تونس الصباح نحتفل اليوم بالعيد الوطني للطفولة وهي مناسبة هامة للتذكير بما تحقق للطفولة في بلادنا من مكاسب عديدة إن على المستوى التشريعي والقانوني انطلاقا من المصادقة على المواثيق الدولية الخاصة بحماية الطفولة وصولا إلى سن تشريعات وطنية تعتبر رائدة على غرار مجلة حماية الطفولة، أو على المستوى المؤسساتي باحداث هياكل تعنى بالطفولة وتسهر على تنفي هذه التشريعات منها مندوب حماية الطفولة وقاضي الاسرة.. ورغم ما يسود إحياء عيد الطفولة من أجواء احتفالية وأنشطة ترفيهية وتظاهرات ميدانية تضمنها البرنامج الذي أعدته وزارة شؤون المرأة والاسرة والطفولة بهذه المناسبة، ما ضر لو تناولنا مواضيع في اتجاه مزيد العناية بالطفولة لا سيما الطفولة المهددة التى رغم عدم التصريح بالمؤشرات الاحصائية الخاصة بعدد الاطفال الجانحين والاطفال المتعهد بهم في مراكز الاصلاح ورغم تأكيد مصالح رعاية وتعهد الطفولة الجانحة أن نسبة الاطفال الجانحين في تراجع مستمر في السنوات الاخيرة وقد قدرت نسبة التراجع هذه في حدود 10 بالمائة بين سنتي 2005 و2006 وذلك وفق ذات المصادر إلى تنامي التشريعات والاليات المحدثة الرامية إلى حماية الطفولة والتوقي من المخاطر التي تهدد الناشئة في العائلة أساسا ومن ثمة في المجتمع،فإن ذلك لا ينفي وجود جملة من المظاهر الاجتماعية التي لا تزال تتهدد الطفولة وقد تكون سببا مباشرا في السقوط في فخ الانحراف لا سيما مع تقلص مستوى الاهتمام العائلي بالطفل من حيث المراقبة والتعهد وقد أصبح الشارع وللاسف يحتل مرتبة متقدمة في تنشئة الطفل وتلقينه مبادئ وقيم الحياة بين ظفرين. هذا الواقع الذي يفرز وضعيات تهديد أوجد التشريع مقابلها عددا من الهياكل للاحاطة والمتابعة والتدخل فماذا عن تقييم عمل هذه الهياكل وماذا عن الصعوبات التي تواجهها في أداء مهامها؟ نشير في هذا السياق الى ما تضمنته الدراسة التى أعدها المرصد الوطني للشباب حول الظواهر السلوكية الجديدة لدى الشباب والتي تطرقت في جزء من عملها إلى محاولة تقييم عمل بعض الهياكل المتدخلة في مجال العناية بالطفولة الجانحة أو المهددة على غرار مندوب حماية الطفولة وقاضي الاسرة والمتدخلين الاجتماعيين إلى جانب مؤسسات الرعاية الاجتماعية. تقييم عمل بعض الهياكل لقد أرسى المشرع عبر مجلة حماية الطفل آليات حمائية قضائية في مجال الطفولة المهددة والطفولة الجانحة ويعتبر دور قاضى الاسرة في هذا المجال محوريا حيث أسندت له المجلة مهاما من شأنها أن تؤدي إلى انتشال الطفل مما قد تؤول اليه وضعية التهديد إلى الانحراف. ومن خلال ما وصلت إليه الدراسة آنفة الذكر فإن هذه الالية تواجه جملة من الصعوبات حيث تشير الدراسة إلى أن "اتساع مشمولات قاضى الاسرة في مجال حماية الطفولة المهددة ومتطلبات تعهده بكل حالة على حدة ودراستها بشكل معمق واتخاذ القرار الملائم بشأنها ثم متابعة مدى تأثير ذلك القرار ومراجعته على ضوء ذلك التأثير.كل ذلك لا يتناسب مع الوضع الحالي لخطة قاضي الاسرة.. جراء تعهده مع تلك المشمولات بكم هائل من الاختصاصات الاخرى على غرار قضايا الطلاق بأنواعها واثبات النسب واسناد اللقب للاطفال المهملين.. وهو وضع من شأنه أن يقلص بشكل جدي من نجاعة تعهد قاضى الاسرة بمجال الطفولة المهددة بما يتسم به من دقة وحيوية.. " رأت الدراسة أيضا أن التعامل مع مختصين في مجال الطفولة من قبل قاضى الاسرة لا يزال بحاجة إلى تدعيم كذلك يجب التفكير في توفير المزيد من الاطارات القضائية المختصة في قضايا الاطفال على مستوى النيابة العمومية ووضع خطة طويلة المدى تشمل تكوينا مستمرا للقضاة المتعاملين مع جنوح الاطفال.. مندوب حماية الطفولة من بين الهياكل الاخرى التي أرستها مجلة حماية الطفل لتجاوز وضع التهديد الذي يمكن أن يعيشه الطفل نجد خطة مندوب حماية الطفولة الذي أسندت له صلاحيات للتدخل في الوقت المناسب وحماية الطفل من كل ما يهدد سلامته البدنية أو المعنوية ومن خلال اللقاءات مع عدد من مندوبي حماية الطفولة توصلت الدراسة إلى ابراز جملة من الصعوبات التي يواجهها مندوب حماية الطفولة خلال ممارسة مهامه على غرار: ضعف الامكانيات المادية والبشرية الذي ينجر عنها عدم امكانية التدخل بالنجاعة والسرعة المرجوتين خاصة في الحالات المتأكدة والعاجلة. تعذر القيام بعملية المتابعة بالنسبة إلى التدابير الاتفاقية المتخذة من قبل المندوب أو القرارات الصادرة عن قاضي الاسرة وبالتالي عدم امكانية تقييم الاجراءات المتخذة ومدى ملاءمتها مع حالة الطفل المهدد وخاصة مراقبة انتهاء حالة التهديد أو استمرارها فكثرة الحالات التي يتعهد بها المندوب وعدم تقبل أغلب العائلات لتدخل شخص غريب في شؤونها الخاصة تعيق عمله. - صعوبة إيجاد الحلول المؤسساتية بالنسبة للحالات التي يمثل محيطها الطبيعي خطرا عليها وصعوبة تنفيذ قرارات قاضي الاسرة سواء تلك المتعلقة بإيداع الاطفال بمؤسسات أو غيرها. - صعوبة ادماج الاطفال المهددين في المؤسسات التربوية والتكوينية نظرا لعدم تمتعها بشروط القبول( السن-المستوى الدراسي). - عدم وجود إطار مرجعي لتنسيق عملية التعهد بوضعيات الاطفال المهددين بين مختلف المتدخلين وبقاء هذا التنسيق رهن اجتهادات المندوب وحسن استعداد بقية الاطراف من عدمه مما يجعل جهود مختلف المؤسسات مشتتة وغير قادرة على مساعدة الطفل بصفة ملموسة على تخطي صعوباته. قدمت الدراسة الخاصة بالظواهر السلوكية الجديدة لدى الشباب أيضا جملة من التقييمات لعمل بعض الهياكل الخاصة بملاحظة الاحداث والادماج الاجتماعي وقدمت جملة من الصعوبات التي تواجه عمل هذه الهياكل بالاضافة إلى تقديم جملة من الاقتراحات التي بالامكان التوسع فيها والعمل على تنفيذ بعضها بالتنسيق مع الهياكل المعنية لمزيد الاحاطة بالطفولة. نشير كذلك إلى ضرورة العمل على مزيد دفع العمل الوقائي والحمائي لفائدة الاطفال المهددين من ذلك التحسيس والتأكيد على عملية الاشعار عن الحالات التي تهدد الاطفال لدى المصالح المختصة من قبل جميع المواطنين الذين يعاينون مثل هذه الوضعيات مع العمل على توعية الاسرة بالاضطلاع بدورها إلى جانب الهياكل المعنية للتصدي لجنوح الاطفال والحيلولة دون وجود الاطفال في وضعيات تهدد حقوقهم الاساسية التي نصت عليها المواثيق الدولية ومجلة حماية الطفولة على غرار حق الطفل في الحياة وحقه في الصحة والغذاء وحقه في التربية والتعليم والاندماج الاجتماعي وحقه في الحماية من كل مظاهر التهديد.