عاد المخرج المسرحي عبد الوهاب الجملي بعد انتفاضة الشعب ضد الظلم والقهر والإستبداد لعرض مسرحية «تحت برج الدينصور» لينتفض معها البرج أو «قبر عمي الدينصور» بجبروته وسلطته المستبدة. فبعد انطلاق المسرحية في جولاتها عبر ليالي المهرجانات الرمضانية لم تفت على الجملي مدينة صفاقس من خلال عرض مشوق يتماهى بين ثنائية الزمان والمكان، الحلم والواقع، الخوف والإقدام. «يوسف» الذي فقد بصره كان يتمنى أن يكون ذلك الرسام البارع..الألوان كانت تسرق منه في حين ظلت والدته تجلبها له خلسة حتى يرسم على الجدران..غير أن جزاءه كان دائما العقاب..» هناك وحيث الاصوات القوية المتعالية والتي لم يخرج محدثها من برجه المعقد الملامح لاكثر من عشرين سنة تختلط المفاهيم لدى «يوسف» حيث جسد الشخصية منعم شويات القابع في مواجهة «جعفر» حيث تقمص الدور توفيق العايب ظل يهيم في رؤى الطفولة وتوقه للسكون والراحة والنوم العميق الذي لا يود «يوسف» أن يفيق منه أما «جعفر» ضابط الإيقاع الذي فقد كذلك بصره في محاولة للرماية كان يسعى لوضع قواعد جديدة للعبة عبر دفه الذي بدونه يضيع الإنسجام فالنظام والإنضباط هو المقياس. اللوحات التعبيرية التي تجسدت عبر كوريغرافيا غاية في الإتقان ليست بالغريبة على مبدع في قيمة منعم شويات وتمرسه في تقمص الشخصيات المعقدة إلى جانب الدور الذي لعبه توفيق العايب في تقمص شخصية اراد لها من القوة ما يلهيه عن فقدانه للبصر. «هاهو قام، هاهو يمشي،ها هو قريب يقعد، هاهو قعد، هاهو قريب يقوم...» فعندما يتململ ساكن البرج «عمي الدينصور» تسكن الحركة ويعود «يوسف» لخوفه محذرا «جعفر» من البوح بكلام لا يرضي صاحب البرج الذي يتململ ويتعالى صوته عبر سلطة متجبرة فهو لا يرضى من يقاسمه المكان ولا من يبدي معه الرأي في القرار ولا تحديد الزمان. هذا المتغطرس الذي اختار للبرج مأوى له هي ذاتها السلطة المتجبرة التي انزوت عن العامة واختارت لنفسها سورا مسيجا يحجب عنها الرؤى فغاب البصر.. أصاب العمى بصيرتها لينتهي بها المطاف حيث أزيز مروحية وصراخ رضيع وتدفق للماء في مكان وصفه «يوسف» أشبه بالقبر. «جعفر» الكابورال، يتمنى أن يرسمه يوسف بقامة طويلة،عريضة،فاخرة بعد أن رفض الحلم الذي كان يراود يوسف منذ الصغر وظل «جعفر» يقتسم معه البيت منذ الصغر وظل «يوسف» يرى في حلمه قطعة القماش الواسعة حيث يضع ألوانه ويتمنى أن يفرز اخرى جديدة لا يعرفها أحد..يريد ذلك اللون الازرق الممتد على قماشته ويود لو يفتح الشباك ليضع أمامه كرسي عال لونه أخضر لا بل أبيض تجلس فيه امراة في ثوب وردي غارقة في سكاتها في حين أن «جعفر» يرفض المراة ويريد ان يحل مكانها في مخيلة «يوسف» لكن هذا الأخير يرفض من يقلق امراته فجعفر صاحب الشخصية القوية الإرادة يريد أن يقف لوحده قبالة السماء ويرفض عند موته من يدفنه لانه سيقوم بذلك من تلقاء نفسه في حين يخاف «يوسف» من حلم «جعفر» من أن يسمعه الدينصور ويختار الإنطلاق في رحلة البحث عن قبر أمه الذي لم يعد يعرف مكانه...