اذا كانت الأسواق البلدية والفضاءات التجارية مشمولة بالعناية الموصولة لمصالح المراقبة التي تحاول الحدّ من انفلات الأسعار وشططها والذي عجزت أغلب الهياكل المعنية من إيقاف نزيفه الذي استنزف جيب التونسي وجعله يعيش حربا يومية مع شهواته التي يغذيها صيامه ولهفته على اقتناء حاجياته وما يزيده عنها وبين كلفة استهلاكه اليومي التي لا تتجاوز في الكثير من الأحيان وبالنسبة للسواد الأعظم من التونسيين دنانير معدودة... وبتضافر عوامل اللهفة وهذه تكاد تكون صفة تونسية صميمة في الشهر الكريم-ومؤشرات الوضع الاقتصادي التي تراوح نزولا وصعودا وغلاء الأسعار وتكالب بعض التجاّر على تحقيق كسب غير مشروع من خلال استغلال أزمة القطر الليبي المجاور وتهريب مختلف البضائع الوطنية عبر معابر ومسالك برية بما فيها حتّى المواد المدعمة التي جعلت لدعم المقدرة الشرائية للتونسي «الزوالي» و»بوالعايلة».. الزيت المدعمّ .. يتبخّر بات إيجاد قارورة زيت مدعّم لدى أحد العطارة بمثابة الغاية التي لا تدرك بسهولة؛ فرفوف البيع وحيثما وليت وجهك في الفضاءات التجارية المختلفة سواء مساحات كبرى أو «عطار الحومة» تطالعك قوارير زيت الذرة وعباد الشمس الملتهبة أسعارها بحيث لا تغريك ألوانها الذهبية بالاقتراب منها غيرأن الحاجة الأكيدة تدفعك اليها خاصّة أن الزيت المدعّم تبخّر وغادر البلاد في وجهة معلومة عجزت هياكل التجارة والمراقبة عن قطع مغادرته القسرية وجعله يرابط بالبلاد لتستفيد منه العباد ولئن كان غياب الزيت مثله مثل السكر والحليب لا نكاد نشعر بعمق أزمة غيابه فإن الأمر على خلاف ذلك في المناطق الداخلية حيث وافتنا مصادر مختلفة بنقص على مستوى التزويد في بعض المعتمديات بجهة القصرين وبولايات الشمال الغربي إذ يعاني الأهالي من غياب بعض المواد الأساسية من حين إلى آخر كالحليب والزيت والسكر وهو إشكال مازال قائما رغم الجهود المبذولة في هذا الشأن لكن المشكل ما زال لم يحلّ بعد .. غلال وخضر بأسعار سياحية رغم أنه بالنسبة لأغلب الغلال والخضر فإننا ليس لدينا مشكل كبير في التزوّد الداخلي بحكم أن انتاجنا في مجمله يحقّق لنا نوعا من الاكتفاء الذاتي وهو ما انعكس إيجابا على الأسواق الداخلية بحيث دائما ما تتوفّر على أغلب المنتوجات من غلال وخضر بأسعار مدروسة ولئن شهدت هذه الأسعار التهابا في بعض المواسم غمّا لتحكّم المزودين والفلاحين في السوق ومحاولة تحقيق أرباح غير مشروعة على حساب جيب المستهلك فإن هذه السنة شهدت معدّلات قياسية في أسعار بعض المنتوجات الفلاحية على غرار الخضر والغلال وهو ما جعل المستهلك يتذمّر من الشطط غير المبرّر في نظره لهذه المواد الأساسية والتي يصعب الاستغناء عنها خاصّة أن هذا المستهلك ذا الدخل المتواضع شأنه شأن السواد الأعظم من التونسيين قد طلّق اللحوم الحمراء بالثلاثة التي وصلت إلى أسعار خيالية و ها هو يشارف على تطليق الدجاج طلقة بائنة لا تقبل الرجوع.. وكلّ ما تقدّم جعل التونسي يتلظى بنار الأسعار وينتظر قرارات تنزل عليه بردا وسلاما وتجنّبه سعير التداين خاصّة أن مواسم حصد مدّخراته إن وجدت ستحلّ في قادم الأيام وخاصّة بمناسبة عيد الفطر والعودة المدرسية التي لا ندرى اذا كانت الأدوات المدرسية ستقفز أسعارها بدورها الى معدلات خيالية خاصّة في غياب سوق بومنديل الذي اختصّ في السنوات الأخيرة في الأدوات المدرسية ذات الأصل الصيني والسعر المنخفض.. التمعش من التهريب.. بالنظر إلى ما يشهده القطر الليبي من تطاحن داخلي وعدم استقرار للأوضاع عطّل الكثير من المرافق وخاصّة المبادلات التجارية التي شهدت إما نقصا في التزوّد أو غياب التنظيم على مستوى مسالك التوزيع .ونشطت في المقابل سوق «الكنترة الاستهلاكية». فبعض المتكالبين على الربح لم يستنكفوا المتاجرة في المواد الغذائية الأساسية التونسية وحتى في تلك المدعمة وأوجدوا طرقا ومعابر خفية لترويج المنتوجات التونسية خارج الحدود وقد حاولت السلط الرسمية التونسية تدارك الأمر لتلافي اختلال محتمل في الموازين التجارية الداخلية تكون عواقبه وخيمة ورغم تمكّن المراقبة من ضبط كميات مهربة غير أنه وحسب مصادر مازالت مثل هذه العمليات تنشط على حدودنا الجنوبية الشاسعة والتي يصعب مراقبتها بصفة عاجلة وفعّالة ويبقى الحل الأمثل لهذه المعضلة هو وعي التجّار بأن الربح لا يعني بالضرورة إهدار المال العام والثروة الوطنية ..