صالح عطية لا شك أن عصابة العقيد الليبي، معمر القذافي، في الهزيع الأخير من الحكم، ولا شك أيضا أن ليبيا تتجه إلى أفق جديد خلال المرحلة المقبلة، أفقا يفترض علاقات وتحالفات جديدة ستكون مختلفة جذريا بالتأكيد مع تلك التي صاغها القذافي طوال سنوات حكمه التي تجاوزت الأربعين عاما. الجميع في ليبيا يتطلعون إلى تعاون على كل الجبهات مع تونس، فقد مثل الشعب التونسي وحكومته المؤقتة، العمق الرئيسي للشعب الليبي خلال محنته الأخيرة مع مافيا الحكم في «الجماهيرية»، وتميّز الموقف السياسي التونسي بكثير من الذكاء والحكمة، فلم يتورط فيما تورط فيه آخرون قريبون منا، عندما اصطفوا خلف كتائب العقيد بالدعم والمساندة ضدّ الثوار، دعاة الحرية والكرامة واستقلالية القرار الليبي.. ليس هذا فحسب، بل إن الحكومة التونسية، عرفت كيف تدير تداعيات الصراع الليبي من حولها، من دون أن تفصح عن موقفها المساند للمجلس الانتقالي، لكنها تحكمت في ذات الوقت في أوراق اللعبة بالشكل الذي يجنب تونس ويلات ما يجري في هذه البلاد الشقيقة، بل ويجعلها الأقرب للموقف الشعبي، ولتطلعات الثوار وأحرار ليبيا.. لم تكن هذه أول مرة تقف فيها تونس موقفا إيجابيا من الشأن الليبي، فقد اعتمد الزعيم الراحل، الحبيب بورقيبة، سياسة «اليد الممدودة» مع معمر القذافي منذ سبعينيات القرن المنقضي، من خلال ما يعرف تاريخيا ب «معاهدة جربة»، التي سرعان ما انهارت قبل أن يحاول مرارا وتكرارا، فتح الجبهة التونسية على القلاقل والاضطرابات السياسية والعسكرية، عبر ما يعرف ب «عملية قفصة» في بداية الثمانينيات، كأبرز دليل على النوايا المبيّتة للحكم الجديد في ليبيا، الذي كان يقلقه الجار التونسي، الصغير بجغرافيته، المحدود بإمكانياته الطبيعية، لكنه الكبير بسياسته ورؤيته للعلاقات الإقليمية وتصوره للتحالفات مع الأجوار.. لكن معاهدة جربة التي قبرت وهي ما تزال في بداياتها الأولى، ظلت مثل اللعنة التي تتابع العقيد كلما اقترب من الملف التونسي، فقد ضيّع على نفسه إمكانية أن «يكبر» سياسيا من خلال الحراك التونسي وامتداداته الجيوبوليتيكية، التي كان يمكن أن توفر له عمقا استراتيجيا حقيقيا، وفرط على شعبه كذلك، فرصة الوحدة مع الشعب التونسي، الذي كان يرى في الوحدة مع ليبيا عمر المختار، نقطة انطلاق جديدة للمغرب العربي برمته. لكن هل ضاعت الفرصة حقا؟ نعتقد أن الظرفية الليبية الجديدة، والوضع التونسي الراهن، يفرضان على البلدين التفكير، بل الاتجاه من الآن، نحو التأسيس لوحدة ينصهر فيها الشعبان الشقيقان، وتكسر من خلالها الحدود، وحدة تستجيب لطموحات تاريخية لأجيال عديدة من التونسيين والليبيين، لكنها وهذا الأهم تستجيب لمنطق التحول الثوري في كل من ليبيا وتونس، واستحقاقات المرحلة المقبلة التي لا نخال ليبيا تعيش فيها من دون تونس، والعكس بالعكس.. إنه التحدي الجديد المطروح على الحكومة المؤقتة عندنا، وعلى المجلس الانتقالي، قبل أن يتداعى «مصاصو خيرات الشعوب» على القصعة الليبية وعلى تخومها التونسية.. البلدان أمام تحدّ تاريخي، فهل يملكون الإستجابة التي تحدث عنها أرنولد توينبي؟