خلال لقائه الحشاني/ سعيد يفجرها: "نحن مدعوون اليوم لاتخاذ قرارات مصيرية لا تحتمل التردّد"    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    طقس الخميس: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 18 و26 درجة    الإبقاء على الإعلامية خلود المبروك والممثل القانوني ل'إي أف أم'في حالة سراح    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    سعيد: لا أحد فوق القانون والذين يدّعون بأنهم ضحايا لغياب الحرية هم من أشدّ أعدائها    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوجه التكامل في التشريع التونسي بين حماية الطفل المهدد والطفل الذي تعلقت به تهمة
نشر في الصباح يوم 08 - 12 - 2007

بالنّظر إلى التطوّر الاجتماعي الذي عرفته تونس في العشرية الأخيرة من جهة وتطوّر التشريع الدّولي الذي عرفته منظومة حقوق الطّفل عمل المشرّع التونسي على ملاءمة التشريع المتعلق بالطّفولة مع اتفاقية حقوق الطفل مؤكدا بذلك تكريس حقوق الانسان عامّة وحقوق الطّفل خاصة
فجاءت لذلك مجلة حماية الطفل في 9/11/1995 منزّلة حقوق الطّفل في الرعاية والحماية في مجرى الاختيارات الوطنية الكبرى التي جعلت من حقوق الإنسان مُثلا سامية توجّه إرادة التونسي وتمكّنه من الارتقاء بواقعه نحو الأفضل وعلى نحو ما تقتضيه القيم الانسانية.
وقد اشتملت هذه المجلة على تدابير وإجراءات على درجة هامّة من التطوّر فهي مبادرة تشريعية خصّصت وحدّدت أجهزة وآليات بأكملها لتسهيل تطبيق مختلف النّصوص المتعلّقة بحقوق الطفل والمضمّنة بمختلف المجلات القانونية الأخرى التي جاءت ناصّة على حقوق الطفل ولمجلة حماية الطفل نفسها أو التي جاءت ضمن قوانين خاصّة وذلك حماية للطفل وحقوقه.
*** إنّ السياسة التشريعية في تونس والمتعلّقة بالأطفال تعكس بصدق ذلك الوعي العلمي لمشكلة الأطفال منذ الولادة سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين وسواء كانوا عاديين أو مهدّدين أو منحرفين وذلك على حدّ سواء وهي تعكس أيضا إسهاما جديا وصادقا وفاعلا في خلق وتطوير التشاريع بما يتماشى وحقوق الطّفل ومفاهيم الدّفاع الاجتماعي والسياسة الاجتماعية والجزائية بشكلها المعاصر الجديد والمرسوم ضمن اتفاقيات الأمم المتحدة المنجزة في الموضوع.
وإنّه ولئن استُدعِي أمر اعداد مسودّة اتفاقية حقوق الطفل عشر سنوات وذلك منذ سنة 1979 الى 1989 تاريخ اعتمادها مشكلة بذلك أبرز صك لحقوق الطفل فإن مجلة حماية الطفل صدرت بعد مدّة أربع سنوات من إمضاء تونس على هذه الاتفاقية ومصادقتها عليها وان البعض يعتبر ان جل أحكامها مستمدة من هذه الاتفاقية الأم التي تطرّقت إلى أبرز حقوق الطفل كالحق في البقاء والحق في النّماء والحق في الحماية.
لكن مع ذلك أقول ان القانون التونسي في الواقع والمستمدة أحكامه من الشريعة الإسلامية كان سبّاقا حسب رأيي لتجسيد حقوق الطفل باعتبار وإن الاسلام تميّز بالاهتمام بحقوق الطفل من قبل أن يولد هذا الأخير وقبل أن يكون جنينا في بطن أمّه عندما أرشد الزوجين إلى إحسان الاختيار كما تميّز بفكرة وجوبيّة هذه الحقوق على الوالدين ثم المجتمع ثم الدولة لذلك أقول أنّ المشرّع التونسي كان سبّاقا لإتفاقية حقوق الطفل في الاقرار بحقوق هذا الاخير وان هذه الحقوق المشرّعة لفائدة الطفل فإنها ولئن كانت مفرّقة صلب العديد من المجلات والبعض من النصوص القانونية الخاصّة إلاّ أنها موجودة بصفة فعليّة.
والمتأمّل لجملة القوانين الصادرة اليوم لفائدة الطفل يكتشف أنّ دور الدولة اليوم هو بصدد تغيير عميق لما تُعتِّمه الضغوطات الاجتماعية من اختلاف في المفاهيم حول واجباتنا نحو الطفل لذلك يقول البعض من العلماء أن تونس قامت إبّان الاستقلال على فكرة التنظيم أما بعد التحوّل من 7/11/1987 فإنّ أيّ شخص يلحظ أن هناك تحوّلات في الخطاب السياسي الذي أصبح ينادي لا بالتنظيم فقط بل أيضا بالمشروعات الحضارية وذلك إلى جانب فكرة التنظيم مع تبنّي نظريات العلم الحديث...
كل هذه القوانين الصادرة لفائدة الطفل تفتح المجال واسعا أمام كل عناصر المجتمع بمختلف فئاته وأفراده للاطلاع عليها والبحث فيها وانّ طرح قضيّة حقوق الطفل اليوم يحتاج إلى اعتماد مبادئ إضافية والاضافات المطلوب تقديمها للمجموعة الوطنية الى جانب التعريف بما تحقّق للطفل التونسي بيان ما اذا كان يوجد تكامل في هذه الحقوق المشرّعة لمختلف الاطفال وما ان كانت هذه الحقوق في تناغم مع مختلف الفئات الاجتماعية لهذا الوطن العزيز وان كان يوجد نقص يمكن تلافيه لذلك ارتأيت اليوم ونحن نحتفل بالاعلان العالمي لحقوق الانسان أن أطرق موضوعا أوضّح ضمنه أوجه التكامل في النّصوص التشريعية لحماية الطفل مع ما يمكن أن تقدّمه من إضافات والله المستعان.
I - أوجه التكامل في التشريع التونسي بين حماية الطفل المهدّد والطفل الذي تعلّقت به تهمة
لا خلاف وان العائلة لازالت تلعب دورا مهمّا في تربية وتنشئة أبنائها على القيم الاجتماعية والأخلاقية ونفس الشيء بالنسبة للمجتمع بمختلف مكوّناته المدنية كما ساهم القانون في حماية الأطفال وذلك ضمن عديد المجلات القانونية في تونس كالمجلة الجنائية ومجلة الأحوال الشخصية والمجلة المدنية وغيرها من المجلات وبصدور مجلة حماية الطفل خلال سنة 1995 والتي جاءت تطبيقا واستكمالا لاتفاقية حقوق الطفل تدعّم هذا البعد الحمائي تجاه الاطفال المهدّدين والجانحين حيث جاءت هذه المجلة مختزلة لمجموعة من المبادئ والقيم ذات البعد الانساني ومرتكزة على أخلاقيات مفادها أنّ الطفل باعتباره غير ناضج بدنيا وفكريّا فهو دائما في حماية المجتمع بأسره.
فمن هو الطفل المهدّد ومن هو الطفل الجانح وما هي أوجه التكامل لحمايتهما
1) إنّ الطفل المهدّد هو كل طفل يعيش وضعية صعبة وظروف قاسية يكون خلالها مهدّدا في سلامته البدنيّة والمعنوية وذلك وفقا لما تضمّنه الفصل 20 من مجلة حماية الطفل الذي تضمّن ثمانية فقرات نصّت على مختلف أشكال التهديد وان العناية بالطفل المهدّد لم تكن واضحة بالشكل التي هي عليه اليوم وان كانت تشريعيا موجودة خاصة ضمن بعض الفصول بمجلة الإجراءات الجزائية وكذا الشأن بالنسبة لمجلة الأحوال الشخصية هذا إلى جانب القرارات الرئاسية الصادرة لحماية هذه الفئات نذكر منها خاصة قرار فتح قرى أطفال بورقيبة لإيواء المشرّدين وفاقدي السند العائلي ومجهولي الهوية كذلك قرار بعث المعهد الوطني لرعاية الأطفال والذي يؤوي الأطفال دون سنّ السادسة والفاقدين للسّند العائلي غير أنّه بصدور مجلة حماية الطفل تطوّرت هذه المؤسّسات وفقا لاحتياجات الطفل ضرورة أنّ هذه المؤسّسات كانت قبلا وإلى حدّ ما مهمّشة وغير منظّمة وهي تفتقر للآليات والإجراءات الحمائية العملية كما أنّها كانت تفتقر لآليات التكامل والتعامل فيما بينها بحيث تنتمي كل مؤسسة أو مجموعة مؤسّسات إلى وزارة معيّنة وتعمل بصفة فردية دون أيّ تنسيق وتكامل مع غيرها من المؤسّسات التابعة لوزارة أخرى.
ومن بين الإجراءات الحمائية للطفل المهدّد ضمن مجلة حماية الطفل نذكر وباختصار أنّ هذه المجلة خصّصت بابا كاملا لحماية الطفل المهدّد وذلك من الفصل 20 إلى الفصل 67 وأبرز ما جاء بهذه المجلة لحماية الطفل هو الحماية الاجتماعية المتمثّلة في مندوب حماية الطفولة هذه الخطّة التي سرعان ما تعمّمت على مختلف الولايات نظرا لما يقوم به من دور فعّال في حماية الطفل المهدّد وكذلك واجب الاشعار حيث فرض القانون على كلّ فرد من المجتمع ومهما كانت صفته ومهنته ان يعلم عند ملاحظته أيّ خطر أو أيّ اعتداء أو أيّ استغلال يتعرّض اليه الطفل وهذا الواجب محمول حتى على الأشخاص الخاضعين للسر المهني وكذلك حماية قانونية تتمثل في عدم مؤاخذة الطفل جزائيا حتى وان ارتكب جناية متى كان عمره أقلّ من ثلاثة عشر سنة كاملة.
وأخيرا حماية قضائية: وهي تشمل قاضي الأسرة المختصّ في مجال قضاء الطفل المهدّد كما أنّ قاضي الأسرة له ولاية عامّة على أعمال مندوب حماية الطفل ويقوم خاصة باتخاذ كل الاجراءات والتدابير الاستقرائية والاستعجالية لحماية الطفل وذلك حسب وضعية كل طفل وعادة ما يتم اشراك الطفل ووليه أو حاضنه أو مقدّمه عند أخذ القرار على أن يكون أيّ قرار يتماشى ومصلحة الطفل الفُضلى وعدم فصل الطفل عن عائلته الا متى اقتضت مصلحة الطفل ذلك.
2) أوجه الحماية بالنسبة للطفل الذي تعلّقت به تهمة
يعدّ جنوح الاطفال ظاهرة اجتماعية وقانونية فهو ظاهرة اجتماعية لكونه يمسّ كلّ المجتمعات البشريّة على مرّ العصور لكنها تفاقمت وانتشرت بكثرة في مختلف الدول سواء كانت متقدّمة أو نامية أو متخلّفة.
والجنوح تُعدّده عوامل عديدة نذكر منها الزمان والمكان والثقافة وهو ظاهرة قانونية باعتبار وأنّ القانون الوضعي يعد الجنوح كلّ عمل أو امتناع عن عمل يستوجب المؤاخذة الجزائية الذي تكفّل القانون الجزائي ببيانها وفرض عقوبة على مرتكبها.
وفي تونس يعدّ الطفل جانحا إذا بلغ من العمر ثلاثة عشر سنة كاملة وارتكب فعلا يعاقب عنه القانون الجزائي باعتباره مخالفة أو جنحة أو جناية وان العناية بالطفل الجانح كانت مجسّمة قبل صدور مجلة حماية الطفل في مجلة الاجراءات الجزائية وما تضمّنته من نصوص قانونية لتسليط العقاب على الطفل الجانح وكذلك عبر بعض المؤسّسات الخاصة التي كان فيها الطفل يقضي فترة العقاب وقد تمّ الغاء أحكام مجلة الإجراءات الجزائية المتعلقة بالطفل الجانح عند إصدار مجلة حماية الطفل والحقيقة تقال فإنه يصدور هذه المجلة أصبحت الآليات والاجراءات الحمائية للطفل الجانح متعدّدة ومتنوعة وتمتدّ على كامل مراحل التقاضي الجزائي بداية من مرحلة ما قبل المحاكمة مرورا بمرحلة المحاكمة وصولا إلى مرحلة ما بعد المحاكمة بل قل هي تمتد حتى إلى اختيار الكلمات التي تطلق على الطفل حيث يطلق عليه الطفل الذي تعلّقت به تهمة وان هذا الطفل لا يكون جانحا الا متى صدر ضدّه حكم القاضي بالإدانة - ومن أهمّ هذه الآليات نذكر:
- التمتّع بقرينة عدم المسؤولية وفقا لمقتضيات الفصل 68 من مجلة حماية الطفل فإنه لا يمكن مؤاخذة الطفل الذي لم يبلغ سن 13 سنة كاملة.
- تشريع مبدا التّجنيح: أقرّ المشرّع صلب الفصل 69 من مجلة حماية الطفل تجنيح كلّ الجنايات ما عدا جريمة القتل والهدف من التجنيح هو حماية الطفل الجانح بتخفيف العقاب عليه.
- توفير هيكل قضائي خاص من قضاة ومحاكم وفقا لمقتضيات الفصل 81 من المجلة. وقاضي الاطفال هو قاضي من الرتبة الثانية سواء في مستوى النيابة أو التحقيق أو المحاكمة أي أن تكون له الخبرة والكفاءة والتجربة وما يسمح له بدراسة شخصية الطفل...
- حماية استقرائية حيث سعى المشرّع الى اعتماد إجراءات حمائية وإجرائية لفائدة الطفل الجانح ويبرز ذلك من خلال.
- منع الايقاف التحفظي بالنسبة للأطفال المرتكبين لجنحة ومخالفة.
- عدم وجوب حضور الطفل الجانح المرتكب لمخالفة أمام قاضي الأطفال.
- إمكانية عرض الطفل الجانح على خبير نفساني.
- كما نصّ الفصل 77 من المجلة على ضرورة إعلام وكيل الجمهورية قبل اتخاذ أيّ عمل إجرائي ضدّ الطفل الذي تعلّقت به تهمة من قبل مأموري الضابطة العدلية.
- تسخير محام من طرف النيابة العمومية لفائدة الطفل وذلك في صورة وجود جريمة خطيرة حماية للطفل وحقوقه وتحقيقا لمبدإ الدفاع.
- اعتماد نظام الحرية المحروسة والمتمثّل في إبقاء الطفل في محيطه مع مراقبته من طرف مندوب الحرية المحروسة الذي يقوم بحراسة غير لصيقة بالطفل.
- الوساطة: وهي على معنى أحكام الفصل 113 من مجلة حماية الطفل تعدّ آلية إلى إبرام صلح بين الطفل الجانح ومن يمثله قانونا وبين المتضرّر ومن ينوبه أو ورثته ويهدف هذا الاجراء إلى إيقاف التتبعات الجزائية.
إذن يمكن القول ان هذه الآليات التي شرّعها المشرّع لفائدة الطفل قد تعدّدت وتنوعت فهي قانونية وقضائية واجتماعية ومؤسّساتيّة وهي موجّه لكل من الطفل المهدّد والطفل الجانح على حد سواء ولكن السؤال المطروح هو هل يوجد تكامل بينها:
II - أوجه التكامل بين الآليات الموجهة لحماية الطفل وما هي الثّغرات الواجب تداركها لتدعيم هذه الحماية؟
من خلال مختلف الآليات الحمائية التي وقع التعرّض إليها نلقى وأنّه على صعيد الواقع والتطبيق وجود تكامل بينها فالآليات الاجتماعية (من اشعار ومندوب حماية الطفولة) تخدم الآليات القضائية حتى يتوصل القاضي إلى أخذ القرار الملائم للطفل والآليات المؤسّساتية لا تُعتبر مجرّد مبنى فقط لإيواء الطفل سواء كان جانحا أم مهدّدا بل هي أيضا هيكل اجتماعيّ وبيداغوجيّ للإحاطة بالطفل لتخطّي الأزمة التي هو فيها ومساعدته لاعادة الاندماج ضمن أسرته والمجتمع وايجاد الحل المناسب له وهي الى جانب هذا تساعد أيضا القاضي بالنسبة للأطفال الذين تعلّقت بهم تهمة على التعرّف على شخصية الطفل من خلال التقارير النّصف شهرية التي ترفعها له لأخذ القرار السّليم والذي يتماشى مع حالة الطفل (مركز ملاحظة الاحداث مثلا). فكيف تعمل هذه المؤسّسات.
أ) التنظيم العلمي الهادف لعمل المؤسّسات المخصّصة بالطفل
قلت ان المشرّع قد خصّ الاطفال بقضاء خاص له صبغة حمائية وإصلاحية يتماشى مع كلّ شريحة معرّضة للوقوف أمام القاضي كونها مهدّدة أو متعلّقة بها تهمة ونلاحظ هنا وبالنسبة للطفل المهدّد من خلال كيفية عمل قاضي الأسرة الذي يعتمد إنشاء علاقة مع الطفل والعمل على التواصل معه لفهمه ليصل إلى اختيار أنسب القرار وأفضله لمصلحته كلّ ذلك من خلال التقارير المرفوعة له سواء من طرف مندوب حماية الطفولة أو من المؤسّسات المخصّصة للطفل سواء كانت مؤسّسات إيوائيّة له أو متابعة له كمؤسّسات الدفاع الاجتماعي.
وكذلك الشأن بالنسبة لقاضي الاطفال الذي أصبح ينهج نهجا مختلفا عن القاضي التقليدي حيث أصبح يعمل على إقامة علاقة تواصل مع الطفل تمكّنه من التقرّب منه وفهمه وتمكّن الطفل من الاحساس بالثقة معه ومن خلال قناة التواصل هذه يستطيع القاضي الالمام بجوانب حياة الطفل المختلفة ومعرفة سبب وقوعه في الخطا واتخاذ القرار الصّائب لصالحه كل ذلك بالاستعانة بالمؤسّسات التي تؤوي الطفل أثناء فترة الملاحظة أو مع مندوبي الحرية المحروسة أو مع مندوب حماية الطفل لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف وصلت هذه المؤسسات لتعمل بهذا النّسق المنظّم؟
ب) القرارات الرئاسية الصادرة بشأن تنظيم المؤسّسات وتأهيلها.
لا يختلف إثنان من العاملين في هذا الميدان ان مجلّة حماية الطفل صدرت لحماية كلّ من الطفل المهدّد والطفل الجانح على حدّ سواء ولكن هل ان مجرّد صدورها كاف لحماية هذه الشّرائح من الاطفال أم أن هناك أعمال أخرى تلت صدور هذه المجلّة حتى أصبحنا نقول أنّه فعلا هناك مجهودات إنسانيّة بدرجة أولى ومنظمة للإحاطة بهذه الشّرائح من الأطفال.
الأكيد أنه بعد صدور هذه المجلة وجد القضاء صعوبة في متابعة القرارات والتدابير التي يقوم باتخاذها لوجود شغور على مستوى المؤسّسات ضرورة أنّه ولئن كانت هذه المؤسّسات موجودة الا أنّها كانت مهمّشة وغير متعاونة مع غيرها من المؤسّسات المخصّصة للطفل وحتى مع القاضي نفسه. ونتيجة لهذا النّقص الذي تمّت ملاحظته من طرف أعلى سلطة في البلد سواء على مستوى عدد المؤسّسات أو نوعية تنظيمها وعملها وسير نظامها وعلى إثر انعقاد مجلسين وزاريين برئاسة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي حيث كان الاول بتاريخ 18/2/1998 والثاني بتاريخ 11/1/1999 لدراسة وضع الطفولة ثم وعلى اثر اجتماع سيادته يوم 1/4/1999 مع وزير الشؤون الاجتماعية للنظر في الوضع الاجتماعي في البلاد وسير العمل بهذا القطاع اهتمّ سيادته أيضا بوضع الطفولة وعلى اثر ذلك أذن ببعث مركزين لإيواء الأطفال المهدّدين الأول وهو فرع مخصّص بمركز ملاحظة الاحداث بمنّوبة أما الثاني فهو الفرع الذي تمّ بعثه بمركز الاحاطة والتوجيه الاجتماعي بدوّار هيشر كما أقرّ سيادته جملة من القرارات الدّاعمة لهيكلة وتنظيم وتخصيص مجموع المؤسّسات المتدخّلة لفائدة الاطفال المهدّدين والجانحين. كما أصدر قرارا بتخصيص المؤسّسات وفق عاملي السنّ والدراسة وهو كالتالي:
- الأطفال أقلّ من 6 سنوات يوجّهون ويودعون بالمعهد الوطني لرعاية الطفولة.
- الاطفال الذين سنّهم بين 6 و18 سنة والمزاولين للدراسة أو لتكوين مهني يودعون ويوجّهون إلى المراكز المندمجة وهي مؤسّسات تابعة لوزارة المرأة...
- الأطفال الذين سنّهم بين 13 و18 سنة (الذّكور) والمنقطعين على التعليم يوجّهون الى فرع خاص بمركز ملاحظة الاحداث.
- الأطفال الذكور والذين سنّهم بين 6 و13 سنة والفتيات من وإلى حدود سن 18 سنة يوجهون إلى مركز الاحاطة والتوجيه الاجتماعي بفرع خاص بالأطفال على أن يقع الأخذ بعين الاعتبار بعدم التفرقة بين الاخوة.
كما تمّ تنظيم وتخصيص مؤسّسات الاطفال الجانحين هذا مع الاشارة إلى أهمية الدّور الذي يقوم به مركز الاحاطة والتوجيه الاجتماعي بدوّار هيشر الذي يعد مرصدا لاستقطاب الحالات الانسانية الحساسة مهما كان سنها ليقدم لها أوّلا الخدمات الضرورية حفاظا على حياتها ليقوم بعد ذلك بإيجاد أنسب الحلول لها.
قرارات مبنية على تفكير علمي وتنظيم حضاري محسوس وهي جريئة وتدل في ذات الوقت على حسّ إنساني رهيف ومسؤول لكن هل هذا كلّه كاف؟
لن أترك الإجابة لكم وسوف لن أعطيكم إجابة كاملة ولكن أستمرّ فأقول بأنّه بقدر ما نفتخر بما وصلت إليه بلادنا من نتائج إيجابيّة على مستوى توفير آليات حمائية مختلفة تضمن تطبيق مقولة «الوقاية خير من العلاج» والمتمثّلة في أهميّة النصوص التشريعية وتخصيص المؤسّسات والذي تؤكّد على الدّور الجليل والفعّال الذي تقوم به الدولة لفائدة هذه الفئة، يبقى السّؤال مطروحا حول فصل هام ضمن مجلّة حماية الطفل ويمكن اعتباره أهمّ فصل بها إذا كنا نقرّ ان الاسرة هي الرّكيزة الأساسية في تربية النشء والمحافظة على توازنه هذا الفصل الذي ورد ضمن هذه المجلة بدون أيّ توضيح لكنه ترك مسؤولية إيجاده وتنفيذه الى 3 وزارات حيث جاء بهذا الفصل 66«مجلة حماية الطفل تعدّ قائمات في العائلات والمؤسّسات المؤهّلة لكفالة الأطفال من قبل الوزراء المكلّفين بالشباب والطفولة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية».
أين هذه القائمات في العائلات (إذا ما استثنينا عائلات قانون الايداع العائلي و"التي تكون بمقابل") أين العائلة البديلة والممتدّة أين عائلات الاستقبال التي خصّصت لها المجلّة فصلا بأكمله لماذا لا يقع اعطاء هذا الفصل حقه لماذا لا تقع دراسات لايجاد هذه العائلات الحلول الممكنة وموجودة لأنّ التونسي يبقى دائما ذلك الانسان الشرقي المتشبّع بقيم الدّين الاسلامي الحنيف والدّاعي الى التضامن والتآخي والتآزر.
فكيف لا يقع اعداد دراسة جديّة للعمل على إيجاد هذه العائلات حتى يمكن بذلك أن نقول أنّ هناك فعلا تكاملا بين ما تقدّمه الدّولة وبين المواطنين التونسيين بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم مسؤولية حماية الطفل ليست مسؤولية الدولة وحدها بل هي مسؤولية أيّ إنسان له إحساس بأخيه الإنسان وخاصة بطفل بريء بطفل فرضت عليه ظروفا خارجة عنه بأن يكون مهدّدا أم جانحا.
- لست أدري ان كان ما أكتبه له أهميته أم لا ولست أدري ان كان ما أكتبه سيهتم به الطفل اليوم أم سيهتمّ به من كان راشدا ويهتم بميدان الطفولة أم يهتم به الطفل لما يصبح راشدا، شيء ما يجبرني أن أكتب في موضوع الطفولة ولست أدري ان كان ذلك حنين يربطني لعالمها أم هو واجب يفرضه عليّ ضميري نحو وطني وأبنائه ليس للتعريف بما تحقّق للطفل وإنّما أيضا بما يمكن أن نعتبره نقصا حتى يمكن أن نقول هناك تكامل بين ما يصبو إليه المشرّع ووضع الطفل وما يمكن أن توفّره من رعاية متكاملة لضمان جيل قويّ ومنتج.
ورغم إيماني بأن طفل اليوم هو طفل آخر طفل قرن جديد مخالف لنا وهو طفل محاط بسياج معلوماتي وتكنولوجي ومبرمج في أفق معرفي كوني يمكن أن تنهار أمامه كل الثوابت والقيم التي كنا نحن جيل الأمس نؤمن بها.
ورغم إيماني أنّ طفل 2020 و2030 و2060... سوف لن يكون الاّ ذلك التونسي الذي برمجته مدارسنا وأسرنا وفُرجتنا وشوارعنا وإنصاتنا للعالم من حولنا وكما قلت فإنّ هناك جهدا جليّا وواضحا في كلّ المجالات للاحاطة بهذا الطفل دعما وتدخّلا وتشريعات ومؤسّسات وأطر وبرامج وأن هناك وعيا بأنه ليس طفلا واحدا وإنّما هو أطفال وشرائح عمريّة متعدّدة تمتد من اللحظة الأولى عند الولادة (ان لم نقل قبلها) الى سن 18 سنة الا أنّه لا بدّ من العمل على إيجاد العائلة البديلة والتي تمتدّ لتشملني وإيّاكم ولتشمل كلّ عائلة يمكن أن يتواجد فيها الحب والحنان والرعاية والتي يمكن أن يشعر فيها الطّفل بالاطمئنان والأمان. فلماذا لا نعمل على إيجادها خاصة وأنّ الغريزة الطفوليّة تصبو دائما للعيش داخل الأسرة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.