قدمت شركة باب منارة للانتاج والتوزيع الفني عرضا مسرحيا أمام الصحفيين يوم الخميس الفارط لعملها الجديد «تح بح» نصّ عماد بن عمارة، دراما تورجيا واخراج الفنان القدير عبد المجيد الاكحل. وتتنزل أحداث المسرحية ضمن اطار اجتماعي متداول. فقد ارتكزت بالاساس على المعيش واليومي وما يحياه التونسي انطلاقا من مجموعة من العلاقات التي أصبحت مؤسسة في راهننا على رغبات جامحة أساسها التحيل وكسب المال الوفير بطرق سهلة ولكنها ملتوية، لهجة المسرحية الدارجة وروحها كوميدية ساخرة لكنها لا تخلو من التحليل النفسي ومن الكشف عن ذوات مريضة آما آليات التعرية فهي النقد المباشر الذي لا يحتفل بالرمز ولا يعتني بالايحاء لأن العمل أراد أن يؤكد أن المغالطة اضحت خبزنا اليومي لذلك يجب أن نعي بخطورة هذه الوضعية ولكن الهام في هذه المسرحية انها لم تجنح الى الخطاب الوعظي ولا الى تقديم الدروس بل إنها غاصت في الاشكالية ببساطة دون مساحيق ولكن باتزان شديد تكشف عنه المواقف وتشكل الشخصيات في علاقتها بذواتها ولكن ايضا من خلال ارتباطاتها المتنوعة ببعضها البعض. ويتشكل النسيج المسرحي في «تح بح» من خلال زيارة مرشدة اجتماعية لعائلة النوري المتقاعد والمغلوب على أمره هذا الرجل الخاضع لزوجته عزيزة البخيلة والمتسلطة.. عزيزة بأحكامها بأوامرها ونواهيها تهيمن على كل الاسرة بمن فيها ابنتها الوحيدة قمر. ورغم أن لعزيزة دخلا محترما وتتصرف بالكراء في محلات زوجها الا أنها تحاول دوما أن تستغل ضعف شخصية النوري لتكبله وتفرض عليه افكارها، فتجبره مثلا على التحيل ولعب دور الأعمى لتنتفع بالمنحة الاجتماعية كما أنها تدفع ابنتها الى التظاهر بالخبل علها تؤثر على المرشدة الاجتماعية ولكن عزيزة تفشل في كل مساعيها خاصة وأنها تكون بدورها ضحية مرشدة تحتال بدورها على الناس ويتواصل الخط الحدثي تصاعديا مسترسلا معتمدا حبكة متطورة تحمل العديد من المواقف الطريفة الاخرى التي حذق المخرج تقديمها الى الجمهور واستطاع الممثلون ايصالها الى المشاهد دون تكلف.. فيكون الانفراج بعودة النخوة والرجولة والكبرياء الى النوري الذي يمسك بزمام الامور. المسرحية في عمق طرحها لم تعتمد فلسفة بل كانت من صميم الواقع، عفوية وتلقائية برزت خاصة من خلال الحرفية المتناهية لعبد المجيد الاكحل وكذلك الى زمرة الممثلين المقتدرين الذين التفوا بحب حول هذا الانتاج الجديد وهذا ليس بغريب على أسماء تركت بصماتها على المسرح التونسي، اسماء يمكن اعتبارها من الرواد هم النواة لمسرحنا علامات مثل حضورها في «تح بح» اضافة هامة فقامات مثل سليم محفوظ، عزيزة بولبيار، اضافة الى الممثلة القديرة أنيسة لطفي التي تعود الى خشبة المسرح بعد أكثر من عشرين سنة من الغياب عن فضاء الفن الرابع . هذه الاسماء الثلاثة الى جانب شباب على غرار دارين بوغزالة وزهرة الشتيوي كانوا بحق نقطة مضيئة تجعل من «تح بح» عملا حريا بالمشاهدة ونتمنى أن يجد حظه من البرمجة حتى يتمكن عشاق المسرح من استعادة ذكريات ممتعة مع مسرحيين طبعوا رابع الفنون برهافة حسهم على امتداد أربعين سنة.