بقلم: آسيا العتروس إرضاء جميع الناس في وقت واحد غاية لا تدرك حقيقة تتأكد مجددا مع خطاب السيد الباجي قايد السبسي رئيس الحكومة أول أمس وهو الخطاب الذي جاء عقب اللقاء الذي جمعه قبل يوم باثني عشر من ممثلي الاحزاب السياسية في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة،فاذا كان الخطاب سيجد له القبول لدى فئة معينة من الناس دون غيرها فانه ربما يحظى بدرجة أقل من القبول لدى فئة أخرى وربما ينعدم القبول لدى فئة ثالثة... والاكيد أن كل فئة من الفئات الثلاث ستجد لها ما يكفي من المبررات لتعزيز موقفها من الخطاب الذي كان واضحا أن الهدف من ورائه تهدئة الخواطر واستعادة ثقة الشارع التونسي التي اهتزت على وقع الاحداث المتسارعة مع تعقد المشهد السياسي وتعدد الاعتصامات والاضرابات فضلا عن غلاء المعيشة وتراجع فرص العمل والامال الكثيرة التي حملتها ثورة الرابع عشر من جانفي قبل سبعة أشهر. طبعا لا نريد من هذه المساحة العودة الى تلك العادة التعيسة التي عانينا منها طويلا والتي ارتبطت في السابق مع كل خطاب للرئيس المخلوع حيث كانت تتسابق مختلف وسائل الاعلام في رصد ونشر اراء ما تجود به قريحة المحلليل والسياسيين من تهليل وتبشير لما ورد في الخطاب ولكن للوقوف على بعض ما تضمنه بعد أن بات اليوم وبفضل أجواء الحرية الجديدة التي تتمتع بها وسائل الاعلام بالامكان قرائة الخطاب السياسي للمسؤولين في بلادنا بكل موضوعية وتجرد وبما تستوجبه من صراحة وشفافية وربما على غير ما تريد له السلطة ان تكون فليس سرا أن الخطاب تزامن مع عديد الاحداث التي عاشت على وقعها البلاد من اعتصامات واحتجاجات وشكوك ومخاوف لا تزال قائمة كما يتزامن مع ما نشرته اخر استطلاع الرأي صادرعن منتدى العلوم من تراجع الثقة من 62 في المائة الى 26.2 في المائة. لقد بدا سي الباجي وليس في هذه التسمية انتقاصا لمكانة الرجل وقدره ومكانته على الساحة الوطنية في مرحلة لا تخلو من الحساسية،هذه المرة على خلاف المرات السابقة على درجة من التوتروالعصبية واذا كان رئيس الحكومة قد عودنا في مختلف خطبه السابقة على بعض ملاحظاته وتعليقاته الساخرة في تعامله مع الحضور كما مع الاعلاميين في بعض الاحيان فقد أكد في لقاء الامس أنه ليس من النواع الذي يحسن المجاملة أوغض الطرف عندما يتعلق الامر باستفزازه أوالتعرض له بطريقة قد لا تلقى القبول لديه وبذاك بؤكد السيد الباجي قايد السبسي أن له نوع من الحساسية ازاء بعض الاعلاميين أومناوئيه من جيل" الفايسبوكيين "الجدد وهو الذي ينتمي الى جيل مختلف ثقافيا وسياسيا... على أن المهم أن خطاب رئيس الحكومة عكس حقيقة لا مجال لانكارها وهي أن الرجل حتى وان غاب أواختفى عن الظهور فهو يقرأ ويسمع ويتابع ما يجري في الشارع وربما كان رئيس الحكومة يدرك حتى الامس أنه لا يملك جديدا يقدمه للتونسيين ولكن رسالته كانت أشبه لعملية تشخيص للواقع الراهن ولمختلف العلل الكامنة فيه الى جانب استعراض أبرزما تحقق لحكومته خلال الاشهرالثلاث الماضية على مختلف المجالات وحرص سي الباجي على تذكيرالتونسيين بعديد العقبات التي تم تجاوزها لانجاح الامتحانات والاستعدادات الجارية لكسب رهان الانتخابات كل ذلك للرد على المشككين في قدراته بسبب التقدم في السن وكثرة الاعباء القائمة... من قضايا التنمية الى البطالة الى القضايا الامنية واستقلالية القضاء ومحاسبة رموز النظام السابق ومخاوف الشباب من المستقبل وحرية الاعلام ومنها الى المشاريع الاقتصادية والعلاقات الخارجية والتحديات القائمة على الحدود لم تغب مختلف الملفات العالقة عن خطاب الوزير الاول الذي شدد على أن "التركة ثقيلة"وانه قد لا يكون بالامكان التخلص منها حتى بعد عشرسنوات.. هذا قدرنا قال سي الباجي ونحن نقول قدرنا بأيدينا حتى لا نسقط في متاهات نحن في غنى عنها فمصلحة تونس أثمن وأعلى من كل المصالح الضيقة والحسابات الوهمية.. شهران باتت تفصلنا عن موعد الاستحقاق الانتخابي وهي مرحلة اختبارقادم لن يكون هينا سواء تعلق الامر بالحكومة كما بمختلف مكونات المجتمع.. حرص رئيس الحكومة على التذكير بان المهمة التاريخية التي يتحمل مسؤوليتها مع فريقه مؤقتة ولن تستمر بعد موعد الثالث والعشرين من أكتوبر القادم قد لا يجنبه خلال الفترة المتبقية مواجهة المزيد من الانتقادات التي قد لا تروق له والواقع أن السفن لم تصنع لترسو على المواني ولكن لمواجهة الامواج والعواصف...