بقلم: محمد الحمار الزمان: الاثنان 29 أوت 2011. المكان: محطة 20 مارس للمترو، باردو. كنت مع واحدٍ من ابني ننتظر المترو قاصدين وسط المدينة. هَمَمنا بشباك التذاكر فوجدناه مغلقا. ذهبنا إلى الطرف الآخر من رصيف المحطة حيث يوجد شباك ثانٍ. الشباك مُحكم الغلق. "يا إلهي ماذا سنفعل؟ كيف سنقتني تذكرتنا؟". قال لي ابني إن المعمول به في مثل هذه الحالات أن نركب بلا تذاكر وأن نتفادى النزول في محطة الباساج لكي لا نُتهم ب"الترسكية" ولا يُقبض علينا لكأننا من خونة هذه البلاد الطيب أهلها. قلت له إنها ليست فكرة جيدة وإن عليه أن يتبعني وأن يتركني وحالي أخطط لهؤلاء المتخاذلين. "لن يجبرك ويجبرني أحد على تغيير إرادتنا". أتى القطار وامتطيناه وقضيت الرحلة في تصور سيناريوهات عدة لِما قد يحصل من حين لآخر وبعد حين. عمليا أنا "مرسكي" وابني "مرسكي" غصبا عني وعن ابني وعن أبي وأمي. انتظرتُ قسرا وقهرا حتى وصل الركب إلى محطة باب الخضراء فنزلنا. لقد غيرتُ إرادتي فعلا. لكنه كان تكتيكا. ترجلنا حتى وصلنا محطة "الباساج". اقتطعتُ تذكرتين لكأني سأركب في طريق العودة. توجهت إلى داخل المحطة حيث عادة ما أرى فيالق من المراقبين التابعين لشركة المترو الخفيف في وضع صيدٍ، ناصبين الكمين وراء الكمين ل"الترحيب" بأي "مرسكي" غير محظوظ. بحثتُ عنهم لأوَبخهم ولأفضح النقصان في الضمير المهني لديهم. فلم أعثر على أحد. لم أكن محظوظا حتى في توفر الظروف الملائمة لكي أدافع عن المواطنة. سألت عن مركز الشرطة بالمحطة أين عادة ما أراهم يقتادون "المرسكين" كمن يقتاد عميلا أو مثل ال"عجوزة وشدت سارق". بسطتُ الأمر على ضابط الشرطة وبلغته رسالتي. عندئذ تأكد ابني أني لن أرمي المنديل وإذا به يقرر أن يدلني على مكتب رئيس المحطة. كنت هنالك بعد هُنيهة حيثُ وجدتُ نفسي ماثلا أمام "نِمرة واحد" وخمسة من أعوانه المطيعين. لم يقصر في حقي العام حيث إنه قاطع مكالمة هاتفية وأصغى إلي. استمع إلي فعلا لكن، لا أقول بكل عناية، إنما بجاهزية جوابه على حافة لسانه. سألته ماذا كان سيحصل لو صعد المراقب على متن المترو واعتبرني "مرسكيا" لا راكبا لم تتوفر له شروط اقتناء تذكرة، وكان جوابه بشيء من الهزل الذي لم يضحكني أبدا: "كنت ستدفع 20 دينارا". عندئذ سارعتُ بالقول:" أذلك ثمن إخلال عون التذاكر بواجبه أم هو ثمن التذاكر التي خسرتموها بهذه الطريقة المتخلفة؟ أهذا هو الأسلوب الأمثل الذي اخترتموه لتعويض ما تخسرون بسبب إخلالكم بواجب العمل؟ أتبيعون همة المواطنين في الأثناء؟ قل لي". لما اتضح للمسؤول الأول عن المحطة أني أرفض المزح بما لا يُمزح به قال لي، وبكل حزم لا يخلو من الهزم: "سأعطيك ورقة استمارة تكتب فيها شكواك". رفضت الاستمارة والفكرة لأني كنتُ أعرف أن السلطة الخامسة هي ورقتي. أما عن زمرة الأعوان المحيطين به فلن أجرأ على تلخيص موقفهم. لأني لو فعلتُ لرسختُ لدى القارئ الكريم "فقه المراحيض" الذي يُستعمل شماعة لتبرير لدغ الدبابير في المجتمع المسلم المريض. لم يكن لي أن أفعل شيئا حينئذ سوى أن استظهر لنِمرة واحد بالتذكرتين المقتطعتين بعديا فمزقتُهما وقلتُ له:" هذا لكي تعلم أن ليس كل مواطن ينبغي أن يُعتبر "مرسكي" في قاموسكم. وهذا حقكم بأن ركبتموني. وهو حقكم الذي لم تعرفوا أنتم كيف تصونونه. أما حقي أنا في أن أستخلص معلوم الركوب قبليا لا بَعديا فيستوجب ثورة أخرى لأناله. وشغلي الشاغل الآن: أية ديمقراطية هذه التي سننتقل إليها ونحن في مثل هذا الوضع من التهاون بالواجب المدني؟ وأي إسلام هذا الذي يتكلم به بعضكم كذريعة للإصلاح؟"