواطنة دون مساهمة فعلية وحقيقية للنساء فالنظام السياسي القديم في علاقته بالمرأة حينما اندحر ترك المجال مفتوحا لطرح تساؤل جدي حول حقيقة وضع المرأة في تونس اليوم؟ فالحزب الحاكم سابقا كانت بداخله أطراف رجعية غير معلنة لم تعمل على تطوير حقيقي لواقع النساء فضلا عن الاطراف الرجعية التقليدية في المجتمع، لقد فرضت سابقا حقوق المرأة على المجتمع دون نقاش حقيقي ودون تفكير عميق لذلك اخترقتها موجات الرفض، لذلك علينا اليوم ان نفعّل النقاش العمومي، ونحن كمناضلات في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نرى ان ما تحقق من مكاسب اليوم للمرأة في تونس لا مجال للتنازل عنه بل علينا ان نظيف إليه من خلال مزيد تحصينه بمراجعات حقيقية للقوانين وتضمين باقي الحقوق كالاشتراك في رئاسة العائلة والمساواة في الارث وغيرها وعلينا اليوم ان نتوجه للنساء في الجهات الداخلية بل في كل الجهات التونسية من اجل شرح وتقريب مفهوم ان لا ديمقراطية دون نساء فالمرأة لا توجد في مواقع القرار اليوم والمرأة لا تتمتع بالمساواة الحقيقية، اذ طالما استعملت المرأة التونسية كقناع لتلميع وجه النظام في حين ان النساء يعانين فعليا، لذلك علينا رجالا ونساء ان نعمل يدًا بيد مع كل القوى الديمقراطية من اجل تطوير المجتمع وضمان المساواة التامة مع مراعاة حق الاختلاف. منية العابد: المحامية والناشطة في المجال النسوي: المشروع التحديثي سلاح التقدم أشعر اليوم أني متفائلة جدا فقد اصبحت لدينا فضاءات ننشط فيها كجميعات ومنظمات حقوقية وبات لدينا مجال تدخل واسع فقبل 14 جانفي 2011 كنا كنسويات وحقوقيات نعيش الاقصاء وكان هناك الكثير من التوظيف لقضية المرأة مما جعل دورنا مكبّلا، ولكن اليوم هاجس الحرية بات متحققا من خلال امكانية التواصل وامكانية نشر ثقافة المواطنة التي كانت غائبة سابقا من خلال غياب المشاركة الفعلية. ولكن اليوم مساحات التحرك متوفرة من خلال امكانيات التواصل والتحرك والتشبيك بين الجمعيات وبينها وبين كل فئات المجتمع، اعتقد ان لدينا قدرات وكفاءات عالية كانت في السابق مكبّلة ومحبوسة فثمرة هذه الثورة او احدى ابرز ثمراتها كانت كسر القيود والاغلال عن الكفاءات الحقيقية لذكك نحن اليوم لا نخاف مطلقا القوى الرجعية أو الثورة المضادة، بل علينا ان لا نخاف مطلقا، فعودة راشد الغنوشي لا تخيفنا، وربما كنت قبل يوم 14 جانفي أخشى الافكار الرجعية وذلك لأننا كنا نعيش مناخا لا ديمقراطيا ولكن اليوم لا قلق بل بالعكس سنكتشف مدى قدرتنا على المبادرة من اجل إعلاء صوتنا وتبليغ الافكار التحديثية التي نؤمن بها في اطار الجدل الفكري والسياسي والحقوقي والاعلامي، ونحن اليوم كنسويات بصدد البناء مما يعني تفعيل الافكار والمبادرات والحرص على دعم تواجدنا في المجال العام وسلاحنا اليوم هو الحرية وحق التعبير والاختلاف والمشروع التحديثي هو سلاح التقدمية ضد القوى الرجعية وسنعمل كل ما في وسعنا بغاية تحوير النصوص القانونية في اطار الحقوق الجوهرية التي تضمن المواطنة الكاملة لكل الأفراد. نجوى الرياحي قسنطيني جامعية بمعهد اللغات: لا مساومة حول حقوق النساء.. نراهن على الحداثة والعلمانية اليوم ونحن مقبلون على تعددية فعلية تقضي قضاء مبرما على صورة الفكر الواحد الغالب باسم الحزب الواحد ،نرانا مدعوون ومدعوات الى التوسيع من موقع المرأةالتونسية على كل المستويات وذلك لأجل دعم ما تحقق لها من مكتسبات كانت ولازالت عنوانا لحداثة تونس ولأجل ان تشعر المراة هي كذلك بمواطنتها حقا فتتجسد هذه على أرض الواقع والحديث عن مكتسبات المراة في هذا الظرف الذي اختلفت فيه الاوراق ولا نعرف ما يتولد منها ، ضروري. اذ لا احد ينكر ما بلغته المراة بفضل قانون الاحوال الشخصية وبفضل نشاطات المراة نفسها سواء كانت هذه المرأة مثقفة مستقلة او يسارية ناشطة او تقدمية ديموقراطية او حقوقية تعمل ضمن منظمة او خارجها . فالحق في العمل وفي التصويت والترشح وفي الادارة والتمثيل في بعض هياكل الحكومة هو مما لا تراجع لنساء تونس عنه ولا مساومة ابدا عليه على انه لا يمكن الغفلة عن مفارقات عدة في وضع المراة ذاك. مفارقات سببها ان الاطار القانوني والدستوري الذي شرع لحقوق المرأة في تونس ، بدا في مواقع اكبر واوسع مما تتمتع به المراة فعليا على ارض الواقع . الامر الذي جعل المراة لا تشعر حقيقة بالمواطنة بصفتها شراكة فعلية لا اثر فيها لوصاية او لهيمنة وما نحن مقبلون عليه اليوم من حركة اعادة تشكيل بل وتطهير لكافة الاطر والهياكل السياسية والادارية، يُعد في رأيي مناسبة لأن نكرّس دحض كلّ مظاهر التمييز والاقصاء للمراة إعلانا من سلطة الحداثة والعلمانية التي تراهن عليها تونس كلها بلدا وحضارة ولا يمكن هنا ان نطمئن لما روّجوه طوال ثلاث وعشرين سنة من كليشيهات إعلامية مثل افضلية وضع المرأة التونسية لاختراقها المجالات المهنية والاقتصادية والسياسية. فالمرأة التونسية التي شاركت جنبا الى جنب في ثورة الكرامة والديموقراطية مهيأة للمشاركة فعليا في مواقع المسؤولية وصنع القرارأساسا إعلاميا ووزاريا ولم لا رئاسة؟ فقد قادت المرأة في العصور الأولى مجتمعها وكانت لها عبر الحقب التاريخية مآثر عسكرية وسياسية. وأنا من موقعي كجامعية عاينت مظاهر المنطق الأبوي المقنع أربط ربطا وثيقا بين الشرط الوطني في الحرية والعدالة والديموقراطية، وبين ضرورة الحفاظ على مكاسب المراة ومزيد تطوير مسالك فعلها مدنيا وسياسيا. آمال القرامي الجامعية والناشطة الحقوقية: أهمية دور وسائل الإعلام خلال المشروع المجتمعي الجديد تتجذّر المكاسب من خلال عدّة ممارسات ومؤسسات لعلّ أهمّها التنشئة الاجتماعية التي تمارس في البيت منذ الطفولة فكلّما تربّى الفرد في مناخ أسري يولي قيم الحرية والمساواة والعدالة والكرامة وغيرها من القيم الكونية أهميّة حقيقية لا صورية تعامل مع غيره معاملة تعترف بحق الآخر في الحياة الكريمة و صيانة حقوقه. وممّا لاشكّ فيه أنّ المؤسسة التعليمية تنهض بدور رئيسي في هذا المجال إذ لابدّ أن تعكس برامجنا التعليمية ومناهجنا، وطريقة تفاعل الإطار التربوي مع منظومة الحقوق الإنسانية للمرأة مدى حرصنا على الحفاظ على مكاسبنا المجتمعية. وغير خاف أنّ دور المجتمع المدني لا يستهان به في هذا الإطار، إذ أنّ عليه أن يصحّح المسار ويواجه الصور النمطية التي تحاصر المرأة ويفكّك الخطابات الرجعيّة ويوضّح التوظيف السيّء الذي قام به النظام السابق للقضية النسائية. ولا بأس أن يعمد الصحفيون إلى مراجعة الجهاز الاصطلاحي المستعمل في خطابهم حتى لا يتسببوا في اجترار أحكام مسبقة وتكريس صور نمطية . وبما أنّنا نعتقد أنّ المؤسسة الإعلامية تصنع الرأي العامّ فإنّنا نعوّل على دور كلّ وسائل الإعلام من أجل تعزيز هذه المكاسب وحمايتها . ويمكن القول إنّ وعي النساء والرجال بأهميّة المكاسب وإيمانهم بضرورة حمايتها يتطلّب منهم تحمّل مسؤولياتهم التاريخيّة كلّ من موقعه حتى نسير قدما نحو تحقيق مشروع مجتمعي يحترم حقّ كل ّمواطن في الحياة الكريمة.. أمّا المطالب التي لم تتحقّق بعد فإنّها تقتضي بذل جهد متواصل من أجل تحقيقها، وهو دور نهضت به عديد الجمعيات النسائية والحقوقية منذ سنوات، إذ عقدت عديد الندوات التي عتّم عليها لأنّها لا تخدم سياسة الدولة في التعامل مع القضية النسائية. ولئن ضيّق على الجمعيات ومختلف مكونات المجتمع المدني فيما مضى فإنّ بوادر الانفراج ستسهل على الجميع العمل والمشاركة في جميع منابر الحوار من أجل تنمية الوعي وتغيير العقليات حتى تتلاءم مع متطلبات المواطن في القرن الواحد والعشرين. ونتوقّع أن تعيد الجمعيات النظر في آليات اشتغالها وأن تجدد خطابها واستراتيجياتها المستقبلية . ولعلّ مشاركة الفتيات والنساء من جميع الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية في الثورة تجعلنا أكثر إيمانا بقدرة المرأة التونسية على التحدّي والمقاومة فكم من امرأة صرخت أمام الجموع معبّرة عمّا يختلج بصدرها من مشاعر تنوس بين الغضب والقهر، والفخر والفرح ، وهي شهادات عفوية قدّمت في الفضاء العامّ دون تزييف أو توظيف جعلت النساء مرئيات ينسجن خطابا معبّرا عن وعي وتطلعات وعزم على الاستمرار في النضال من أجل غد أفضل لجميع التونسيين يتجاوز منطق المجتمع العشائري والحسابات السياسية الضيّقة والخطابات القائمة على تزييف الوعي والنبذ والإقصاء والردة. إن هذه الأصوات تعبر عن حراك اجتماعي مهمّ لابد أن نفهم أسبابه وشروطه حتى لا تحدث انزياحات معرفية وتاريخية. سكينة عبد الصمد: الصحفية والكاتبة العامة للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين: حقوق المرأة من حقوق الإنسان تعيش المرأة التونسية وسط مجتمع ذكوري تتجاذبه عديد التناقضات فهناك تأثيرات سلبية لمظاهر انتشار التطرف الديني ودعاوي الردّة المتنامية في الأوساط العربية والإسلامية مقابل إرث ثقافي حداثي حاول مباشرة إثر الاستقلال مسايرة نسق التطور الغربي وانتهج تعميم التمدرس ومجانية التعليم ومحاولة المساواة فيه بين الولد والبنت إلى جانب ما ضمنته مجلة الأحوال الشخصيّة الصادرة منذ سنة 1956 من جوانب هامة وأساسية في مجالات حقوق المرأة مازالت تعد الى حدّ الآن تمرّدا على الفكر العربي الإسلامي. كلّ هذه التناقضات لم تثن المرأة التونسيّة عن فرض تموقعها في المجتمع ولو باحتشام في نسبة تمثيليّتها، وانخراطها في نضالاته الحقوقيّة والنقابيّة والسياسيّة بالتوازي مع نشاطات وتحرّكات نسويّة قادتها نساء ديمقراطيات. لكن ولئن نجحت المرأة التونسية في تحقيق رصيد نضالي مهم فان تموقعها لم يتعدّ حدود النخبة ولم تراوح حقوقها حدود التشريع المنصوص في مجلة الأحوال الشخصية التي جاوز عمرها الخمسين سنة. حماية المكاسب وتحقيق المساواة؟ وتبقى التحركات الحقوقية والنسوية والارتقاء بالأسس الديمقراطية ومعالجة مناهج التربية والتعليم من أوكد السبل الآنية والمستقبلية لحماية مكاسب المرأة التونسية والتصدي المسؤول لكل دعاوى الشدّ الى الوراء والمزج بين الدين والسياسة، والدين والتشريع. هذا الى جانب تكثيف التحركات النضالية نحو فرض المساواة التامة بين المرأة والرجل مع مراعاة الخصوصيات الجنسيّة في اطار الدعم الشامل لمجالات حقوق الانسان باعتبار المرأة انسانا كامل الحقوق والواجبات على أن تدفع هذه التحركات لا فقط الى انتزاع حقوق قابلة لتطبيق حينيّ ظرفي قد تتلفه تغيرات ظرفية أخرى في ظل عالم متغير تحكمه تطورات سريعة التقلبات، وإنما الى التنصيص القانوني على كلّ حق مكتسب مهما كانت جزئيّته ضمن تشريع ملزم يؤمن هذه الحقوق من كل الشوائب الطارئة. وأظن أن الظرف التاريخي الذي أهدانا إيّاه شعبنا بنسائه ورجاله يفسح أمامنا آفاقا واعدة للتحرك الإيجابي نحو القطع التام مع كل أشكال التمييز الجنسي على أن هذا الظرف الحاسم يستوجب منّا اليوم أكثر من أي وقت مضى، انتباها خاصّا وحذرا شديدا ووقفة حازمة لسدّ الطريق أمام تمركز دعاة التطرّف بكل أشكاله. أخطار حقيقية قد تضيّع منا محطة مهمّة في تاريخ تونسنا العزيزة.