بقلم: آسيا العتروس كان أحرى بالامين العام للامم المتحدة بان كي مون أن يقدم اعتذاراته للشعب الفلسطيني أولا وللشعب التركي ثانيا بدل الوقوف ذلك الموقف الذليل الذي لا يليق بمن كان على رأس منظمة بحجم الاممالمتحدة في هذا العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وما يشهده اليوم من ثورات شعبية تاريخية ضد الظلم والاستبداد وغياب العدالة الاجتماعية... التوقف عند خط التعبيرعن مشاعرالاسف البالغ وحده ازاء الازمة المتصاعدة بين انقرة وتل أبيب وتجاهل التداعيات الخطيرة لنتائج تقرير بالمر رئيس وزراء نيوزيلاندا السابق حول الحصارعلى غزة والعدوان على سفينة مرمرة التركية لا يعفي الامين العام من المسؤولية ولا يجنبه الشكوك والاتهامات. وفي الوقت الذي كان يتعين على المسؤول الاول للامم المتحدة أن يحرص على تصحيح الاخطاء المتكررة للمنظمة الدولية فقد اختار وعلى عكس ما يفرضه منطق الشرعية الدولية أن يقف الى جانب الجلاد على حساب الضحية في اشارة واضحة على أن انحياز الاممالمتحدة للاحتلال الاسرائيلي أمر لا يقبل التراجع. ولعل في هذا الموقف ما يمكن اعتباره أيضا رسالة استباقية للموعد القادم في العشرين من الشهر الجاري حينما يحل موعد تقديم الطلب الفلسطيني للاعتراف بالدولة الفلسطينية ومحاولة لافشال الجهود الديبلوماسية قبل هذا الاستحقاق التاريخي الذي انتظره الفلسطينيون طويلا. سلسلة المهازل التي تضمنها التقريرلا تقف عند حد وقد كان واضحا أن ما تضمنه التقرير من تبريرات لشن العدوان كانت على مقاس الاحتلال ووفق ما يسعى اليه منذ البداية لقبر ما كان تقرير غولدستون كشفه خلال العدوان الاسرائيلي على غزة... أما الانتقادات المقنعةوالاتهامات التي وجهها التقرير للقناصة الاسرائيليين باللجوء للقوة المفرطة في مواجهة رواد السفينة مرمرة لم تكن لتخفي الانحياز الخطير لسلطة الاحتلال. ولوأن الامر توقف عند هذا الحد لكان بامكان الامين العام للامم المتحدة أن يدافع عن موقفه من الازمة الراهنة بين تركيا واسرائيل ولكن الواقع أن ما تضمنه التقريرمن فصول مطولة تؤكد على المواجهة الشرسة والمقاومة العنيفة التي تعرض لها القناصة الاسرائيليون وهم يعتلون سطح السفينة ما يكشف أن التقرير يبقى أشبه بفصول مسرحية فاشلة هدفها المغالطة وتطويع قانون الشرعية الدولية لتكون في خدمة الاشرعية وكأنه كان يتعين على رواد السفينة وهم الذين لم يكن لديهم من سلاح بشهادة التقرير المذكورغير العصي أن يستقبلوا القناصة بالاحضان ويمتنعوا عن الدفاع عن أنفسهم... حصار اسرائيل لقطاع غزة شرعي ومن شأنه أن يمنح القوات الاسرائيلية الحق في اخضاع السفن العابرة للمتوسط للتفتيش... هذا اذن ما خلص اليه التقرير وهذا ما باركه الامين العام للامم المتحدة ليريح الاسرائيليين ويجنبهم مرة أخرى المساءلة ويوفر لهم ولو الى حين حصنا غير مشروع لانتهاكاتهم المستمرة... الامين العام للامم المتحدة لم يكن وحده الذي بدا متخبطا جراء الازمة الجديدة بين اسرائيل وتركيا وقد جاءت مواقف الغرب بدورها لتعكس توافقا في الاتجاهات وحرصا على تفادي المزيد من التصعيد من الجانب التركي. اذ كان واضحا أن اعلان رئيس الوزراء التركي طرد السفير الاسرائيلي وامهاله حتى الاربعاء القادم للمغادرة الى جانب تخفيض التمثيل الديبلوماسي وتجميد الاتفاقات العسكرية قد أحرج حماة اسرائيل وجعلها في موقف لا تحسد عليه وهي تحاول توفير الغطاء لجرائم جيش الاحتلال المتكررة. طبعا الامر لم يبلغ بعد مرحلة دفع اسرائيل لتحمل ثمن أفعالها وانتهاكاتها أمام المجتمع الدولي، ومن غير المتوقع أن تمضي تركيا قدما في تنفيذ تهديداتها العسكرية الى الاسرائيليين ولا تعليق العلاقات الديبلوماسية بين الجانبين فتركيا لا يمكن أن تضحي بمصالحها الحيوية في المنطقة ولا أن تدخل في عملية تصفية حسابات متعجلة ولكن الاكيد أن تركيا تحسب للرأي العام لديها حسابا خاصا ولا يمكن أن تقبل ببساطة رفض اسرائيل الاعتذار لديها أوأن تقتنع بنتائج التقرير الذي يبرر مقتل أحد عشر من مواطنيها في رحلتهم البحرية لكسرالحصارعلى القطاع.. وربما تكشف الزيارة المعلنة لرئيس الوزراء التركي أردوغان الى غزة اذا ما تحققت ما يمكن أن يخفى حتى الان من تداعيات الازمة الراهنة بين انقرة وتل أبيب...