هل يكون الفيلم الوثائقي «البوابة» فعلا بوابة حقيقية للترويج لصورة جديدة ناصعة للشعب التونسي ثرية بالرموز والمعاني والإيحاءات المضمخة بالنبل الإنساني والتآزر الاجتماعي والمجتمعي ومن ثمة ترشيح تونس لنيل جائزة نوبل للسلام نظير الانجاز العظيم لشعبها إثر ثورة 14 جانفي التي غيرت المشهد السياسي والاجتماعي ليس في تونس فحسب وإنما أيضا في الوطن العربي؟ هذا هو السؤال المطروح حاليا بعد أن أصبح هذا العمل الذي أنتجته التلفزة التونسية جاهزا للعرض. وكان قد شاهده الإعلاميون والفنانون أول أمس في عرضه الأول الخاص بقاعة الفن الرابع بالعاصمة. فرغم أن الأعمال الفنية أو السينمائية التي تناولت ثورة تونس وما رافقها أو ما ترتب عنها من تطورات غيرت المشهد في الشأن الداخلي والخارجي فإن ما يتفرد به هذا الفيلم الوثائقي الذي لا تتجاوز مدته 52 دقيقة أنه استطاع أن يوثق لحدث مهد لتطورات إقليمية لاقت الصدى والتفاعل الكبير في مختلف أرجاء العالم. يحاول الفيلم أن يصحح الصورة المغلوطة التي ارتبطت بالمسلم لدى الرأي العام العالمي خاصة منذ تفجيرات 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة وما حملته من صورة مغايرة عن الإسلام أو المنتسبين لهذه العقيدة لتقدم هذه الأحداث المسلم في صورة قاتمة تنطق رداءة وعبثا ومجردة من الإنسانية. ينطلق الفيلم بصور تفجير مركز التجارة العالمي بنيويورك مرورا بتفجيرات محطة الميترو بلندن فمدريد باسبانيا ليصل في ترابط للأحداث إلى صور من ثورة الشعب التونسي الرافض لنظام الفساد والاستبداد تردفها صور لثورات مشابهة بكل من مصر وليبيا وصولا إلى صور المعبر الحدودي التونسي الليبي برأس جدير التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام العالمية إثر اندلاع الثورة في ليبيا والتي اهتمت بتوافد مئات الآلاف من اللاجئين من مختلف الجنسيات الفارين من جحيم الحرب التي انطلقت رحاها في هذا البلد الثائر. وكأننا بالمخرج وهو يسعى إلى القطع مع الصورة القاتمة للمواطن العربي عامة والمسلم عموما خاصة تلك التي رسختها تفجيرات 11 سبتمبر وما تلتها من اعتداءات إرهابية تدميرية يحاول أن يؤسس لصورة أخرى ايجابية انطلاقا من النموذج التونسي.
صور من رأس جدير للتاريخ
يقدم فيلم «البوابة» التونسي صورة عن خدمات في الإغاثة والصحة والأكل والإيواء لأجناس مختلفة في الانتماء الإيديولوجي والحضاري والثقافي تجند لها متطوعون من مختلف الجهات والشرائح العمرية الاجتماعية بإمكانيات محدودة كل حسب قدراته وما ملكت يداه وبعزائم مضاعفة تنتصر للإنسانية إيمانا بأن الانتماء العقائدي والحضاري والجغرافي لا يمنع التعاون والتآزر الإنساني تجسيدا لمبدإ الحق في التنوع والاختلاف باعتبارها مصدر إثراء. والمفارقة التي بنى عليها المخرج علي المرزوقي رؤيته تتمثل في توظيف صومعة الجامع التي اعتاد الجميع على سماع صوت الآذان يصدر منها باعتبارها صورة مميزة للبلدان التي تنتمي للحضارة العربية الإسلامية لتصبح بمثابة إذاعة محلية على شاكلة مركز لإطلاق أصوات بلغات عديدة لتقديم خدمات مختلفة لقرابة مائتي ألف لاجئ من أكثر من خمسين جنسية ليقدموا بذلك درسا للعالم والمنظمات الدولية المختصة في الإغاثة والعمل الإنساني في التعاطي مع مثل هذه الحالات. ولعل المشهد الذي استنطق فيه المخرج الصومعة لتصدر مزيجا بين صوت الآذان وإيقاع أغنية كل العالم باللغة الانقليزية يحمل رمزية فنية وفكرية معنوية. وقد كان لصوت خالد نجاح في قراءة نصوص الفيلم دور في تقريب الصورة والمعنى التي أراد المخرج تبليغها لكن تبقى لكل قراءته للعمل باعتباره مفتوحا لعدة تأويلات وقراءات.
وقد حضر السيد الطاهر الشنيتي الكاتب العام للهلال الأحمر التونسي عرض الفيلم وأثنى على مضامينه حيث اعتبره عملا يوثق لمجهود وجهات ويحمل معاني ودلالات عميقة على قيمة الإنجاز الذي حققه أبناء هذا الشعب. وأكد الطاهر الشنيتي أن الهلال الأحمر التونسي سيعمل على الترويج لهذا الفيلم باعتباره منظمة دولية تولي أهمية للعمل الإنساني وذلك من خلال عرضه في مناسبات أولى في التظاهرات والفعاليات الدولية القريبة لعل أبرزها ينتظم بمناسبة انعقاد مؤتمر المنظمة العربية للهلال الأحمر في بيروت في 12 أكتوبر القادم ثم في اجتماع دولي في جينيف يوم 26 من نفس الشهر.وشدد على أن الهلال الأحمر التونسي كمنظمة إنسانية تراهن على هذا العمل باعتباره وثيقة فنية تؤرخ وتبين نبل وإنسانية الشعب التونسي بعيدا عن الإنتماءات الإيديولوجية والحضارية والجغرافية.