كشف استبيان للرأي أن نحو60 بالمائة من التونسيين لا يعرفون مفهوم ودور المجلس التأسيسي المقرر انتخابه يوم 23 أكتوبر القادم زد على ذلك أن نحو70 بالمائة من التونسيين مستاؤون من أداء الأحزاب البالغ عددها107 حزبا من اليسار إلى اليمين. وقد اعتبر عدد من الملاحظين أن حالة التشاؤم والاستياء التي عبر عنها التونسيين الذين شملهم الاستبيان هي ردة فعل عادية في ظل تراجع الدور الاساسي للأحزاب وانحسار دورهم في الدعوة إلى الانتخابات او بيانات يتيمة مع كل حدث تسجله البلاد بالاضافة إلى بحثهم الدائم عن مصالحهم الحزبية الضيقة دون التفات للمواطن والدفاع عن خبزه اليومي وما يعيشه يوميا من اشكاليات حقيقية وان حصل الدفاع عنه فهو ياتي من باب المزايدة السياسية التي باتت مكشوفة للجميع وهو ما يفسر انحسار عدد المسجلين في القائمات الانتخابية. ولم تنف ذات المصادر سعي الشعب التونسي لمعاقبة هاته الاحزاب من خلال مقاطعة انتخابات 23 اكتوبر وهو ما ستكشفه ضعف الأرقام المصرح بها لعدد الناخبين اوالاوراق الملغاة وهو ما سيجعل من المجلس التاسيسي فاقدا نسبيا " لمشروعيته الشعبية". واعتبرت مصادرنا انه من الضروري اليوم أن تتم الدعوة إلى استفتاء شعبي يساند المجلس التاسيسي ويكون داعما له من خلال تحديد مهامه وتطوع المنتخبين لأشغاله وتحديد زمن لإنهاء مهامه حتى لا تطول فترة صياغة الدستور وبالتالي البقاء في فترة جديدة خارج الشرعية الدستورية للمؤسسات.
المهام والادوار
وفي هذا الاطار حدد عضو المكتب السياسي لحركة النهضة سمير ديلو مهام المجلس التأسيسي بقوله بان الأصل في عمل المجلس التاسيسي ينحصر في خمسة مهام أساسية وهي صياغة الدستور وتعيين حكومة مؤقتة وتعيين رئيس مؤقت بالاضافة إلى دوره في اصلاح منظومة التشريعات والاعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية. وقد ابدى ديلو في حوار متلفز استغرابه من الدعوة إلى اجراء استفتاء بالتوازي مع انتخابات المجلس التاسيسي معتبرا ذلك بمثابة الانقلاب على شرعية المطالب السياسية للشارع التونسي ابان تحرك القصبة 2.
صلاحيات كاملة
ولم يختلف موقف حركة الشعب الوحدوية التقدمية كثيرا عن موقف النهضة حيث صرح عضو المكتب السياسي للحركة خالد الكريشي "... اما عن المجلس التاسيسي فلا بد أن تكون له الصلاحيات الكاملة حتى لا يقع الانقلاب عليه كما فعل بورقيبة في1957 عندما انقلب على البايات.. فللمجلس التاسيسي دور تشريعي لا بد من احترامه".
مجانية العمل
اتخذ امين عام حزب العمال الشيوعي التونسي حمة الهمامي موقفا مرنا من المسالة حيث جمع بين تحديد مدة صياغة الدستور ومجانية العمل فيه مع تمتيع المجلس التاسيسي بتشكيل الحكومة علاوة على صياغة الدستور من جهة وعرضه على الاستفتاء من جهة اخرى حتى يكسب الشرعية. وهو ما اعتبره المتابعون للشان العام الوطني موقفا يمكن أن يكون حاسما وقادرا على انهاء الجدل القائم بين الاحزاب الداعية للاستفتاء والرافضة له.
تحديد الدور والأهداف
اما التالف الجمهوري والذي يضم في صفوفه نحو 50 حزبا فقد قال عضو الهيئة المديرة للتالف الجمهوري وامين عام حزب تيار الغد خليفة بن سالم " انه من الواجب أن يحدد الشعب التونسي موقفه من طبيعة النظام السياسي للبلاد زيادة على تحديد مدة صياغة الدستور التي لا تقل عن6 اشهر ولا تتجاوز السنة على اقصى تقدير على أن يكون دوره صياغة الدستور دون تمكينه من صلاحيات واسعة تجعله يجمع بيده كل السلطات وهو الامر الذي سيهيا لولادة استبداد جديد ودكتاتورية لا تختلف على العهد السابق.
مجلس تاسيسي ام مجلس تاسيسي تشريعي؟
ووفقا لما يتواتر في مختلف وسائل الاعلام التونسية فان الخوض في مسالة المجلس التاسيسي بات يخضع لرغبة المتحدث فاذا كان المتحدث من دعاة عدم ضبط مهام وادوار المجلس فانه يبدأ في التشريع لمواقف تتماشى ورغبته واهدافه السياسية غير المعلنة وهو كثيرا ما يتهم خصومه اي دعاة تحديد مهام المجلس وضبطها بالموالاة للتجمع المنحل الذي يحاول السطو على المبادئ السياسية الجديدة للشعب بعد ثورة 14 جانفي. اما دعاة تحديد المهام وضبط الوقت والذين باتوا يعرفون بدعاة الاستفتاء فانهم اصبحوا يشككون علنا في نية خصومهم الساعية إلى السطو على ارادة الشعب وانشاء دكتاتورية جديدة في حال ترك الامر على ما هو عليه.
من التاريخ
وبالعودة إلى العناوين السياسية الصادرة في هذا الباب ذكر مؤلف كتاب المجلس القومي التاسيسي التونسي الولادة العسيرة لدستور جوان1959 عبد الجليل بوقرة انه" خلافا للجمعية التاسيسية للجمهورية الرابعة الفرنسية التي سمح لها قانون20 نوفمبر1945 بامكانية التشريع في حدود ضيقة حدد الامر العلي المؤرخ في29 ديسمبر 1955 مهمة المجلس القومي التاسيسي التونسي في وضع دستور في اطار الملكية الدستورية يتولى الباي ختمه واصداره كدستور للملكة"، وهو ما يعني أن للمجلس التاسيسي وظيفة محددة وهي وضع دستور فقط ولا يحق له تشريع القوانين اومراقبة الحكومة. وقد خلف الامر العلي المذكور اعلاه حالة من الخصومة بين حبيب بورقيبة وجماعته والباي وادى الامر في النهاية إلى انقلاب بورقيبة على مبدا العمل الدستوري للمجلس التاسيسي وهو ما شرع فيما بعد الحكم المطلق للزعيم الراحل واحادية المنهج السياسي في تونس.