أفرجت أمس الدائرة الجناحية بالمحكمة العسكرية بتونس عن محافظ الشرطة أعلى سمير الفرياني وأجلت محاكمته إلى جلسة يوم 29 سبتمبر الجاري وقد تقبل أهل وأصدقاء المتهم قرار الإفراج المؤقت عن الفرياني بالتصفيق والهتافات والزغاريد والتهاني وبدموع الفرح أيضا من قبل زوجته ووالدته وابنيه وعدد من أقاربه ومحاميه. وبالرجوع للوقائع فإن سمير الفرياني محافظ شرطة أعلى تابع للإدارة العامة للمصالح الفنية بوزارة الداخلية اتهم خلال شهر ماي 2011 بالاعتداء على أمن الدولة الخارجي بالمس من سلامة التراب التونسي ونشر أخبار زائفة من شأنها تعكير صفو النظام العام ونسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي طبق أحكام الفصول 61 مكرر و62 و121 ثالثا و128 من المجلة الجزائية. وحسبما جاء بأوراق هذه القضية فإن المتهم محافظ شرطة أعلى سمير الفرياني نشر مقالات صحفية بصحيفة يومية بأعدادها في 20 و24 و25 ماي 2011 تضمنت أخبارا تلخصت في ادعائه بأن مصالح وزارة الداخلية تعمدت إتلاف أرشيف تابع لها كما وصف المدير العام للمصالح الفنية بأنه مجرم وأنه ساهم في قمع الثورة بولاية القصرين كما تعمد حجب بعض المواقع الإلكترونية... وهذه بعض المقتطفات من محتوى المقالات الصادر بالجريدة المشار إليها بتاريخ 20 ماي 2011 تحت عنوان "من المستفيد من إتلاف أرشيف البوليس السياسي "ما"...هناك تساؤلات عديدة صلب وزارة الداخلية حول من المستفيد من إتلاف أرشيف بعض الإدارات العامة للأمن الوطني ساعات فقط بعد فرار بن علي...ومن هم المسؤولون عن إعدام العديد والعديد من الملفات الحساسة سواء تلك التي كان بن علي وليلى الطرابلسي يستغلانها أو تلك التي تخص مسؤولين سامين بوزارة الداخلية وبوزارات أخرى وتتضمن تقارير فساد مطبق تحرت فيه الأجهزة الأمنية المختصة واثبتته..." وتضمن المقال الصادر بالجريدة المشار إليها بتاريخ 24 ماي 2011 تحت عنوان "حين يعين مجرم بن علي رئيسا لجهاز المخابرات- يعود عمار 404 دون موجب يتعامل مع من ينعتهم ب"مجرمي بن علي"..في نطاق محاولته الحد من عمليات التشهير على المواقع الإجتماعية وعلى الفايس بوك وعلى المدونات بضلوعه في عملية إخماد الثورة بولايتي سيدي بوزيدوالقصرين لما كان يضطلع بخطة مدير التنسيق الجهوي بالإدارة العامة للأمن العمومي خلال الفترة المتراوحة بين 20 ديسمبر 2010 إلى 10 جانفي 2011 أذن رئيس جهاز المخابرات الحالي (الإدارة العامة للمصالح الفنية) لمنظوريه المعروفين بالولاء له بالقيام بعملية حجب المواقع التي تستهدف (مؤخرا) دون إذن قانوني يسمح له بذلك مؤشرا على عودة عمار 404 هذه المرة بهويات جديدة..." وتضمن المقال الصادر يوم 25 ماي 2011 "رسالة مفتوحة إلى الشعب من ضابط حر بوزارة الداخلية "لن أخذلك يا شعب..ولم التباطؤ في التحقيق في عملية إتلاف بعض خزائن الإدارة العامة للمصالح الفنية ومن بينها عملية إعدام جزء من الذاكرة الجماعية الأمنية للشعب بما في ذلك وثائق متحصل عليها بالأرشيف الخاص لحركة فتح التي تم استخراجها من منزل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات..عمد السيد المتفقد العام بديوان السيد وزير الداخلية المكلف بالتحقيق في تلك التجاوزات الإتصال بي صبيحة يوم 24 ماي 2011 في حدود العاشرة صباحا من مكتب مجرم بن علي..والحال أن المسؤول المذكور كان عليه ومن مستلزمات حيادية في التحقيق استدعائي بمكتبه الأمر الذي جعلني أرتاب من دعوته تلك وأتفطن وأن ممارسات التوريط التي كانت تمارس إبان الرئيس المخلوع مازالت قائمة...ولكن بالرغم من عملية التخويف والترهيب التي يعمد إليها مجرم بن علي المورط في عملية إخماد الثورة بسيدي بوزيد أجدد تأكيدي على موقفي وأقول إنني لن أخذلك يا شعبي ..." شهادة السفير الفلسطيني وبسماع سفير دولة فلسطينبتونس كشاهد في هذه القضية ذكر أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان يتخذ من المنزل الكائن بنهج يوغرطة بميتيال فيل مقرا لعمله وفي نفس الوقت مسكنا له ويحتفظ به بكامل الأرشيف الوطني الفلسطيني والذي بقي بنفس المكان إثر عودة عرفات إلى فلسطين خلال سنة 1994 وهو تحت التصرف الحصري لرئيس دولة فلسطين محمود عباس وأضاف أن عباس طلب بداية من 2007 من رئيس الدولة التونسية إمكانية تسخير خبراء وفنيين للقيام بتخزين وثائق الأرشيف الفلسطيني بواسطة التقنية الرقمية وتقنية المكروفيلم وأضاف أن الحكومة التونسية أنجزت الأعمال المطلوبة وسلمت إلى دولة فلسطين الأرشيف الوطني الفلسطيني مخزنا بواسطة التقنيتين المذكورتين وذكر أن الأرشيف الورقي مازال محفوظا على حاله بمقر الإقامة الرسمي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وأضاف الشاهد المذكور أن دولة فلسطين تمتلك جردا مفصلا لكافة الوثائق المحفوظة بالمنزل المذكور ولم تقع معاينة وجود أي إتلاف أو إعدام لتلك الوثائق. وبسماع المدير العام للمصالح الفنية كشاهد في القضية أكد على أنه لم يحصل إعدام أو إتلاف أية وثيقة من الأرشيف الفلسطيني مضيفا أن سمير الفرياني تعمد نشر موضوع الأرشيف الفلسطيني للصحافة وهذا يعتبر حسب رأيه إفشاء لسر من أسرار الدفاع الوطني. كما نفى بقية الشهود ما ذكره سمير الفرياني بينهم رئيس مصلحة وسائل النقل وأمن المقرات بإدارة العمليات الفنية بالإدارة العامة للمصالح الفنية ونفى ما ذكره سمير الفرياني حول توجيه وثائق وشرائط تنصت لإعدامها بمعمل الفولاذ بمنزل بورقيبة وبمعمل بن غربال بحي الخضراء. وبمعارضة سمير الفرياني بتصريحات الشهود وبما تضمنته الأبحاث تمسك بما اتهم به المدير العام للمصالح الفنية من ضلوعه في قمع المتظاهرين بالقصرينوسيدي بوزيد وتورطه في أعمال قتلهم مضيفا أن ما قصده من خلال المقال الذي نشره يتعلق بتعمد ياسين التايب وبواسطة مسؤولين تابعين لإدارة حجب كل المعطيات التي تنشر على مواقع الفايس بوك في خصوصه واكتفى المتهم بالتشكيك في تصريحات الشهود وعارض ما جاء بتصريحات سلمان الهرفي سفير دولة فلسطينبتونس متمسكا بموقفه مضيفا أن أعوان إدارة الدراسات والأبحاث اقتحموا عنوة مقر إقامة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورغما عن إرادة الجانب الفلسطيني كما أضاف أنه على بينة من أن مهمة حفظ وخزن الأرشيف الفلسطيني هي مهمة سرية لكنها فقدت تلك الخصوصية بعد يوم 14 جانفي 2011 اعتبارا للمشروعية الثورية.
محامو الدفاع يطالبون باستدعاء وزير الداخلية
خلال جلسة أمس التي انطلقت في حدود التاسعة والنصف صباحا حضر حوالي 20 محاميا للدفاع عن سمير الفرياني كما حضر محاميان عن وزارة الداخلية باعتبارها قائمة بالحق الشخصي وقدما تقريرا تضمن طلباتهما. ونودي على الفرياني فأحضر موقوفا وحضر محاموه كما قدم عدد من المحامين إعلامات جديدة بالنيابة على المتهم وبينت هيئة المحكمة أن القضية جاهزة للفصل في حين تمسك عدد هام من هيئة الدفاع بطلب تأجيل المحاكمة في حين عارض عدد آخر التأخير مما أحدث جدلا في صفوف محامي الدفاع فقررت المحكمة "قلب" ملف القضية لتترك مجالا لمحامي الدفاع للتفاوض فيما بينهم..وبعد حوالي ربع ساعة نادت المحكمة مرة ثانية عن القضية وتمسك محامو الدفاع بطلب التأخير مع المطالبة الملحة في الإفراج المؤقت عن المتهم والتعهد بإحضاره في جلسة المحاكمة. وطلب محامو الدفاع استدعاء وزير الداخلية لمكافحته بموكلهم وطرح أسئلة عليه وفق محاكمة عادلة وحتى يكون المتهم مرتاحا كما بين محام آخر أنه لن يطمئن باله حتى يرى وزير الداخلية بقاعة الجلسة ويطرح عليه أسئلة ملاحظا أن التحرير على وزير الداخلية مسألة مبدئية لأنه طرف في هذه القضية. وطلب محامو الدفاع استدعاء المدعو محمد علي الجبالي وسماع شهادته باعتباره آخر من اتصل به الفرياني أواخر شهر ماي 2011 كما بين محام آخر أن الوثيقة التي اعتمدها قاضي التحقيق والمتعلقة بالمكالمات الواردة والصادرة عن الفرياني معدة من وزارة الداخلية وليست من شركة الإتصالات وطلب عرضها على شركة الإتصالات كما طلب مكاتبة الشركة المعنية لمد المحكمة بكشف واضح عن المكالمات الوارة والصادرة عن الفرياني ومقارنتها بتلك الوثيقة. ولاحظ محام آخر أن القضاء في تونس بني على الدم في وقت بورقيبة ورأى أن هذه مناسبة لمعرفة الحقيقة ملاحظا أن الشعب التونسي لم يكن يعرف من يحكمه طيلة 23 عاما لأن بن علي كان مجرد أداة بيد الموساد وغيره. وبعد المفاوضة الحينية قررت المحكمة العسكرية الإفراج المؤقت عن المتهم وتأخير النظر في القضية إلى جلسة يوم 29 سبتمبر الجاري.