لماذا تأخر الرئيس المؤقت في الاعلان عن القرارات التي جاءت في خطابه اول امس الى التونسيين والحال ان خيار المجلس التاسيسي كان المطلب الاكثرالحاحا والاكثر حضورا لدى مختلف الاوساط الشعبية والاحزاب السياسية كما لدى مختلف الاوساط الاعلامية و القانونية منذ الايام الاولى التي تلت هروب الرئيس المخلوع ؟ قد يكون العودة للبحث في مختلف الاسباب التي كانت وراء التردد في الاعلان عن هذه الخطوة من شانه ان يعود بنا الى المربع الاول وهو الدخول في جدل مثير بات من الضروري تجاوزه الان والنظرالى المسقبل تحسبا لاستحقاقات المرحلة القادمة و لكن دون تجاهل دروس المرحلة التاريخية الجديدة التي مرت بها البلاد بعد ثورة الرابع عشر من جانفي .واولها انه لا صك على بياض لاية حكومة في المستقبل وان الشعب التونسي بمختلف فعالياته السياسية والاعلامية ومنظمات المجتمع المدني قد تعهد بانه سيظل متيقظا تحسبا لاية تجاوزات او انتهاكات او اخطاء غير مسموح بها وانه لن يتردد في العودة للاعتصام واعلاء صوته الذي ظل مصادرا لزمن طويل متى استوجب الامر ذلك. وفي انتظار ان يتضح شكل الحكومة التي سيتراسها السيد الباجي قايد السبسي وهي ثالث حكومة تتشكل خلال اقل من شهرين والتي ستتولى قيادة السفينة حتى موعد الانتخابات القادمة في الرابع والعشرين من جويلية القادمة التي يفصلنا عنها اقل من اربعة اشهر فان الواضح ان المرحلة الفاصلة ستكون بمثابة الاختبار وهو اختبار ليس بالمحسوم سلفا .عموما ليست هذه المرة الاولى التي تلجا فيها تونس الى هذا الخيار فبعد خمسة ايام على استقلال البلاد سنة 1956 تم حل المؤسسات التي كانت مرتبطة بالاحتلال وتم انتخاب مجلس تاسيسي كان مصدر صياغة الدستورفي 1959 .صحيح ان الوضع مختلف و ان العقليات و الظروف و الملابسات تختلف ولكن الهدف يبقى واحد وهو تونس التي تظل فوق كل شيء... و كما ان الشعب الذي هب ليضع حدا لنظام بن علي الظالم مدعو للاستعداد للمرحلة القادمة التي ستؤسس للقطع عمليا وليس نظريا فقط مع نظام الحزب الواحد و واللون الواحد و القرار الواحد و الاعلام الواحد، فان الحكومة سيتعين عليها ايضا ان تكون حريصة على الاستجابة لتطلعات وطموحات ومطالب الراي العام التي اكدت مختلف الاحداث حتى الان انه كان متقدما باشواط كبيرة على المنصبين عليه . بين المبزع وقايد السبسي قد لا يختلف اثنان في ان الفكرة التي طغت على المشهد، سواء مع خطاب للسيد فؤاد المبزع ثم لا حقا مع خطاب رئيس الحكومة بالامس انهما اختارا ان يتكلما لغة الشعب لكسر الحواجز الفاصلة بينهما وان يشددا على القطع مع الماضي نهائيا .فالرجلان ينتميان لجيل واحد ومدرسة واحدة وقد كانا بالتاكيد يدركان انهما بصدد مخاطبة شريحة واسعة من فئة الشباب الذي ان لم يعرف في الماضي غير صور الرئيس المخلوع بن علي فانه برهن انه شباب ثوري وعلى درجة عالية من الوعي وقوة الارادة للتضحية بدمه من اجل الوطن وهو ما يجعل مهمة الرجلين امرا لن يكون خاليا من العراقيل حتى وان كان ذلك يتعلق بمرحلة انتقالية ومحددة زمنيا. كان لا بد اذن للرئيس المؤقت ان يعود سنوات الى الوراء ليجد شخصية قادرة على تحمل مسؤولية جسيمة لاجل المستقبل ويمكن ان تحظى بالوفاق من حولها وهو الامر الذي بدا صعب التحقيق مع رئيس الحكومة المستقيل الذي كانت تطغى عليه الخبرة الاقتصادية على الخبرة السياسية .والحقيقة ان نظام بن علي الذي سلب الوزراء في عهده كل اسباب العمل السياسي وجعلهم لا ينطقون الا باسمه الخاص حتى عندما يتعلق الامر بالتقلبات الجوية قد جعل الحكومة الانتقالية تفشل في مد الجسور مع الراي العام... وبالعودة الى خطاب الرئيس المؤقت الذي اقتبس بعض شعارات الثورة الكلمة السر التي تكررت خمس مرات على لسانه فقد حرص من خلالها على التاكيد على القطيعة نهائيا و بلا رجعة مع الماضي والالتزام بالوفاء لارواح الشهداء والاحتكام الى صناديق الاقتراع المصدر الوحيد للشرعية الشعبية و تكوين مجلس وطني يضع الدستور الجديد للبلاد ونظام انتخابي يحقق اهداف الثورة مع التاكيد على انتهاء مهمة السلطة المؤقتة مع مباشرة المجلس الوطني التاسيسي مهامه . لا خلاف ان الرهان يتعلق بالنسبة للرجلين باستعادة هيبة الدولة والقطع نهائيا مع النظام البائد وايقاف العمل بدستور 1959 .وفي هذا الاطار فان خطاب رئيس الحكومة قد وضع الكثير من النقاط الغائبة على الاحرف التي لم يكن بالامكان قراءتها طوال المدة الاخيرة مع غياب الحوار بين الحكومة والشعب مما زاد في تعميق ازمة الثقة القائمة .وقد اثلج رئيس الحكومة صدور الكثيرين عندما اعتبران الرئيس المخلوع - "زرتا" بمعنى ترك مواقعه -ارتكب خيانة عظمى وان عقابها الاعدام وهو ما لم يسمعه التونسيون وقد رد السيد قايد السبسي على الكثير من التساؤلات التي طرحت في مناسبات عديدة في منابر الحوارات التلفزية بشان المسؤولين السابقين الذين يتنقلون بكل حرية في البلاد واوضح ان المحاسبة لا مفر منها و قد كان غياب هذا الوضوح في السابق وراء الشكوك بشان توجهات الحكومة الانتقالية برئاسة السيد محمد الغنوشي .ولئن اقر رئيس الحكومة بضرورة القطع مع الماضي دون رجعة فقد كان صريحا في اعتباره ان الامر لن يكون سهلا بعد عشرين عاما تحت الظلم والحرمان ...قد لانعرف ماهية الشروط التي قد يكون السيد قايد السبسي فرضها لتولي مهمته الراهنة لانجاح خطة الطريق التي جاء بها ولكن الاكيد ان الايام القليلة القادمة والنتائج العملية وحدها يمكن ان تحسم المواقف , المرور بتونس الى مرحلة جديدة قوامها الديموقراطية و الشفافية يبقى الهدف الاسمى للجميع وهوهدف يستوجب تظافر كل الجهود لمواجهة الارث الثقيل من التراكمات والقضايا الشائكة التي لا تزال عالقة واولها البطالة وغياب الافاق و الغلاء وتدهور الوضع الامني و المخاطرعلى الحدود بين تونس و ليبيا ... التفاؤل مطلوب وهو تفاؤل حذر خاصة و ان معتصمي القصبة قرروا فك الرحال بعد ان احتفلوا بانتصارهم والاقتصار في المرحلة القادمة على دور المراقب المتحفز وهو ما سحب البساط بالتاكيد امام الكثيرين ممن بدؤوا الترويج لسيناريو لبناني في تونس يضع معتصمي القصبة في مواجعة معتصمي قبة المنزه وهي خطوة اولى باتجاه تاكيد توحيد الصفوف نحو المستقبل مع التذكير بمطلع القصيد الذي كان السيد الباجي قائد السبسي ردده من قبل بقوله "و كل جبار اذا ما طغى و صار في طغيانه يعسف ارسله الله الى تونس فكل جبار فيها يقصف " عسى ان تذكر بان في تونس شعب متأهب لاسقاط الطغاة...